الحراك السياسي هل يعجل بتسوية سياسية شاملة ؟!!

جدل واسع ولغط كثيف دار حول الحراك السياسي الذي تشهده البلاد حالياً، هل هو احتجاجات عفوية أم ثورة شعبية ؟ . لا شك أن هنالك فرقاً كبيراً بين الاحتجاجات والثورة فالاحتجاجات عبارة عن نفعالات ظرفية ووقتية كما يحدث في الملاعب الرياضية من احتجاجات على قرارات الحكام . الاحتجاجات لا ترقى لمستوى الثورة التي هي عبارة عن دعوة مؤسسة للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإصلاح في كل مناحي

الحياة الأخرى وهي عملية سياسية مستمرة ومتطورة لها قيادة سياسية معروفة وخطاب سياسي موحد وأهداف وبرامج ووسائل  لتنفيذ تلك الأهداف. الثورة لا تعني الفوضى وإزهاق الأرواح وتخريب وتدمير الممتلكات العامة و الخاصة وحرق العربات وتكسيرها . الأحداث الأخيرة قيادتها غير معروفة وليس لها أهداف وسياسات محددة وخطاب سياسي موحد وحصرت نفسها في شعار واحد    ( تسقط بس ) وهو شعار أجوف لا يعبر عن رؤية سياسية استراتيجية كما أنه يستهدف رئيس الجمهورية الذي يمثل مركز القوة والثقل في الحكومة

الحالية وله قاعدة جماهيرية كبيرة هذا بالإضافة لدعم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية له لأنه يمثل قيادتها العليا . رئيس الجمهورية هو صاحب فكرة الحوار الوطني وهو الضامن لمخرجاته . كل أحزاب وحركات الحوار الوطني أجمعت على أن يظل رئيس الجمهورية في موقعه حتى انتخابات 2020م لأنه أصبح يمثل صمام أمان لوحدة السودان ويشارك أحزاب الحوار الوطني في هذا الرأي معظم أهل السودان . إذا سألنا أنفسنا ما الذي سيحدث بعد السقوط ؟ فهو غير معروف وهذا يعني أن الأحداث الأخيرة ستقودنا لمصير مجهول يعود بنا للدورة الجهنمية المعروفة للجميع . الوطن لا يبنى بالشعارات الجوفاء وإذا كان الحال كذلك فأين نحن الآن من شعار (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع ) لكل ما تقدم يمكن القول بأن الحراك السياسي الراهن فجرته غضبة

شعبية عفوية ناجمة من مرحلة الاستكانة التي عانى فيها المواطنون من شظف العيش وهذه الغضبة الشعبية العفوية أقرب إلى الاحتجاجات الشعبية العفوية من الثورة الشعبية لأن الثورة تعم معظم أجزاء البلاد ولا يمكن السيطرة عليها حتى تحقق كل أهدافها المشروعة وغير المشروعة . إسقاط النظام يتحقق عن طريق الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات وليس عن طريق الاحتجاجات الفوضوية . الانتخابات تبقى لها عام وهي فترة قصيرة كان يمكن انتظارها حتى يتحقق إسقاط النظام بأسلوب حضاري يتماشى مع روح العصر وأسلوب الثورات العظيمة التي شهدها العالم . أما اللغط  الذي دار عن ماهية حقيقة كتائب الظل فهي كتائب استراتيجية مكونة من المهنيين من سائقي القطارات والأطباء والممرضين ومهندسي الكهرباء والمياه والفنيين وموظفي الجمارك والمطارات …..  إلخ لتسيير دولاب العمل بالدولة في حالة العصيان المدني والإضراب السياسي وهي ليست بكتائب عسكرية قتالية . تلك هي حقيقة كتائب الظل . تجمع

المهنيين انضم للاحتجاجات بعد أكثر من عشرة أيام من انطلاقتها وأحزاب (حضرنا ولم نجدكم) انضمت لها بعد تجمع المهنيين لتشكيل قيادة سياسية للاحتجاجات حتى يتسنى لهم استغلالها لتحقيق أجندتهم الخاصة. جاءت قرارات رئيس الجمهورية الأخيرة لتحدث اختراقاً داوياً في حالة انسداد الأفق السياسي لتفسح مجالاً واسعاً أمام تسوية سياسية شاملة يشارك فيها الجميع . بعد دراسة أحزاب المعارضة لقرارات رئيس

الجمهورية استجابت لدعوته في المشاركة في الحوار المفتوح الذي سيعجل بتسوية سياسية شاملة تنقل السودان لمرحلة جديدة بممارسة سياسية جديدة تتكون من ثلاثة تنظيمات سياسية كبيرة (حزب الوسط وحزب اليمين وحزب اليسار) .مبادرة الرئيس تختلف عن كل المبادرات السابقة لأنها جاءت متماشية تماماً مع الشرعية الدستورية . نظام الحكم الحالي يعتبر أفضل “السيئين الموجودين” في الساحة السياسية لأنه حقق الأمن والاستقرار بالرغم من حجم المعاناة الكبير الذي تحمله الشعب والمعاناة تهون في سبيل الحفاظ على الأمن والاستقرار . ما تبقى الآن من احتجاجات محدودة انحصر في أحياء معينة ومعروفة يمكن السيطرة عليه بكل سهولة ويسر عن طريق الإجراءات الوقائية أو العقوبات الناعمة حتى يقوم سكان تلك الأحياء بدور الشرطة في القضاء على ظاهرة الاحتجاجات . خلاصة القول : جيل الشباب الحالي الذي شارك في هذه الاحتجاجات بفعالية يختلف عن جيل الرئيس لاختلاف الأعمار والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإقليمية والدولية والمحلية . الرئيس تولى السلطة في البلاد والتمرد كان يدق على أبواب مصنع سكر كنانة مدعوماً بالمعسكرين الشرقي والغربي في وقت واحد والكنيسة العالمية والإفريقية . قبل أن يتولى الرئيس السلطة في البلاد كان السودان يعرف برجل إفريقيا المريض وبعد استلامه للسلطة أصبح السودان رقماً

سياسياً لا تتخطاه  السياسة الدولية ويكفي هنا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد وصفت السودان بأنه أصبح يهدد أمنها القومي وسوف لا تسمح له بالاحتفاظ بأراضيه الشاسعة واستغلال ثرواته وموارده الضخمة ومن هنا جاء انفصال الجنوب بإرادة سياسية أمريكية طاغية وغالبة .تقرير المصير الذي قاد للانفصال تبنته كل الأحزاب السياسية وشاركت فيه النخب السياسية التي انضمت لقرنق على أمل العودة السريعة لكراسي الحكم  . أنا هنا لا أدافع عن نظام حكم أنا من ضحاياه ومن مظاليمه  و لا يمكن للظلم أن يجعلني أصمت عن قول الحقائق التي عايشتها.  ختاماً : قرارات الرئيس لا تمثل حلاً ولكنها فتحت الباب واسعاً لتحقيق تسوية سياسية شاملة ورضاء سياسي تام وقبول بالآخر عبر حوار شامل لا إقصاء فيه لأحد . وبالله التوفيق

السوداني

Exit mobile version