رئيس الوزراء الجديد، الدكتور محمد طاهر إيلا، له معرفة تامة بمشكلة الاقتصاد السوداني، لاسيما وأنه أمضى أكثر من عقدين في الجهاز التنفيذي، ومعروف عنه صرامته وقوة شكيمته، وهو إذن أنسب من يتصدى لمعالجة مشكلة الاقتصاد ووضعه في مساره الصحيح.
من بين خيارات محدودة جاء الرهان على إيلا في هذا الوقت الحرج جدًا، لأن العلة الظاهرة للاقتصاد والتي يعيها كل التنفيذيين وحتى الشعب أننا نستهلك أكثر مما ننتج، ولا أعتقد أن إيجاد التوازن بين كفتي الإنتاج والاستهلاك صعبة في دولة تفتقر للموارد، غير أنها في السودان ميسورة جداً لاسيما وأن البلد تزخر بالموارد المتنوعة والسهلة.
ولذلك المهمة رقم واحد أمام إيلا هي ضبط الإنفاق الحكومي بغية توفير التمويل للوحدات الإنتاجية من خلال توفير مدخلات الإنتاج من أسمدة ومبيدات ومحروقات للموسم الزراعي القادم، والاهتمام بالزراعة تحديداً من خلال إنفاذ برامج الزراعة المكثفة دون التقيد بالفصول، فهي قد أفادت البرازيل، حيث أنها أصبحت ثاني أكبر دولة مساهمة بعد أمريكا في الإنتاج الإجمالي العالمي. والبرازيل ما تمتلكه من أراضٍ زراعية لا يتعدى الثمانية ملايين هكتار، ولكن العقول والتخطيط السليم وبعد تحقيق الإنتاج الوفير اتجهت للتصنيع الزراعي والغذائي وأصبحت رائدة الآن في هذا المجال.
واليوم، فإن في السودان بنيات جيدة للزراعة، إضافة لهيئة البحوث والباحثين، والمطلوب فقط استنهاض الهمم وتقوية العزائم، فهناك محاصيل نقدية تضخ الدولار تتعدى الـ28 محصولاً مدتها في الإنتاج لا تتجاوز الثلاثة أشهر ودونكم إنتاج القمح لهذا الموسم، فإني أرى أنه لا توجد حاجة للجوء للآخرين ليعطونا المنح والقروض والهدايا فنحن بلد موارده وفيرة، فقط علينا أن “نخت الرحمان”.
المهمة الثانية أمام رئيس مجلس الوزراء تمزيق فاتورة الدقيق، ونحن كشعب مجبر على تطبيق تجربة “الذرة فينو” وإحيائها مجدداً وهي ضرورة اقتصادية الآن، فقد ظهرت مشكلة الدقيق في العام 1977 وكانت مشكلة عويصة جدًا جعلت النميري يبتعث باحثين سودانيين إلى روسيا بغية إيجاد حل مستدام من خلال توفير مدخلات الخبز محلياً خصوصاً أن السودان ينتج ما يعادل 64 بالمئة من احتياجه من القمح، والنسبة قابلة للزيادة بزيادة الرقعة المزروعة وتجربة الذرة فيتو قائمة على 70بالمئة القمح30 بالمئة ذرة، وما يخدم مصلحة المعادلة هذه أننا ننتج أفضل عينات من الذرة أقرب للقمح من حيث البياض واللزوجة والقيمة الغذائية، ومسألة الدقيق انتهت بسبب الإنتاج الوفير، ولكن لابد للدولة وإعلامها أن يعملا معاً من أجل تغيير السلوك الغذائي للشعب، ونعتمد فيه على منتجاتنا المحلية خاصة في المدن الكبيرة، لأن الغذاء دوماً هو البوابة لإذلال الشعوب والحكومات، ودونكم البرود وعدم الاستجابة لأزمتنا الأخيرة من أعز الأصدقاء.
المهمة رقم ثلاثة، لابد من الاهتمام بالثروة المعدنية الهائلة وتوجيه التعدين العشوائي وتقنينه، يجب في هذا الإطار إلزام البنك المركزي بتقديم أسعار مجزية للمعدنين من أجل استقطاب إنتاجهم الكبير في دعم احتياجات البنك المركزي للعملة الصعبة، واستغلال الثروة المعدنية استغلالاً علمياً، لأن ما يجري الآن عمل عشوائي لا يتناسب مع بلد تخطو نحو التطور.
المهمة الرابعة، معالجة مشكلة توفير النقود وزيادة المعروض منها فوراً اليوم قبل الغد، لتلافي أضرارها الآنية والمستقبلية، وتتمثل الآنية في حالة الخسارة بالبيع نقداً والربح في حالة البيع بالشيك، وهذه نقود لا تتوفر، حيث أن البنوك لا تتوفر فيها النقود، ويصبح الربح ربحاً وهمياً وبلا قيمة.
والجدير تبيانه أن أزمة النقود هي المشكلة الأساسية وقاطرة التضخّم لأنها أظهرت اقتصادين نقدي وورقي.
الصيحه
