رؤى – عبدالرحمن الامين – فطام الأحزاب

*دائماً كُنا نقول إن الاتفاقات الثنائية تقود إلى حلول جزئية، ومن ثم فإن هذا يُرتّب ضمن ما يُرتّب قسمة في الثروة والسلطة، الأمر الذي قاد إلى المحاصصات، كما أن السعي وراء الغلبة السياسية، قادنا إلى نفق القبليات، وبين هذا وذاك غابت الكفاءات.

 

*كل نظم الحُكم العسكرية، أول مقدمها كانت تنعى الطائفية، وتعتبرها واحدة من أسباب اعتقال وَعيِنا وتأميم إرادتنا، وأنها إنما جاءت لتحرير فهمنا وألا نكون مُرتَهنين لإشارة سادتنا، لكن من أسفٍ أننا بدلاً من أن نتطور في تركيبتنا، ارتددنا إلى القبلية، وهي في السلم الاجتماعي أدنى درجة من الطائفية، على عهد الأحزاب المُتّهمة بالطائفية ذابت القبلية في مواعينها وانسجم الناس في أطرها، ثم لما ضُيّق على الأحزاب وحُطِّمت مؤسساتها، ارتد الناس إلى قبلياتهم يحتمون بها ويصعدون بها.

 

*تجربة المحاصصات والرافعات القبلية والجهوية، كانت تجربة أليمة، غابت معها كفاءاتنا، وحبست بسببها كل طاقاتنا، ومن ثم لم يكن هناك من تفكير خارج الصندوق تنقدح به أفكارنا وترتقي به رؤانا.

 

*الرئيس البشير في خطابه الأخير الشهير، قال إن الحكومة القادمة هي حكومة مهام، وستعتمد في تكوينها على أصحاب الكفاءات والقدرات، ومع ذلك، فإن المرء يلحظ سعياً محموماً من الذين أُضِيرت مصالحهم وتكاد الأبواب تُسّد أمام وجوههم، هم يقولون ومن قال إن الأحزاب تفتقد الكفاءات، وإنها عاطلة من أصحاب الموهبات، هذا التفاف واضح يريدون به العودة مُجدداً إلى السلطة ودستها وإلى الوزارة وكرسيها.

 

*الفطام ما ينبغي أن يقتصر على المؤتمر الوطني، وإنما ينبغي أن يمتد إلى الأحزاب التي صنعها الوطني على عينه، وأراد بها أن يُعزّز من حُكمه وأن يُكثِر من أحزاب الديكور من حوله.

 

*هذه الأحزاب التي والَت المؤتمر الوطني، والتفّت من حوله، تشقّقت من أحزابها الأم، وكانت جسماً ضراراً لها، ورضيت بأن تكون تابعة ورديفة، مقابل ذلك أفاء الوطني عليها من كيكة الحكم وقصعته.

 

*ولأنها أصلاً أحزاب تم تأسيسها لأجل من هو على رأسها لاستوزاره وجلوسه على المنصب وكرسيه، نجد أن قادتها ظلوا لنحو عقدين من الزمان، هم من يقدمهم حزبهم، ولا يرضون هم بديلاً عنهم، الغرابة أن هؤلاء ما تزال المطامع تغلب عليهم وما تزال المطامح تستهويهم، مع أنه لو سألتهم ما هي المُنجزات التي تحقّقت على أيديهم، لحاروا إجابة رغم طول مكثهم.

 

*هكذا أحزاب لو فُطمت عن السلطة والالتصاق بها، ولو أفهمت أن عليها أن تجتهد في بناء نفسها، ربما عادت إلى أصلها وتحمّلت المشقة في بناء أحزابها، هذا هو الطريق لإصلاح الحياة السياسية، أما أن نستمر في استمالة هكذا أحزاب، فإننا بهذا نعمل على تخريب حياتنا لا إصلاحها، ومفارقة مبادئنا وإهالة التراب على استقامتنا، نحن نريد أن نبني وطناً لا أفراداً، يريدون علوا لأنفسهم لا لوطنهم، بئس المنقلب منقلبهم وبئس المكسب مكسبهم.

 

الصيحه

Exit mobile version