آخر الحكي- وجدى الكردى – شرطة المشاعر والأحاسيس النبيلة!

أورد المفعوص زكريا بن راضي، كبير البصّاصين في رواية “الزيني بركات”، أورد في تقريره الوافي الذي رفعه لمباحث شرطة المشاعر والأحاسيس النبيلة، قال: “بعد مراقبة سماح وعمرو. وطبقاً لما هو تحت يدنا، لا يمكن تحديد التاريخ الذي بدأت محبتها تدبّ في قلبه. ولكن بعد تحديد طريقة مشيته وأحاديثه معها يوم شم النسيم في حدائق بولاق، ثبت عشقه لها مع أنه لا يراها إلّا نادراً”.

 

لم يكشف جمال الغيطاني المصير الأغبر الذي حاق بسماح وعمرو بعد ثبوت عشقهما، “وأنا ذاتي ما اشتغلت بالموضوع كتير”، لانشغالي بمصير أسود – صناعة محلية – مدسوس في ثنايا خبر نشرته صُحفنا يوم الثلاثاء، عن زكريا بن راضي السوداني الذي وشى بـ “34” تلميذة أساس و”12″ شاباً، تمّ ضبطهم متلبسين بالرقص في حدائق “سوبا” شرقي الخرطوم.

 

أي والله!

صرفت المحكمة “40” جلدة و10 آلاف جنيه غرامة و”3″ أشهر بالسجن للراقصات الصغيرات، ومن معهنّ من رفاق الموسيقى وشمّ العبير في “جناين سوبا”.

 

دعك من الجلد والسجن والتغريم و”البشتنة” التي اعتادت عليها أقفية السودانيين جزاء رقصهم خارج “سباتة” النظام العام، وتوقّف أعزّك الله أمام العنوان الذي اختارته الصحيفة لوصف الحدث، قالت: “عقوبات رادعة لـ 46 طالبة وشاباً أقاموا حفلاً ماجناً”. ثمّ كرّرت وصف الحفل الراقص بالمُجون في محتوى الخبر، دون أن تقدّم تفسيراً للقراء، عن كيف يتعرّفون على الرقص الماجن، والرقص “أبو من غير مُجون”.

 

المجون يا صاح، تعني: الإباحية، التهتك، الخلاعة، الدعارة، السفالة، العُهر، الفجور والفسوق. فهل استحق فعل الرقص “التلاميذي” كل هذا القصف اللُغوي؟

 

لا ينكرنّ ناكر، ولع السودانيين بالرقص ومتعلقاته من دلّوكة وشتم وربابة، حتى قال عنهم إبن خلدون في مقدمته قبل 640 سنة: “رأينا من خُلق السودان على العموم، الخفة والطيش وكثرة الطرب. فتجدهم مولعين بالرقص على كل توقيع..”، وروى محمد بن عمر التونسي قبل “200” سنة في “تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان”، إنه شاهد حلقة رقص صوفي في دارفور، شاركت فيه النساء مع الرجال، رقبة بكتف، وكتفاً بمُكاءٍ وتصدية.

 

دعك من شهادات الأجانب المغرضين الذين يستهدفون “مُكتسبات الأمة”، وتعالوا نستعرض شخصية المُلهم الأول، لأمة الأمجاد والرقص العريق!

 

تناول محمد النور ضيف الله في طبقاته الشهيرة، شخصية إسماعيل الدقلاشي. أو إسماعيل صاحب الربابة الذي اعتبره د. محمد عبد الحي “شخصية أسطورية خرجت من رحم الثقافة والخيال الجماعي للأمة السودانية”.

 

جمع الدقلاشي بين كل المتضادات. كان ذاكراً وعابداً وعاشقاً وفاسقاً كما أورد معاوية يس في سفره “الغناء والموسيقى في السودان”.

 

 

كان صاحب الربابة حين “تقوم عليهو الحالة”، يجمع الفتيات والعرسان في داره ويغنّي، وحين ينقر الدقلاشي على ربابته “يفيق منها المجنون وتُذهل منها العقول وتطرب لها الحيوانات والجمادات، حتى إنّ الربابة يضعونها في الشمس، وأول ما تسمع صوت الدقلاشي، تعزف لوحدها دون تدخل من أحد”.

شايف كيف؟

 

يُحكى أنّ الدقلاشي المطموس، عشق زوجة رجل من غمار الشعب، اسمها “تَهْجَة”. وصف ثغرها ورقصها بفُحش وصعلكة، فخشي زوج الست من ربابة الدقلاشي ولسانه الفاحش، فجمع أغراضه وهاجر بعروسه إلى مملكة تقلي!

 

أليست هذه قرينة بأنّ السودانيون يعرفون الغناء والرقص والربابة والدلوكة والشَتَمْ والحُب الحلال، والحرام ذاتو؟!

دعوهم يرقصون تحت الشمس الحلال، لا تحت ظلال الأشجار المظلمة.

 

الصيحه

Exit mobile version