قد لا يكون الأمر موضوعاً للجدل، إذا قرر أحدنا بأن هذه البلاد الفسيحة الأرجاء، ذات التاريخ المشرق، والسيرة الحسنة، قد اتصفت بغزارة العلم فيها، وبأهل التصوف، والباحثين عن الحقيقة ، والباذلين للجهد من أجل المعرفة ، والإحاطة ببواطن الأمور وظواهرها ، مما جعلها ذات ثراءٍ واسع فيما يتصل بعلوم الدنيا والآخرة ، وشؤون الحياة
بمختلف أوجهها ، وتنوع أشكالها ، حيث تلتقي المصالح ، وتتآلف القلوب ، وتتعارف المجموعات والقبائل ، حيث لا تمييز ، ولا استعلاء ، بل هو التصاهر المشهود ، والتزاوج الذي كان سبباً لإزالة الفروقات ، وتماثل السحنات ، وتعدد الألوان ، والتقاء المزاجات والثقافات في صيغة تجل عن النظير والمثيل .
> والكفاءات في هذه البلاد ، ليست أمراً يحتاج إلى كثير بحث ، لكن الذي تتطلبه ، هو أن يكون الباحث عنها صادقاً ، والذي يتصف بها مؤمناً بما سينجزه من مشروع ، وما سينهض من أجله بعلو الهمة ، وحرية الإرادة ، والابتعاد عن التخذيل ، وتجنب الذي لا يتردد لإحداث التأخير والخسران .
والسيد رئيس الوزراء ، الذي كلف بتشكيل حكومة للكفاءات ، قد يرى بعضنا بأنه اجتهد ، فكان جهده هو جهد المقل ، وقد يرى آخرون بأنه استعجل فلم يكمل موجبات الشورى لإسقاط المعايير ، وإعمال المراجعات كما قد يرى فريق آخر بأن الرجل كان محاصراً بمجموعات سياسية ، وملزماً بمخرجات طالما أكد رئيس الجمهورية بأنه ملزم بها ، ومهما يكن الحال وما كان مؤثراً على قرار رئيس مجلس الوزراء ومن استعان بهم لإعلان التشكيلة ، فإننا قد لا نخشى أحداً بالقول بأن ما حدث من توليفة وزارية ، لم يتناسب أمرها مع السقف العالي الذي كان يأمل فيه الجمهور بحسبان ان الرأي العام ، وما تشير إليه اتجاهاته مهما كانت ملاحظاتنا حوله ، فهو الأقرب إلى صحة التقدير والاقتراب من حقيقة التقييم والتقويم .
> فالرجل الذي إذا أسندت إليه مهمة ، وهو يدري طبيعتها ، ويحيط بشروطها ، ويلتزم بما تستدعيه من طاقات وقدرات ، هو رجل كفءٌ لكن مثل هذه الكفاءة تستلزم أن يصاحبها قبول ، أي بمعنى أن تسند المهام للأكفاء ، ومن تدعمهم الجماهير بقواعدها ، وبالتالي تتصل الكفاءة بالرضا الجماهيري وبالقواعد ، إذ لا معنى لكفاءة لا تجد من النَّاس القبول .
وكفاءة أهل السودان بالنظر إلى مواعينها ، واتجاهات من يتصفون بها ، وأولئك الذين يمتازون بعناصرها ، وقد تفرقت بهم السبل ، وحملتهم رياح المسغبة ، والحاجة إلى بلاد بعيدة ، كان ذلك من الجوانب التي يفترض من الضرورة بمكان استصحابها ، ولم يكن من المستحيل الانتظار قليلاً للبحث عن أولي العلم بطريقة عبر بها بعض العالمين ببواطن الأمور بأنها هي صيغة التفكير الجاد خارج الصندوق .
> ولا أجد بأن إسناد الأمر لأهله ، والبحث عن المخارج بوجود أهل الكفاءة ، يشكل عسراً ذلك لأن بعد العسر يسراً و لا يغلب كما نص الحديث عسرٌ يسرين .
> فالمراجعات بالنظر إلى الراهن ، وما حدث بشأنه أمرٌ واجب ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الانتباهه