تشاد بعد سقوط المخلوع في الخرطوم.. هل تطيح برئيسها؟
ناقش تقرير حديث بمعهد السلام الأمريكي مستقبل الحكم في تشاد، وتأثير سقوط البشير على العلاقة بين الدولتين، وطرح تساؤلاً بشأن الأحداث في الخرطوم وتأثيرها على السياسات في دارفور. (السوداني) تنشر التقرير لما يلقيه من ظلال حول السودان وثورته الوليدة.
ارتباط سياسي
اعتبر التقرير أن سياسات تشاد ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسياسات السودان، سيما ولاية دارفور التي تشكل الحدود الشرقية لتشاد، حيث أثار سقوط المخلوع البشير مؤخرًا من السلطة، تساؤلات حول مستقبل رئيس تشاد وحليف الولايات المتحدة إدريس ديبي، الذي يواجه تحديات مماثلة في الحكم وفي السلطة منذ العام 1990م.
ويرى خبراء معهد السلام الأمريكي أنه على الرغم من أن العلاقة بين البشير وديبي كانت متوترة في الماضي، إلا أنهما كانا على علاقة طيبة في الآونة الأخيرة. فقد اجتمعا في الخرطوم لمناقشة استمرار التعاون في الرابع من إبريل، قبل أسبوع فقط من خلع البشير. لافتين إلى أن الرئيس التشادي مثل كثيرين آخرين، ينتظر معرفة الاتجاه الذي يسلكه السودان في عهده الجديد.
وجود حميدتي
إلا أن الخبراء الأمريكيين يرون أن القيادة العسكرية في الخرطوم ليس لديها سبب فوري لاستعداء إنجمينا، كذلك فإن تعيين محمد حمدان دقلو “حميدتي”، كنائب لرئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، سيكون له تأثير كبير، مشيرين إلى أن بقاء “حميدتي” في منصبه، سيجعل العلاقة بين الخرطوم وإنجمينا تحظى بمزيد من الأهمية.
وبدأ التقارب بين تشاد والسودان في العام 2010م باتفاقية لإيقاف العدائيات، بين البشير وديبي، ويبقى حالياً معرفة ما إذا كان المجلس العسكري سيحترم الاتفاقية على المدى الطويل، وبالنظر إلى تاريخ قيادة المجلس العسكري فإن رئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان كان عقيدًا في المخابرات العسكرية يقوم بتنسيق عمليات مكافحة التمرد في غرب دارفور، حيث تضم هذه الجماعات متمردين تشاديين، وتعمل في السودان وتشاد على السواء.
وبحسب الخبراء قد يكون لصعود حميدتي، الذي ينحدر من عشيرة عربية تشادية صغيرة استقرت في جنوب دارفور في الثمانينيات، آثار كبيرة على تشاد، معتبرين أن حميدتي كان لاعباً في جميع الجهات، فهو يمثل زعيم محلي له نفوذه، وفيما بعد لفترة قصيرة، كمعارض للحكومة السودانية وبعد ذلك مستشاراً أمنياً لحكومة جنوب دارفور، في أول منصب حكومي رسمي له.
وخلال أدواره المتغيرة، حافظ حميدتي على علاقات قوية مع السياسيين العرب التشاديين، الذين لعبوا في العام 2006م دورًا أساسيًا في اتفاق إيقاف العدائيات بين حميدتي وحركة العدل والمساواة. وبحسب الخبراء فإنه حالياً يبدو أنه أكثر عدوانية لنظام ديبي وقد يدعم الاستيلاء العربي لتشاد.
مشيرين إلى أن الدور المستقبلي لقوات الدعم السريع (RSF) في السياسة التشادية غير مؤكد. حيث تضم قوات الدعم السريع المئات من الشباب العرب التشاديين والمتمردين السابقين، الذين تفيد التقارير أن تجنيدهم مايزال مستمراً. قد يكون هؤلاء المسلحون مهتمين بتغيير النظام في تشاد أكثر من السودان. على الرغم من انقسامهم داخلياً، فقد تم تمثيل العرب التشاديين تاريخياً في كل من الحكومة والمعارضة التشادية، في الأحزاب السياسية المختلطة عرقياً. ومع ذلك، قد لا يرفض البعض الدعم المسلح الذي يقدمه حميدتي، في حال عرضه.
تحليلات أخرى
وبحسب المحللين فإن القبلية والسيادة العربية، التي تتأثر بها السياسة السودانية والليبية، بدأت تؤثر بشكل متزايد على تشاد، حيث تقع هجمات بين المجموعات العربية وغير العربية في كل من شرق تشاد وفي مناطق تعدين الذهب على الحدود التشادية الليبية.
وتساءل المحللون ما إذا كان نجاح الثورة السودانية سيشجع المعارضة التشادية خاصة وأن تشاد شهدت مظاهرات ضد الحكومة منذ العام 2016م؟
يرجح المحللون ذلك ويرون أنه على الرغم من أن المجتمع المدني في تشاد لديه نماذج أوثق للاحتجاج في إفريقيا “الفرانكوفونية”، ولا سيما في بوركينا فاسو، جمهورية الكونغو الديمقراطي، وحالياً في الجزائر.
إلا أن هناك أيضاً اختلافات مهمة بين تشاد والسودان، حيث يوجد في تشاد مجتمع مدني نشط بشكل متزايد، بما في ذلك بعض النقابات العمالية، لكن ليس لديها حركة طلابية قوية، ولا توجد طبقة وسطى حضرية كبيرة. فقد كان مفتاح الأحداث في السودان هو احتجاج النخب من نفس المجتمعات في المنطقة الوسطى بالسودان التي يتألف منهم النظام وقوات الأمن، التي ربما تسببت في امتناع البعض في الجيش عن الوحشية.
في تشاد، تتألف قوات الأمن إلى حد كبير من أقلية عرقية من الزغاوة، ويوجد القليل من الزغاوة ممثَّلون في المجتمع المدني والمعارضة المدنية، وبالتالي ليس لديهم النفوذ لكبح القوات المسلحة.
ومع ذلك، فإن الزغاوة ممثلون جيدًا في المعارضة المسلحة التشادية، لا سيما في اتحاد قوى المقاومة بقيادة “تيمان إرديمي”. وغالبًا ما كان الجيش التشادي مترددًا في قتال الاتحاد، الأمر الذي قد يفسر سبب اضطرار حكومة ديبي إلى الاعتماد على القوات الجوية الفرنسية لمهاجمة قوات اتحاد قوى المقاومة التي دخلت شمال تشاد من ليبيا في فبراير. وبررت الحكومة الفرنسية تدخلها على أساس أنها كانت تعمل لمنع الانقلاب.
فرنسا في المشهد
ويشير التدخل الفرنسي إلى أن باريس ما تزال ملتزمة تجاه ديبي، حتى أكثر مما كانت عليه في الماضي.
وتعتبر الولايات المتحدة أيضًا تشاد حليفًا رئيسيًا في الحرب ضد الجماعات المتطرفة، وتتعاون عسكريًا مع القوات التشادية، ومع الجهود العسكرية لمكافحة الإرهاب ضد بوكو حرام، فرقة العمل المشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF)، والتي يقع مقرها الرئيسي في إنجمينا.
في ذات الوقت، لا يبدو أن أياً من فرنسا والولايات المتحدة أو أي دولة أخرى في المجتمع الدولي مستعدة للدبلوماسية التي تؤدي إلى انتقال سلمي.
ويرى المحللون أن بعض المتظاهرين التشاديين يتخذون من مظاهر الثورة السودانية مصدراً للإلهام، إلا أن هذه الرمزية لن تكون كافية للإطاحة بديبي.
ماذا عن دارفور؟
في ذات الوقت، تساءل المحللون الأمريكيون عن الأحداث في الخرطوم وتأثيرها على السياسات في دارفور؟ مشيرين إلى استمرار القمع العنيف في دارفور خلال الاحتجاجات الحالية. سيما وأن العديد من سكان دارفور ينظرون إلى ما يحدث في الخرطوم على أمل التغيير، في حين يشعرون بالقلق إزاء الآثار المترتبة على منطقتهم. إنهم سعداء بالتضامن الذي أبداه المتظاهرون الذين رفضوا النداءات العنصرية من نظام البشير، كما عكسته هتافات الاحتجاج “كل البلد دارفور”، لكنهم ظلوا محبطين من أن القمع في الخرطوم يبدو أكثر أهمية من العنف الهائل في دارفور.ويقول المحللون إنه بالنسبة للعديد من المتظاهرين فإن “حميدتي” ليس أفضل من البشير، إذا بقي في موقع السلطة، كما يبدو أنه يعتزم ذلك، فلن تكون هناك أبدًا ثقة بأن الأمور ستتغير حقًا في دارفور. ومع ذلك، لا توجد حلول بسيطة، حتى لو حاولت الحكومة المدنية الجديدة نزع سلاح المليشيات، فإنها ستدفع حتماً المتشددين إلى أن يكونوا ناشطين عبر الحدود السودانية، في البلدان التي نشطوا فيها تاريخياً، بما في ذلك تشاد وليبيا، وإفريقيا الوسطى.
ويقول محللو معهد السلام إنه قبل وقت طويل من وفاة المتظاهر الأول في الخرطوم، كان هناك آلاف آخرون مات معظمهم كمجهولي الهوية في دارفور ومناطق الصراع الأخرى في السودان. وبحسب ما ورد فقد قُتل الكثير من الدارفوريين، إن لم يكن أكثر، في احتجاجات إبريل، كما قُتل المحتجون في شوارع الخرطوم.
ولفت المحللون إلى أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أذن بتقليص حجم بعثة الأمم المتحدة في دارفور منذ منتصف عام 2018م. اعتماداً على تقارير تفيد بانخفاض مستوى العنف، إلا أن المحللين يرون أن هناك بعض المفارقة المفزعة سيما وأن الأمم المتحدة كانت تسلم مواقعها الخاصة بقوات حفظ السلام إلى نفس الحكومة السودانية – ونفس حكام ولايات دارفور – الذين أشرفوا على جهاز الأمن القمعي في دارفور.
السوداني