تسريع السلام بالسودان على وقع تهديد رفقاء البشير

يواجه التزام السلطة الانتقالية في السودان بتسريع مفاوضات السلام الشامل، محاولات لتقويضه من قبل بقايا نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير التي تختلق الأزمات وتحاول الإيهام بأن جذورها اجتماعية أو قبلية.

الخرطوم – كثفت السلطة الانتقالية السودانية جهودها لتحريك ملف مفاوضات السلام مع الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وقوى سياسية، لقطع الطريق على تهديدات بقايا نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، ومنع تنامي الاحتقان في بعض الولايات.

وشارك الطرفان، السبت، في ثلاث جلسات تفاوضية بشأن مسار دارفور لاحتواء الجدل الذي أثاره رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، الجمعة، بإعلانه حدوث تراجع كبير في مفاوضات دارفور واتهامه الحكومة بالتنصل من البنود التي جرى التوافق عليها.

ونفى الناطق الرسمي باسم وفد السلطة الانتقالية المفاوض، محمد الحسن التعايشي، التراجع عن أي شيء جرى التوافق حوله مع الحركات المسلحة، وجدد العزم على مواصلة النقاش حول مسارات السلام المختلفة بإرادة كاملة من خلال الفرق الفنية التي جرى تشكيلها لتغطية جميع المسارات بالتوازي.

وشدد، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس يحيى مساء الجمعة، على التزام السلطة بتحقيق السلام الشامل وتقديم التنازلات الممكنة، بما يجعل الاتفاق النهائي موضوعيا وقابلا للتنفيذ.

وتحمل هذه النبرة إصرارا على المضي باتجاه تسريع المفاوضات مع قرب انتهاء التاريخ المقرر للتوصل إلى اتفاق سلام شامل في منتصف فبراير المقبل.

السير ببطء يساهم في اختراق المفاوضات لأن خسارة الوقت في صالح الترويج لعدم القدرة على إدارة المرحلة الانتقالية

تدرك الحكومة أن السير ببطء قد يساهم في اختراق المفاوضات وتغيير بعض المعادلات التي على أساسها تمت عملية البناء لها بالشكل الحالي، لأن خسارة المزيد من الوقت تصب في صالح الترويج لعدم القدرة على إدارة المرحلة الانتقالية بدقة.

وأشار القيادي في الجبهة الثورية، محمد زكريا، إلى وجود توافق بين الحركات المسلحة والسلطة الانتقالية على ضرورة سد المنافذ التي تعرقل سير المفاوضات، وهناك اجتماعات ثنائية جرت الأيام الماضية برعاية لجان الوساطة في جوبا للتأكيد على هذا الأمر، ما انعكس على توافد عدد كبير من قيادات الحركات المسلحة ومسؤولي الحكومة إلى دولة جنوب السودان.

وأضاف، لـ”العرب”، أن إنجاز ملف السلام سلاح فعال في مواجهة الخلل الأمني الذي يظهر من وقت لآخر، يدعم الطرف الحكومي سياسيا، ويؤكد أن المرحلة الانتقالية ماضية في تحقيق أهدافها، وهو أمر تصر عليه الجبهة الثورية التي تبحث عن الاستقرار في الهامش بما يضمن إنهاء الفوضى الناجمة عن انتشار السلاح في أيدي المواطنين.

تسبب تقسيم مباحثات السلام إلى خمسة مسارات في طول أمد المفاوضات.

واضطرت وساطة جنوب السودان إلى تأجيل المفاوضات على مسار دارفور في الغرب، ومسار الشرق، أكثر من مرة نتيجة الاشتباكات التي اندلعت في المنطقتين.

وقاد عدم تمكن أطراف السلام من إحراز تقدم على مدار شهرين إلى تمديدها لشهرين إضافيين، بعد أن كان من المقرر انتهاؤها في ديسمبر الماضي، ما تسبب في عدم ثقة قطاع من المواطنين في أداء الحكومة، واستغلال أطراف محسوبة على نظام البشير تعطل المفاوضات في الدفع باتجاه المطالبة بإقالة حكومة عبدالله حمدوك وإجراء انتخابات مبكرة.

لتأمين البلاد ليلا
وأشار زكريا، لـ”العرب”، إلى أن خطورة عامل الوقت دفعت لأن تشهد المباحثات حالة من النشاط على مسار دارفور الذي يعد الأكثر تعقيدا، واتباع الوساطة لمنهج إداري جديد توافقت عليه جميع الأطراف بأن يجري التوقيع بالأحرف الأولى على كل ما يتم التوصل إلى حله من نقاط خلافية أولا بأول لضمان عدم تعرض المفاوضات لانتكاسات في المستقبل.

ويتلاقى هذا المنهج مع تصريحات أدلى بها الحسن التعايشي أخيرا، وأفصح فيها عن وجود خبراء محليين وإقليميين ودوليين يعكفون على صياغة ما يتم الاتفاق عليه ومعالجته في شكل برتوكولات لكل مسار تضمّن في اتفاق واحد، مع وجود مراقبين من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحادين الأفريقي والأوروبي والأمم المتحدة، يعملون على إزالة العقبات.

وعلمت “العرب” أن ملف دارفور شهد تقدما في قضايا عدة، على رأسها المشاركة في السلطة والتوزيع العادل للثروة وملف الأراضي المجتمعية “الحواكير”.

وكانت قضايا العدالة الانتقالية على رأس النقاشات التي دارت، السبت، بانتظار انتهاء اللجان المشتركة المشكلة بين الحكومة والجبهة الثورية من معالجة ملف مستويات الحكم والتمثيل في الخدمة المدنية القومية والمؤسسات لأبناء دارفور.

ويرى متابعون أن تسريع وتيرة المفاوضات واستباق الانتهاء من أعمال اللجنة المشتركة المشكلة من الحكومة وحركات دارفور، خطوة مهمة، لكنها قد تفضي للتوصل إلى اتفاق لا يرضي أصحاب المصلحة وتكون انعكاساته سلبية بشأن قدرة الحكومة على تطبيقه.

وأشار محمد شرف، ممثل حركة العدل والمساواة في القاهرة، إلى أن مفاوضات السلام تعالج المشكلات الاجتماعية والإنسانية والسياسية التي يعاني منها الهامش، وبالتالي فالحل يتوافق عليه الجميع ولن تكون هناك اعتراضات كبيرة على ما سيتم التوصل إليه.

وأكد، لـ”العرب”، أن مفاوضات جوبا تجاوزت حوالي 60 بالمئة من حجم القضايا الخلافية في ملفات تقاسم السلطة والثروة على مسار دارفور، غير أنه من الصعب أن تنتهي في التاريخ المحدد لها، مرجحا تمديدها مرة أخرى لشهر إضافي.

وذهب البعض من المراقبين إلى التأكيد على أن الدفع بمسارات التفاوض أمر مهم، لأن الحوادث التي تقع في بعض الولايات لها مردودات سلبية على المحادثات، وعدم تورط أي من الحركات المسلحة المشاركة في المفاوضات أو الحكومة في أحداث سابقة بدارفور أو شرق السودان يزيد الرغبة في التقدم سريعا خوفا من اندلاع فتنة تستغلها فلول النظام السابق. وأسهم نجاح الحكومة في حل بعض المشكلات بالطرق الأمنية في ترسيخ قناعة بأن الأزمات ليست اجتماعية أو قبلية، لكنها تتم باختلاق وتحريك من قبل عناصر عسكرية تابعة لنظام البشير، ما منح الحكومة قدرة على المضي في طريق المفاوضات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.