السلاح ينتشر في ليبيا: “على عينك يا تاجر”

يقف شاب عمره 20 عاماً، حاملاً السلاح لحراسة نقطة تفتيش في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس، براتب ألف دينار في الشهر، لقاء ثلاثة أيام من العمل في الأسبوع. يقول الشاب لـ”العربي الجديد”، إن السلاح ملكه، مضيفاً أن المسلحين لا يستلمون سلاحهم من الدولة، وأن الكتيبة العسكرية التي ينتمي إليها تتبع شكلياً للدولة. ويلفت إلى أن “أعضاء الكتيبة يوزعون في ما بينهم ما يصادرونه من أشياء منقولة أو أسلحة. فعلاقتنا بالدولة تتعلق بالراتب فحسب”.
وتزدهر تجارة السلاح في ليبيا هذه الأيام نتيجة النزاع بين حكومتي طرابلس وطبرق وظهور جماعات متطرفة، من بينها تنظيم “داعش”، ما زاد من تردي الأوضاع الأمنية، فكل مواطن ليبي لديه سلاح للدفاع عن نفسه أو بندقية صيد في أسوأ الظروف. لذا، ارتفعت الأسعار، واتسعت هذه التجارة عبر السوق السوداء ليصل السلاح حتى إلى أيدي الأطفال.
وكل كتيبة مسلحة في ليبيا لها سجن خاص بها وغنائم تحصل عليها في فترات مختلفة. وما يسمى محلياً “تمشيط ” وفي وضح النهار، يتمثل بجلوس بائع متجول بجوار سوق الحوت بشارع الرشيد، وسط طرابلس، يقوم ببيع أسلحة خفيفة من مسدسات صناعة تركية، بسعر يراوح بين 120 ديناراً و400 دينار. يقول البائع لـ”العربي الجديد”، إن هذه المسدسات “ليست ذات جودة عالية، ولكنها سريعة العطب مع كثرة الاستخدام، وربما تنفجر في يدك بعد استكمال مخزن أو اثنين، ويفضّل عليها شراء مسدس من صناعة بلجيكية أو برازيلية”. أما السعر، فـ”يصل سعر البلجيكي إلى 7000 دينار والبرازيلي إلى 5000، وبوسعك التجربة قبل الشراء”.
في السياق نفسه، فتحت محلات في طرابلس ومصراتة والزاوية بشكل رسمي تختص ببيع بنادق الصيد. وفي لقاء مع صاحب المحل الواقع بمنطقة انجيلة بطرابلس، يقول إنه فتح المحل عن طريق وزارة الاقتصاد، كما هو متعارف في أخذ التراخيص، وإن عملية البيع تحصل بشكل عادي حيث يُكتفى بأخذ اسم الشخص فقط. وحول عملية توريدها، يوضح أنه يشتري من محل جملة في مصراتة مختص ببنادق الصيد.
علماً أن أسعار السلاح ترتفع وتنخفض بحسب الصراعات المُسلحة في البلاد، كما تشهد البلاد بصورة دائمة حالات إطلاق كثيف للرصاص في الهواء، خصوصاً في حفلات الأفراح.
لهذا كله، تولّد نشاط متسارع في سوق السلاح، حيث تحوّل إلى قطاع أساسي في الاقتصاد الوطني، ويشهد تضخماً كبيراً منذ العام 2011. وقد صرفت الحكومات الانتقالية موارد مالية هائلة بعد ثورة شباط/ فبراير عام 2011، إلا أنها لم تقدم برنامجاً موثوقاً به لشراء الأسلحة المنتشرة.
وحاولت الحكومة منتصف العام 2012 أن تجمع السلاح عبر إقامة مهرجانات في الميادين العامة لمن يسلّم سلاحه، لكن الأسلحة التي وضعت في المخازن سُرقت في أقل من يومين، حسب تصريحات مسؤول فضّل عدم ذكر اسمه. ويشرح المسؤول لـ”العربي الجديد”، أن “مخازن رئاسة الأركان تتعرض ذخيرتها للسرقة، بالإضافة إلى التمترس في مقراتها من قبل مليشيات مُسلحة، ولا توجد للدولة أي قوة لردع الخارجين عن القانون”.
يضيف المسؤول: “لا يوجد حتى الآن جيش وطني ولا أمن وطني، كما لا يوجد نظام حماية للحدود لمنع تدفق الناس والأسلحة والمخدرات إلى البلاد. لهذا هناك تهديد حقيقي للبلاد، سواء من الداخل أو من الخارج. وإلى أن تتمكن ليبيا من بناء مؤسسات أمنية منظمة، فسنبقى نواجه مثل هذه الصعوبات لفترة طويلة في ظل انتشار 20 مليون قطعة سلاح في البلاد”.
وتستعين الحكومات المتعاقبة، حسب المسؤول، بالتشكيلات المسلحة كلما تفجرت أزمة اقتتال بين “الإخوة الأعداء”، والشركاء المتنازعين على تقسيم غنائم البلاد. وتعتبر المليشيات المسلحة الخطر المحدق الذي يواجه ليبيا، سواء كانت المليشيات قبلية أم فيدرالية أم إسلامية أم غير ذلك، في ظل عدم وجود جيش ليبي قوي يحسم المعركة لمصلحة العملية الديمقراطية ولصالح الاستقرار، وفق تعبير المسؤول.
وفي السياق ذاته، كشف خبراء في الأمم المتحدة خلال العام الماضي، أنّ تهريب الأسلحة خارج ليبيا “يغذي الصراعات والتمرّد والإرهاب” في قارات عدة.
فقد أصبحت ليبيا “مصدراً رئيسياً للأسلحة غير المشروعة”. وأوضحت لجنة الخبراء التي أعدّت التقرير، أنها تحقق في معلومات عن نقل أسلحة من ليبيا إلى 14 دولة، في انتهاك لحظر التسلح الذي فرضته الأمم المتحدة.
وأشار الخبراء إلى أنهم وثّقوا نقل صواريخ ليبية مضادة للطائرات تُحمَل على الكتف إلى “جماعات إرهابية” في مالي وتونس، ولآخرين في تشاد ولبنان، مع احتمال نقلها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى.
العربي الجديد