عثمان ميرغني : مرة أخرى.. (آلية إدارة الأزمة)

عندما كتبتُ هنا قبل حوالي أسبوعين وطالبت الحكومة أن تؤسس آلية خاصة للتعامل مع الأزمات، كل الأزمات، قصدتُ أن تتفرغ الحكومة بشكل كامل للمسار الطبيعي وهو بناء الوطن وفق المنظور المستقبلي الذي نخطط له، مع ترك الأزمات، أية أزمة مهما كانت، في المسار الاستثنائي الذي تعكف عليه جهة واحدة متخصصة في إدارة الأزمة..

الآن تبدو الصورة معكوسة تماماً، الدكتور أكرم محمد علي وزير الصحة يطل على وسائط الإعلام بصورة متكررة لتنوير الشعب السوداني بآخر مستجدات الطوارئ الطبية المتعلقة بفيروس “كورونا”، ويجتهد الوزير في إيفاء الرأي العام أكبر قدر من المعلومات لإدراكه أن واحداً من أهم أسلحة مواجهة الأزمة هو أن يعلم المواطن بما يدور حوله وما تفعله الحكومة وما يجب أن يفعله المواطن.. ولكن!!

لو تشكلت “آلية إدارة الأزمة” بالصورة التي اقترحتها فلن يحتاج الوزير أن يشتت جهده، فـ”الآلية” تتولى تلقائياً “إدارة الأزمة” بموجب تفويضها المستمر في مواجهات كل الأزمات، من أزمة السلع الضرورية مثل الخبز والوقود والدواء إلى أزمة الدولار والعملة الصعبة، مروراً بأزمة “كورونا” وغيرها من الأزمات الصحية الطارئة إن حدثت لا قدر الله.

الفكرة في تشكيل “آلية إدارة الأزمة” من غرفة متخصصة ومستمرة أنها تتولى إدارة الأزمة عبر تنسيق جهود كثير من الجهات المختصة حسب المطلوب، مثلاً؛ مواجهة فيروس “كورونا” ليس أمراً طبياً تختص به وزارة الصحة فحسب، فكثير من الترتيبات والمعطيات تتصل بتخصصات ووزارات أخرى.. مثلاً إغلاق مؤسسات التعليم العام والعالي، المرافق الرياضية، المطاعم، المطارات والمعابر الحدودية، منع التجمعات، قائمة طويلة من الإجراءات تتطلب “التنسيق” حتى لا يتأثر المواطن بمترتبات الحب ضد الفيروس.

لكن في غياب “آلية إدارة الأزمة” تحدث اختلالات كبيرة مثلما جرى لمئات السودانيين في الخارج الذين عادت بهم الطائرات وهم في السماء/ بعد صدور قرار بقفل المطارات دون إعطاء أية مهلة أو حتى معرفة تأثير القرار وإمكانية تجنب آثاره السالبة بقليل من التفكر والتخطيط.

تشكيل “آلية إدارة الأزمة” من غرفة دائمة لمواجهة كل الكوارث مهما كانت أمر يوفر على الحكومة كثيراً من العنت والجهد لتتفرغ لمهام بناء المستقبل.. ويسمح للشعب أن “يصحح” ورق الحكومة بناءً على الخطط الإستراتيجية والتفصيلية لا على الكوارث والأزمات.. فالفوز على أزمة ليس نصراً في حد ذاته، بل مجرد تجنب لمصيبة..

لا بد من تأسيس “آلية إدارة الأزمة” من غرفة دائمة لها مقر وتفويض وقانون.

صحيفة التيار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.