بعد مئتي يوم وزارة الصحة.. التقييم بعامل الأزمات

ظل وزير الصحة الاتحادي أكرم علي التوم، يجأر بالشكوى من اختلال النظام الصحي وانهياره في البلاد، خصوصاً مع دخول السودان على خط الدول التي اجتاحها فيروس كورونا، رغم حرص التوم وإجراءاته لمنع دخولها إلى البلاد التي شهدت في عهده ثلاثة أوبئة جعلته ووزارته تحت الضوء عقب إكمال الـ(6) أشهر الأولى من عمر الفترة الانتقالية ليطرح السؤال ما الذي تحقق في عهد أكرم وما الذي استعصى..

صدمة البدايات
وزير الصحة في ومع بداية تسنمه مهامه سرد مشكلات ومعضلات تبدأ من رواتب الأطباء وغلاء ثمن العلاج فضلاً عن انهيار البنية التحتية للمشافي الحكومية واختلال الخارطة الصحية وبدأ كذلك في إيجاد الحلول عبر تقديم مقترح موازنة الوزارة الاتحادية للصرف على القطاع ، والتي كانت الأضخم منذ ثلاثة عقود حيث بلغت (23%) من إجمالي الموازنة العامة للدولة لأول مرة، في سبيل السعي لزيادة الصرف على القطاع لمعالجة اختلالاته المتعددة عبر بناء نظام صحي مرضٍ لعامة الناس .

مداهمة الكوليرا
الوبائيات لم تمنح التوم وقتا لمعرفة طريق البداية، حيث داهمت البلاد الكوليرا مع نهاية سبتمبر من العام الماضي وعمت ولايات الشرق وبعض الولايات الوسطى ليشد وزير الصحة وطاقمه الرحال إلى الشرق وتحديداً إلى ولاية كسلا لكبح جماح الوباء، وإيقاف تمدده بإمكانات متدهورة جعلت وزارته تلجأ إلى منظمة الصحة العالمية للمساعدة وتقديم يد العون لتتمكن من هزيمة الكوليرا وهو ما تحقق في يناير الماضي بإعلان خلو البلاد من الكوليرا نهائياً .

عيب الشفافية !
قبل أن تستفيق وزارة الصحة من الكوليرا إذ تمدد وباء جديد (حمى الوادي المتصدع) في نوفمبر الماضي، والذي صاحب إعلانه والكشف عن تفشيه بالسودان انتقادات طالت الرجل وطاقمه الوزاري لجهة ما سببه الإعلان عن الوباء من إيقاف صادرات الماشية السودانية. لكنه لم يأبه بحبر الانتقاد المسال لتوجيه اللوم له، مكتفياً بالتأكيد على أن الشفافية هي منهجه في العمل، مبيناً ساعتها أن إبراز الحقيقة ومكاشفة المعنيين بها يعين على الحل السريع، لينجح أكرم في الحد من انتشار الوباء وتطويقه لدرجة انحساره شبه الكامل وتستعد البلاد لإعلان خلوها من (الوادي المتصدع) هي الأخرى.

واقعية أمام كورونا
بالإضافة إلى فيروس كورونا الذي اجتاح العالم ولم يكن السودان بمنأى عما يجري إذ وصل عدد الإصابات لـ(10) وانتقل السودان لمرحلة الانتقال المحلي من الحالات الوافدة بعد ثلاثة أشهر من انتشار المرض وانتهجت وزارة الصحة خلالها التحوطات الاستباقية لمواجهة الفيروس، حيث مضى أكرم في واقعيته وشفافيته باتخاذه لإجراءات تستبق المراحل الانتقالية للفيروس لجهة عدم جهوزية النظام الصحي وانهيار بنيته في انتظار السيطرة على الأمر.

مجانية العلاج والدواء
لا يمكن النظر إلى مجانية العلاج في ظل ندرة الأدوية وشحها وارتفاع أسعارها رغم أن ميزانية 2020 أجازت زيادة الدعم على القطاع الصحي بنسبة 23 % وزيادة الصرف على الصحة بأكثر من 45 مليار جنيه بيد أن كل ذلك في انتظار إنزال خطوات إعادة توزيع الخارطة الصحية وإيقاف نزيف هجرة الكفاءات الطبية وإصلاح أحوال المشافي فضلاً عن حل معضلة الدواء في ظل ضبابية ملفه وحاجته لقراءة صحيحة طبقاً لما ساقه النقابي د . محمد عثمان عشميق، مشيرًا خلال حديثه لـ(السوداني) إلى أن ملف الدواء من الملفات التي تأخرت وزارة الصحة في حسمها، مبينًا أنه لا توجد أي أسباب تجعل الأزمة مُرحلة حيث تتطلب بحسبه تدخلاً عاجلاً وحاسماً بغض النظر عن ملف الوبائيات بحكم أن الملفين منفصلان ، ويصف عشميق ملف الدواء بـ( أس) الداء الذي ساهم في سقوط نظام المخلوع حيث يتطلب حسماً لقضاياه بداية من دولار استيراده وآليات توزيعه وعطاءاته، وتفكيك المافيا التي تتحكم في دواء السودانيين عبر قرارات واضحة وحاسمة.

إنهاء الأيلولة
وفي خضم معركة وزارة الصحة مع وباء حمى الوادي المتصدع أصدر أكرم التوم قراراً بإلغاء أيلولة 10 مستشفيات حكومية في العاصمة إلى وزارة الصحة بولاية الخرطوم مشدداً على تنفيذ إجراءات عودتها فوراً وحدد القرار الصادر حينها مستشفيات الخرطوم وأمدرمان والخرطوم بحري والجلدية ومستشفى الولادة أم درمان (الدايات) ومستشفى العلاج بالأشعة والطب النووي (الذرة) ومستشفى الشعب لأمراض القلب ومستشفى ابن سيناء . كما شمل القرار مستشفى الأسنان ومستشفى أبوعنجة لأمراض الصدر والباطنية . وبرغم بداية تطبيق القرار على مستشفى الخرطوم إلا أنت عقبات تعترضه وتتمثل في كيفية استعادة مقار مجلس التخصصات الطبية ومستشفى الذرة بحسب مصادر أكدت لـ(السوداني) أن ” وباء كورونا ” شغل الوزارة وعطل الإسراع في عملية إنهاء الأيلولة .

تقييم صعب
ويقول رئيس تحرير صحيفة الصيحة، الطاهر ساتي إنه من الصعوبة بمكان الحكم على أداء الحكومة ككل وبالأخص وزارة الصحة، مبيناً خلال حديثه لـ(السوداني) أن أكرم ورث وزارة في دولة بدون خارطة صحية سوية تتمثل في المركز الصحي، والـ(شفخانة) والمستشفى والمستشفى المرجعي، كما أنه ورث ظروفاً اقتصادية صعبة ضيقت الوضع على الحكومة وعلى مشاريعه التي نوى إنزالها بالإضافة إلى هجرة الكفاءات الصحية وكون أنه وزيراً لوزارة كانت بؤرة صراع على مدى سنوات طويلة .

الصبر مطلوب
وأوضح الطاهر ساتي _الذي يعد من الصحفيين المهتمين بقطاع الخدمات – أن معالجة الأوضاع المختلة في قطاع الصحة في حاجة إلى عاملي المال والزمن، ومن الظلم الحكم عليه وهو يواجه ثلاثة وبائيات منذ تسنمه أمر الوزارة، وهنا الحكم كذلك يبقى ظالماً لأنه لا يعطي صورة صحيحة لجهة أن الدولة تضع إمكاناتها في مواجهة الوبائيات وتقدم كل ما تملك في سبيل اجتياح الوضعيات غير الطبيعية والمهددات وإن كان أكرم بجهوده في جائحة كورونا مقارنة بالإمكانات المتاحة واعتماده على الوقاية استطاع أن يحجم وضعية كورونا ويحول حتى الآن من تفشيها فنسبة الإصابات والوفيات مقارنة بالدول حولنا تشير إلى نجاح جهوده في هذا الصدد حتى اللحظة، مشيرًا إلى أهمية الصبر على إطلاق الأحكام على أكرم التوم ومنحه الوقت لتجاوز جائحة كورونا وإخراج البلاد من خطر تفشيها ومن ثم الحكم عليه بعد بدايته الفعلية في ترميم القطاع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.