سد النهضة .. الفريضة الحاضرة والحقيقة الغائبة !

آخر يومين فى فبراير المنصرم كانا حاسمين فى تاريخ سد النهضة الإثيوبي .. بل وفي تاريخ العلاقة بين البلدان الثلاثة ذات الصلة بالسد .. وهي السودان وإثيوبيا ومصر .. حيث كان مقرراً لقاء ممثلي البلدان الثلاثة يومي 27 و 28 فبراير من هذا العام فى واشنطن برعاية أمريكية .. تسبقهم عبارة الخبير في الشؤون الإفريقية بالمجلس الأطلسي كاميرون هادسون ..( لم تستثمر واشنطن في أي قضية إفريقية كما استثمرت في مباحثات سد النهضة ) غير أن مفاجأة من العيار الثقيل كانت في انتظار الجميع ..
إذ أعلنت إثيوبيا .. فجأة .. انسحابها من المشاركة في تلك الاجتماعات .. ولكن الحقيقة أن ذلك الموقف الذى بدا مفاجئا للمراقبين وللرأي العام .. كان معلوماً بل ومتوقعاً للأطراف ذات الصلة .. غير أن جهة ما صورته بالمفاجئ ثم مضت تستثمر فى المفاجأة ..!
كان البيان الرسمي الإثيوبي الذي أعلن ذلك الموقف قد تضمن عبارة مفتاحية ما معناها .. ( أن فريق التفاوض الإثيوبي لن يشارك في الاجتماع، لأنه لم يكمل بعد التشاور مع أصحاب المصلحة داخل البلاد) .. فالواقع أن البيان الذى كان يفترض أن توقع عليه الدول الثلاث .. بإشراف الولايات المتحدة وبحضور البنك الدولي .. لم تكن قد تبقت فيه خلافات ذات بال .. على مستوى التفاهمات الإطارية الحاكمة للاتفاقية النهائية .. لكن مفاوضات ما قبل اللحظات الأخيرة .. والتي تشهدها كواليس مثل هذه الاجتماعات عادة ..
كانت تدور حول تلك العبارة التي وردت في بيان الانسحاب الإثيوبي .. والتي تقول إن المشاورات مع أصحاب المصلحة داخل البلاد لم تكتمل بعد .. وربما لم تكن العبارة الإثيوبية قد عبرت بدقة عن الموقف الداخلي لإثيوبيا في ذلك الوقت .. ولكنها استطاعت أن تنقل المشهد على الأقل .. لمن أراد أن يفهم ويتفهم ويقدر .. وكانت الخرطوم قد فهمت وتفهمت وقدرت .. فانحازت إلى الموقف الإثيوبي .. بينما رفضت القاهرة أن تفهم وتتفهم وتقدر .. ولكن المفاجأة الصاعقة .. أن مصر قد صوبت مدفعيتها الثقيلة نحو الخرطوم .. التي تفهمت وقدرت الموقف .. لا نحو أديس أبابا صاحبة الموقف نفسه ..!
أما المدهش حقيقة فقد كان موقف اتحاد رعاة المصالح المصرية في السودان .. الذين عقدوا المؤتمرات والتجمعات .. وطبعوا المطبقات والملصقات .. ونظموا الوقفات والتظاهرات .. دعماً للمدفعية المصرية الموجهة ضد السودان .. عوضاً عن دعم موقف بلادهم .. بل وحتى دون أن يسألوا عن ذلك الموقف .. ماهيته ودواعيه .. ومن حق المراقب أن يسأل عن حكم الشرع فى هؤلاء ..الطلب الإثيوبى كان يتلخص ببساطة فى أن إثيوبيا على وفاق تام مع ما تم التوصل إليه .. وأنها جاهزة للتوقيع .. فقط هي تواجه موقفاً داخلياً بالغ التعقيد .. يتصل بقرب قيام الانتخابات العامة .. وأن سد النهضة بالنسبة للناخب الإثيوبي قضية مركزية ..
والحكومة الإثيوبية تعلم أن الاتفاق الذي ستوقع عليه دون طموحات مواطنيها .. وبالتالي فإن ميقات التوقيع غير مناسب .. وهي مستعدة بعد ذلك للتوقيع .. في تقدير السودان كان الطلب موضوعياً ومنطقياً .. خاصة من حكومة تعتبر حليفة للسودان بكل المقاييس .. !
المشكلة أن بعض ذلك البعض.. الذى لا يزال يزايد على الحكومة وعلى مواقفها من سد النهضة .. ويتهمها بالخيانة أحياناً .. لا يعلم ولا يريد أن يعلم .. فمثلاً .. إذا كانت زيارة مسؤولين إثيوبيين للخرطوم تأتي للعمل على تهدئة الأوضاع على الجبهة الشرقية .. فإن زيارة مسؤولين مصريين للخرطوم .. قد كان عنوانها العريض.. لقد أخطأنا التقدير في واشنطن.. و ها ونحن معكم ..!
صحيفة السوداني



