خيبة أمل جديدة تصدرها أديس أبابا لسكان دارفور والمنطقتين

خيبة أمل جديدة تصدرها أديس أبابا لسكان دارفور والمنطقتين
انهارت المفاوضات وفشل وفدا التفاوض في الوصول الى تفاهم من شأنه أن يعالج مشكلات البلاد القائمة وفشل معها أمل المواطن السوداني البسيط الذي ظل يبحث كثيراً عن سلام يعم البلاد التي لا تعرف أطرافها إلا صوت المدافع والقذائف والرصاص وبانهيار المفاوضات يثبت أن السياسيين فشلوا في إسكات صوت الحرب للمرة العاشرة في بلاد النجاشي، وربما ذرفت حليمة دمع الأسى وهي تتلقى خبر فشل المفاوضات وهي التي كانت تحلم بأن تصل الجولة العاشرة الى حل لتلك الأزمة حتى تترك معسكر النزوح وتعود صوب قريتها وسط أهلها وتخرج مع جاراتها لإحضار المياه من “الدونكي” دون خوف أو رعب، ولكن ترضخ حليمة للأمر الواقع وتنظر الى السماء أملاً في أن يأتي رافعها لهذه البلاد بسياسيين عقلاء يسكتون صوت الرصاص الذي قضى على الأخضر واليابس وأدخل الرعب في نفوس الأطفال الذين باتوا يلعبون بفوارغ الرصاص بدلاً من “شليل .”
تتلقى أيضاً عائشة خبر فشل المفاوضات بشيء من الفزع وهي تهم راكضة وتصرخ إلى من معها لإحضار الأطفال الذين يتسابقون ويمرحون وسط الأشجار لكي تعيدهم الى مغارات وأنفاق جبال النوبة خوفاً من رصاصة طائشة تودي بحياتهم، وهي تمني النفس في أن يصل ساسة بلادنا إلى تفاهم من شأنه أن ينهي قتل الأبرياء بينما تهجر الطيور مواضعها في مناطق النزاع إيذاناً بحرب أخرى لا يسكتها إلا امبيكي في خسمة أيام فقط ثم تعود من جديد.
مسابقة الزمن.
الوقت يمضي بسرعة وتكاد التسعون يوماً التي حددها مجلس السلم والأمن الأفريقي على الأطراف المتنازعة أن تنتهي كما تكاد الثلاثة أشهر المحددة لفترة انتهاء الحوار الوطني أن تقترب من نهاياته، وهو قد مضى منه شهر ونصف، وما يزال قطاره يسير أعرج هو الذي دُعي له أساساً من أجل السلام الدائم وكيفية حكم السودان وهويته، ولكنه يمضي أعرج بقوى سياسية لا وزن لها ولا قيمة أكثر من تسعين حزباً جاءت من العدم تريد أن تطرح رأيها لأول مرة وهي التي كانت غير معروفة من قبل سواء حزب المؤتمر الشعبي وأخيه المؤتمر الوطني الذين باتوا يسيطرون بشكل كبير على الحوار الوطني ويقودوه أعرج طيلة الفترة الماضية وهم يسعون الى أكماله بإحضار القوى السياسية الممانعة والحركات المسلحة التي تطالب بعقد مؤتمر تحضيري في الخارج تمهيدًا لدخولها إلى الخرطوم، ولكن قوى الداخل وعلى رأسها الحزب الحاكم يرفض تلك الفكرة من أساسها.
سعي حثيث
وفود تغادر ووفود تعود ودعوات تؤيد عقد المؤتمر التحضيري في أديس أبابا وأخرى ترفض بينما يلهث أمبيكي وراء السياسيين وهو يلعب دور “الجودي” بينهم للوصول إلى صيغة ترضي الأطراف الى أن اتفق الطرفان على عقد مفاوضات بينهما في بلاد النجاشي على مسارين، واحد حول المنطقتين برئاسة ياسر عرمان من جانب قطاع الشمال وإبراهيم محمود من جانب الحكومة لمناقشة قضية المنطقتين، بينما حدد للمسار الآخر الذي كان رئاسة أمين حسن عمر ممثل الحكومة ومناوي ممثل الحركات المسلحة مهمة التوصل إلى تفاهم لوقف العدائيات وإلحاق الحركات المسلحة بالحوار الوطني في الداخل.
فشل مستمر
خمسة أيام من التفاوض المستمر بين الوفود في فنادق أديس أبابا، تفاؤل حيناً وتشاؤم بعده، ثم اتهامات متبادلة بين كل طرف والآخر بعدم الرغبة في الوصول إلى تفاهم حقيقي من شأنه أن ينهي الأزمة القائمة الى أن قررت الوساطة الأفريقية تعليق المفاوضات بين مسار الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال والمسار الآخر عن الحركات المسلحة بشأن دارفور، بعد خمسة أيام من المناقشات المتعثرة وانفض السامر وكل ذهب إلى حال سبيله بينما استقبل الناس هنا الخبر بمزيد من التشاؤم خاصة لدى المراقبين السياسيين الذين أرجعوا سبب فشل تلك المفاوضات الى الحلفاء غير العسكريين الذين لا يهمهم وقف الحرب.
ويشير الخبير السياسي بروفيسور حسن الساعوري الى أن المفاوضات عبارة عن ضوء أخضر من امريكا وأروبا والاتحاد الأوربي الذين جاءوا بمبادرة وقف إطلاق النار ووقف العدائيات كمفتاح لإعادة الثقة حتى تناقش القضايا الأخرى، وهذا ما كانت تهدف إليه المفاوضات.
ويقول الساعوري إن الطرفين كانا على استعداد لذلك الهدف إلا أن الأجندة السياسية الأخرى والحلفاء غير العسكريين الذي يرى أنهم في غالب الأمر أنهم من خلف هذا الفشل ولا يهمهم إلا إسقاط الحكومة، ولذلك أوعزوا لحاملي السلاح بأن يناوروا في المفاوضات حتى لا يغضبوا أمريكا وأوربا ولا يصلوا الى اتفاق. إلا أن الساعوري نبه إلى أن الترويكا لن تقف مع هؤلاء في خطهم إلا بحدوث أمر جديد، بينما ينظر الخبير السياسي وأستاذ الدراسات السودانية بروفيسور معتصم أحمد الحاج الى أن الأصل في الفشل هو تجزئة القضايا، ولذلك لابد من معالجة القضية ككل والتحدث عن المناطق التي تدور فيها الحرب، وليس تفصيلها. وبالتالي يرى الحاج أنه من المفترض أن يقال إن قضية السودان في دارفور وكذلك في المنطقتين منوهاً إلى أن عملية تقسيم تلك القضايا يعتبر ايضاً مساراً للفشل في حين أن تلك القوى يضمها شكل من الأشكال، ويذهب إلى أن نظرة قطاع الشمال في حل القضايا تعتبر نظرة قومية على عكس نظرة الحكومة التي من المفترض أن تنظر الى تلك القضايا بنظرة قومية. ويرى الحاج ضرورة أن تتطور طريقة التفاوض بجلوس الجميع للنظر في قضية السودان في هذه المناطق .
إصلاح المكسور
حددت الوساطة الافريقية السابع من ديسمبر المقبل موعدًا للقاء تلك الأطراف في ملتقى تحضيري في أديس أبابا ربما لإدراك ما تم فشله وإصلاح المكسور. ولكن معتصم الحاج يرى أن الملتقى التحضيري له مسارات وفهم مختلف في الحين الذي تفهم فيه الحكومة أن الملتقى هو لقاء مع الذين يحملون السلاح بينما يرى حاملو السلاح بأن التحضيري يجب أن تمثل فيه القوى السياسية وقوى الجبهة الثورية، وهنا يختلف الطرفان في الأمر ولذلك لا يتوقع الحاج بأن يكون هنالك نجاح في الملتقى التحضيري، وبذلك يصبح الحوار الوطني بمثابة مخاطبة للنفس لأن القوى الموجودة فيه حالياً هي قوى قريبة من النظام وتتحالف معه وفيما بينها، بينما القوى الأخرى التي يعنيها الأمر غير موجودة.
بينما يرى بروفيسور الساعوري أن الحوار ليس له معنى إلا بإشتراك الجميع فيه وهو أصبح الآن مسؤولية الأمانة العامة للحوار الوطني وآلية الحوار 7+7 ويشير إلى أنه مهما حدث من أمر فلن يكون الحوار بمثل دستور 2005 الذي شاركت فيه الحكومة والمعارضة، إلا أنه لم يستبعد أن يكون الحوار أفضل منه بمشاركة كل القوى المعارضة لأن القضية أصبحت كلها تتركز في مشاركة الجميع في الحل التوفيقي.
المصدر:الصيحة.