بحر أبو قردة: تسليم علي كوشيب للمحكمة الجنائية بإيعاز من المدنيين

بحر أبو قردة: تسليم علي كوشيب للمحكمة الجنائية بإيعاز من المدنيين
حوار: ياسر محجوب الحسين
القطريون بذلوا جهوداً صادقة في حل أزمة دارفور
أكد بحر إدريس أبو قردة وزير الصحة السوداني السابق، وأول سوداني يسلم نفسه طوعاً للمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي في 2009 التي حكمت عليه بالبراءة، أن اتفاقية الدوحة لسلام دارفور عالجت جذور المشكلة في الإقليم، وأعاب على الحكومة السودانية السابقة افتقادها إرادة تطبيقها تطبيقاً صحيحاً.

وقال في حوار مطول مع “الشرق” عبر الاسكايب من لندن: إن قطر أثبتت حرصاً شديداً على إكمال اتفاقية الدوحة لسلام دارفور، وتميزت بالصدق والنزاهة، الأمر الذي ككل جهودها بالنجاح حتى نالت الاتفاقية إجماعاً ودعماً دولياً كبيرين، وتأتي أهمية الحوار مع أبو قردة لإزالة الغموض عن كثير من الجوانب خاصة في ظل تسليم متهم سوداني آخر هذا الشهر وهو علي كوشيب فما هي أوجه الشبه والاختلاف بين الحدثين؟ وفيما يلي نص الحوار:

 

** لقد وضعتم السلاح في 2011 وجئتم مشاركين في السلطة عبر اتفاقية سلام الدوحة.. فكيف تنظر لهذه الاتفاقية وما تقييمكم لفترة مشاركتكم قبل سقوط نظام الرئيس عمر البشير؟

• إني على قناعة تامة بأن اتفاقية سلام الدوحة عاجلت جذور قضية دارفور، فالذي قاتلنا من أجله في دارفور هو العدالة في التنمية والمشاركة المنصفة في الحكم، ومعالجة آثار الحرب كالنزوح واللجوء، وجبر كسر المتضررين وتعويضهم، ثم مسألة الترتيبات الأمنية للقوات، فهذه الملفات الخمسة تمت معالجتها بشكل دقيق وشامل، وكان هناك حرص على إشراك جميع أهل دارفور من أصحاب المصلحة من كافة مكونات المجتمع المدني وأبناء الإقليم المشاركين في حكومة البشير حينها فلم يكن الأمر قاصراً على الحركات المسلحة فقط، بالإضافة إلى الاستعانة بعدد كبير من المستشارين والمختصين من خارج وداخل السودان..

 

كذلك أخذنا رأي قادة الأحزاب السياسية على المستوى الوطني مثل زعيم حزب الأمة القومي السيد الصادق المهدي وزعيم حزب المؤتمر الشعبي الراحل حسن الترابي وزعيم الحزب الشيوعي الراحل محمد إبراهيم نقد، وكانت المشكلة في إرادة تنفيذ الاتفاقية، خاصة فيما يتعلق بملف الترتيبات الأمنية، كذلك موضوع إنشاء بنك إعمار دارفور، فقطر كانت على استعداد تام لتوفير مبلغ ملياري دولار على مراحل مختلفة، لكن نشب خلاف، فالحكومة المركزية كانت تريد في العاصمة الخرطوم، بينما ارتأينا أن يكون في دارفور، وهذا يعني أنه كانت هناك نية للاستفادة من الأموال في المركز أكثر من الاهتمام بأن تذهب لدارفور وثار جدل وخلاف كبيران جدا في هذه المسألة، كذلك تزامن بدء تطبيق الاتفاقية مع أحداث سياسية كبرى في السودان مثل انفصال جنوب السودان ثم توتر العلاقات فيما بعد مع دولة جنوب السودان الوليدة لحد التصادم العسكري بين البلدين..

كل ذلك أعاق تنفيذ الاتفاقية التي بذل فيها القطريون جهوداً صادقة وأبدوا درجة عالية من الحياد بين أطراف النزاع، فلم نشعر في أي لحظة أنهم ينحازون إلى الحكومة التي بيدها السلطة، لكنهم يعلمون أهمية الاستقرار في السودان بالنسبة لعموم المنطقة، وأذكر كيف وقفت الحكومة القطرية إلى جانبنا عندما حدث خلاف كبير قبيل التوقيع النهائي في جزئية صفة مسؤولي سلطة دارفور الانتقالية هل هم وزراء ومفوضون، حيث كانت الحكومة السودانية تصر على أنهم جميعا مفوضون بينما كنا نصر على ضرورة أن يكسب بعضهم صفة وزراء، لأن ذلك يفعل أداءهم أكثر من كونهم مفوضين نظرا للنظام الفدرالي الذي كان مطبقا وأقتنع القطريون بوجهة نظرنا وأقنعوا الخرطوم بقبولها وتجاوزنا عقبة كبيرة وتم التوقيع في يوليو 2011. أود هنا أن أوجه شكراً عظيماً لدولة قطر أميراً وحكومة وشعباً على إنجاز هذه الاتفاقية التي أضحت اتفاقية دولية تستمد قوتها من دعم الأمم المتحدة وأطراف دولية رئيسية وعلى الدعم المادي السخي في جميع مراحل التفاوض ثم التنفيذ.

** نود أن تضعنا في صورة ملابسات قراركم بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي في 2009؟

• في البداية لم يكن لدي أدنى فكرة على الاتهام الذي وجهته المحكمة لي، وفي ذلك الوقت كنت أمينا عاما لحركة العدل والمساواة وحدث خلاف داخل الحركة أدى لانشقاق في صفوفها في 2007 وتوجهت إلى ميدان القتال وقمت بقيادة جزء من قوات الحركة بعد الانقسام وتزامن ذلك مع مهاجمة مسلحين متفلتين من مجموعة مسلحة أخرى قاعدة لقوات الاتحاد الأفريقي المعروفة اختصارا بـ(AMIS) بالقرب من بلدة حسكنيتة في جنوب دارفور وذلك في 29 سبتمبر 2007 ودمرت القاعدة وقتل عشرة من قوات حفظ السلام الأفريقية وهي سابقة لقوات الأمم المتحدة المعروفة بـ(يوناميد).

وكنت للتو قد وصلت الميدان قبل الحادثة بيوم واحد فقط لكن مع ظروف الانشقاق في حركتنا ارتأى بعض المنافسين السياسيين أن تلك فرصة مناسبة لتوريطي في تلك الواقعة وزعموا أن المسلحين الذين هاجموا قاعدة قوات الاتحاد الأفريقي هم جزء من القوات التي قدتها بعد الانشقاق، وتم تلقين شهود زور لتعضيد الاتهامات ضدي بل تمكنوا من استمالة أحد حراسي وإغرائه بوعود كثيرة منها السفر إلى أوروبا ليشهد ضدي، وخلاصة الاتهام الملفق أنني خططت وقدت الهجوم على تلك القاعدة، ولم أكن أعلم بما حيك ضدي إلا بعد 3 شهور من الحادثة حيث اتصل بي أحد الأصدقاء الذي كان يعمل مع منظمة الأمم المتحدة وسألني إن كانت لدي معلومة عن أنني على رأس المتهمين الثلاثة من قبل المحكمة الجنائية الدولية في واقعة الاعتداء على قاعدة قوات الاتحاد الأفريقي.

بعد ذلك قمت بالتشاور مع قيادات الحركة التي أقودها وأجرينا اتصالات مع جهات أخرى في سبيل تقويم مدى خطورة الاتهام واستيعاب ما يجري فلم نكن على إلمام تام بموضوع المحكمة الجنائية الدولية. ولقد قررت تسليم نفسي إلى المحكمة وأبلغت زملائي في الحركة لأني متأكد من براءتي وفي بحثي عن المحكمة وطريقة عملها وجدت أن بها 3 مكونات رئيسية وهي القضاة وهيئة الادعاء والمتهم وهيئة دفاعه.

أما القضاة فهم محايدون ومهنيون ولكن الخطورة في الادعاء الذي يستند في مرافعاته إلى التقارير والشهود وهنا يمكن أن تتسرب الأغراض السياسية والمشكلة الأخرى في الدفاع فرغم أن المحكمة توفر مساعدة دفاعية لكنها غير كافية ولابد من توكيل محام دولي مقتدر على نفقتي وهذا يتطلب أموالا قد لا تتوافر لي. لكن مع هاتين المشكلتين قررت المضي قدما في قرار تسليم نفسي طائعا، ووجدت مساعدة ودعم عدد من الأصدقاء ومنهم عمر قمر الدين وهو حاليا يشغل منصب وزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية في الحكومة الحالية وقد اتصلت به وكان وقتها في الولايات المتحدة الأمريكية واستشرته في موضوع توكيل محام وزودني بقائمة طويلة من المحامين الذين يتعاملون مع قضايا المحكمة الدولية ووقع اختياري على المحامي البريطاني كريم خان، وليست هناك أي صفقة تمت فبعد أن استكملت دراسة القضية من كل جوانبها ومقابلة المحامي أنا الذي بادرت بالاتصال بالمحكمة عبر المحامي وأبلغناهم قراري بتسليم نفسي ولأنها أول مرة في تاريخ المحكمة يقرر متهم تسليم نفسه إليها طوعا فلم يكن ذلك مستوعبا لديهم ولم يصدقوا ولم يتأكدوا من ذلك إلا بعد أن أقلعت الطائرة التي تقلني من العاصمة الكينية نيروبي بالفعل. وكان أول ظهور لي في المحكمة بلاهاي في سبتمبر 2009 ثم عدت للميدان لتبدأ الجلسات في يناير 2010 واستمرت لأسبوعين.

وأضيف إن مذكرة المحكمة بشأن البشير ليست لها علاقة بقضيتي التي اتهمت فيها وليس هناك رابط بينهما، ولم تكن هناك فرصة للادعاء للربط بين الدعوى المرفوعة ضدي والأخرى ضد البشير، لكن دعني أؤكد لك أن الفائدة التي تجنيها المحكمة في سبيل الربط بين القضيتين قد تكون في أن مجرد مثولي أمامها سيدحض حجة الحكومة السودانية في إصرارها على عدم مثول أي سوداني أمام المحكمة باعتبار أن السودان ليس عضوا في المحكمة وليس موقعا على ميثاق روما الخاص بتأسيسها، من جانب آخر أعتقد أن الادعاء سعى لمحاكمتي وإدانتي لتأكيد كذلك أن المحكمة لا تستهدف المسؤولين الأفارقة والحكومات فحسب – كما هم يتهمونها – وإنما تحاكم المتمردين على الحكومات كحالتي.

** كيف تنظر لما قام به المطلوب لدى المحكمة الجنائية علي كوشيب وهو ضمن المطلوبين مع مجموعة البشير في مذكرة توقيف بحقه في أبريل 2007 بتسليم نفسه يوم 10 يونيو الحالي، وما هو وجه الشبه والاختلاف مقارنة بحالتك؟

• لا أعتقد أن هناك وجه شبه إلا في إطار الجدل الدائر حول تسليم نفسه طوعا، فاحتمال أن يكون قد قبض عليه احتمال غير وارد إطلاقا ولكن من زاوية تحليلية وليس بناءً على معلومات يبدو أن كوشيب سلم نفسه بإيعاز من أطراف رسمية في الحكومة السودانية وأن ذلك سيساعدهم على الضغط على أطراف أخرى في الحكومة، وحول المكون الذي أوعز لكوشيب باتخاذ هذه الخطوة، قال: بالطبع المكون العسكري ليست لديه مصلحة في أن يتخذ كوشيب هذه الخطوة ولكن المكون المدني بالاتفاق مع جهة دولية أو إقليمية هم الذين لديهم مصلحة الضغط على المكون العسكري. فالرجل ذهب ليكون شاهد ملك باتفاق معين ليقدم معلومات عن آخرين شاركوا معه في الجرائم المتهم بارتكابها، وقد يحصل على حكم مخفف نوعا ما ولكن لا أتوقع تبرئته تماما، ومن الممكن أن يكون كوشيب مضطرا لذلك خوفا على حياته سواء من الدولة أو من خصومه من أطراف الصراع في دارفور ورأى في المحكمة أهون الشرين وهو خيار أفضل من أن يغتال في ظل الظروف السياسية الحالية الهشة.

** مع اختلاف القضايا واستناداً إلى تجربتك هل تنصح بتسليم المطلوبين لهذه المحكمة ؟

• قناعتي أن كل فعل يحقق العدالة فهو مطلوب؛ فإن رأوا أن تسليمهم للمحكمة الجنائية سيحقق العدالة فمن الأفضل تسليمهم وإن رأوا أن بعد التغيير الذي حدث هناك فرصة مواتية لمحاكمتهم داخل السودان عبر المحاكم المختلطة فليفعلوا فالمتهمون اليوم ليسوا هم من بيدهم السلطة كما في السابق ولذا ليس بإمكانهم التأثير سلبا على المحاكم المختلطة داخل السودان، بالمناسبة لقد قدمت لجنة التحقيق في جرائم دارفور التي شكلها النظام السابق برئاسة القاضي المخضرم دفع الله الحاج يوسف تقريرا مهنيا لكن الدولة لم تكن راغبة في الأخذ به ولو أخذت به لاختلف الوضع تماما لصالح إنصاف قضية دارفور. وأصدقك القول أنا لست في وضع محايد إذ إنني رغم مشاركتي في النظام السابق عبر اتفاقية سلام الدوحة إلا أنني ما زلت أعتبر أن النظام السابق قد أجرم في حق أهلي بدارفور، وأنا اليوم مع ما يحقق العدالة وإن سألتني رأيي الشخصي فأنا أعتقد أفضل لهم أن يحاكموا هناك في مقر المحكمة الدولية بلاهاي، والدول الأفريقية مطالبة بإقامة قضاء عادل ونزيه يمكن أن يكون بديلا للمحكمة الجنائية ومن ثمّ نقبل رفضهم للمحكمة الجنائية الدولية.

** فكيف تنظر للاتهامات التي تطول بعض حركات دارفور في التورط في الصراع الليبي – الليبي بالمشاركة في القتال الدائر هناك بالانحياز لطرف ضد الطرف الآخر وأثر ذلك على دارفور؟

• يمكن أن يوجه هذا السؤال مباشرة للمتهمين بهذا الأمر لكن بشكل عام أقول نحن في دارفور بوجه الخصوص ليس لدينا أي مصلحة في اضطراب ليبيا فنحن أحيانا كثيرة أقرب إلى ليبيا من الخرطوم نفسها. في السابق ارتبط أهلنا بالتجارة مع ليبيا لم يكن بعضهم يعرف الخرطوم فقد كان هناك ارتباط مصلحي وثيق، ولذا فإن الاضطراب في ليبيا يؤثر سلبا على دارفور والسودان عموما. وأعلم أن الحكومات السودانية السابقة كانت مهتمة جدا بالاستقرار في ليبيا ويجب أن يكون كذلك موقف الحكومة الحالية. وموقف السودان يجب أن يكون فيه توازن تجاه الأطراف المتنازعة في ليبيا التي لا سبيل لحل الصراع فيما بينها عن طريق الحسم العسكري وهذا ما كان يعتقده الجنرال خليفة حفتر وربما تأكد له اليوم أن ذلك غير ممكن.

** بعد سقوط النظام السابق كيف تنظر لمستقبل البلاد؟

• الذين يدعون حاليا تبني الثورة هم الأقل مساهمة في مجمل الجهود التراكمية، والمشكلة أن أولئك يعملون الآن على إقصاء الناس حتى الشباب الذين ثاروا واعتصموا فهم يمارسون اليوم نفس ممارسات النظام السابق بل ربما أسوأ. وليس هناك خيار أمام السودانيين إلا أن يجلسوا جميعا بدون إقصاء ليجنبوا البلاد مصير التفكيك والتجزئة مع عدم إغفال محاسبة ومقاضاة كل من ارتكب خطأً يقتضي المحاسبة وفق قضاء نزيه ومستقل بعيداً عن الانتقام والكيد السياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.