موضة كورونا.. حنة وتوب..سودانيات يحولن الفيروس إلى صيحة سنة 2020

أن يتحول فيروس كورونا بوجهه القاتل، وسيرته التي ترتعد أمامها فرائص الدنيا، إلى قيمة فنية ولوحة إبداعية تضج بعبق الجمال، هو ضرب من الخيال.

لكن المرأة السودانية استطاعت أن تطوع هذه المعادلة وتروض فيروس كورونا، ليصبح نقشة حناء تزيِّن به قدمها ومعصمها، وتتباهى بشكله مطرزا على ثوبها.

 

ظاهرة تطريز فيروس كورونا على الثياب ونقشه بالحناء رصدها موقع الجزيرة نت وقد تفشت في المشهد الاجتماعي السوداني، مع تفشي الجائحة وانتشارها في الخرطوم وفي عدة ولايات، مما دفع السلطات المختصة إلى تشديد التدابير الاحترازية بفرض الحظر الكامل للتجول.

 

رفض الفكرة
ترفض ندى فضل الله، ناشطة في العمل الطوعي وربة منزل، فكرة نقش فيروس كورونا بالحناء وتطريزه على الثياب، وترى أن المظاهر الإيجابية وحدها هي المطلوبة في مواكبة الموضة وليس تقليد فيروس قاتل.

وتقول فضل الله في حديثها للجزيرة نت إن الشكل المنقوش على الحناء والمطرز في الثياب ليس جديدا، فقد تزينت به المرأة السودانية في زمن غابر قبل ظهور وتفشي فيروس كورونا، ومع ذلك فهو مرفوض لكونه يجلب التعاسة ويذكر بشبح الموت.

إعجاب ومجاراة للموضة
وعلى النقيض تماما من ندى فضل الله، تقول ندى حامد، إعلامية وربة منزل، إن المرأة السودانية تنشد الحُسن وتطلبه أينما كان، وذلك لارتباط عقليتها بصناعة الجمال وانشغالها بتطويره ليواكب المتغيرات التي تحدث على مسرح الحياة الاجتماعية.
وتشيد ندى بتميز حواء السودان وحرصها الدائم على الأصالة بحفظ التراث والتصالح مع العادات والتقاليد، ولكنها في الوقت نفسه تسعى إلى المعاصرة باستلهام معطيات الحاضر في كل اهتماماتها المتعلقة بالجمال والزينة.

ولا تُخفي ندى حامد إعجابها بتطريز فيروس كورونا على ثوبها وتتباهى بمجاراة الموضة، وتقول إن الفكرة قائمة على التنبيه والتذكير بالفيروس الذي قظ مضاجع العالم وليس الاستخفاف به وبخطورته.

 

حنة كورونا

نساء سطحيات
من جانبها تقول فوزية عيسى، موظفة وربة منزل، للجزيرة نت إن استخدام أشكال فيروس كورونا في نقش الحناء وتطريز الثياب يعكس “عدم وعي وسطحية من يقمن بهذا الفعل المفرح في زمن الأحزان والاستخفاف بقيمة الإنسان”.

ولما كانت فوزية حسب تعبيرها “من مرتادي صالونات التجميل” فقد أكدت أن نقش فيروس كورونا على أقدام ومعاصم النساء، لم يكن بطلب من الزبائن، وإنما هي فكرة نابعة من السيدات اللائي يقمن بإدارة صالونات التجميل بهدف الدعاية أو التوعية بخطورة الجائحة.

 

موقف الرجال
ولم يُبدِ أحمد يس أبو يس أي دهشة حيال اتجاهات بعض النساء السودانيات إلى نقش فيروس كورونا بالحناء على أقدامهن أو تطريزه على ثيابهن، ووصف يس في حديثه للجزيرة نت الظاهرة بالطبيعية وتعكس اهتمام المرأة بالموضة التي قال إنها تتولد من الحراك الذي يحدث في المشهد الراهن.
ومع وصفه لها بالظاهرة الطبيعية، فإن أحمد يس رفض توجه بعض النساء للاحتفاء وإبراز مظاهر التصالح مع فيروس كورونا، الذي لا يزال يمارس إزهاق الأرواح وإرهاب النفوس، وممارسة شتى أنواع الرعب بحبس الناس وحجرهم في بيوتهم.

توب كورونا

التباهي و”الفشخرة”
وحول موقفه من زوجته إذا طلبت منه نقودا لنقش فيروس كورونا بالحناء على قدميها، أو تطريزه في ثوبها، قال أبو يس إنه يرفض الفكرة وبشدة، ويضعها في خانة التباهي و”الفشخرة” الجوفاء.

مشاعر فرح وحزن
كانت مصممة الأزياء داليا الحاج كشفت عن تداخل مشاعر الفرح والحزن أثناء تطريزها شكل فيروس كورونا على الثياب أو نقشه بالحناء، وأرجعت هذه الأحاسيس المتناقضة إلى تناقض العملية الإبداعية عند إسقاطها على فعل الموت الذي تمارسه جائحة كورونا على الإنسانية.

وبدت داليا متفائلة بإمكانية هزيمة الوباء، وقالت للجزيرة نت إن المرأة السودانية عُرفت بمجابهة المحن والكرب بسلاح الإبداع، وهو الأمر الذي حاولت توصيله من خلال النقش والتطريز برسم شكل الفيروس في حركة دائرية وغير منتظمة، في إشارة إلى أن زوال الوباء مسألة وقت ليس إلا.

وحول القيمة المادية للثوب المطرز بفيروس كورونا، قالت المصممة داليا الحاج إن سعره يتراوح ما بين “30ألفا و50 ألف جنيه” أي ما يعادل (600-900 دولار)، في حين يتراوح سعر النقش بالحناء ما بين ألف إلى أربعة آلاف جنيه (18-72 دولارا).

 

تحليل تشكيلي
اعتبر الفنان التشكيلي أحمد رُمْبَا تطريز شكل فيروس كورونا على الثوب السوداني فكرة جيدة رغم ارتكازها على تصميم الغرافيك، وقال رُمْبَا للجزيرة نت إن تناول الفيروس بشكل غير مباشر أدى إلى تجنب الإسقاطات الحزينة المرتبطة بالكارثة الإنسانية التي خلفتها جائحة كورونا في العالم.

وتناول رُمْبَا في تحليله الفني دلالات الألوان التي وصفها بالشكلية البحتة، وأضاف أن وجود اللون الأخضر مرتبط بالتفاؤل ويرمز للحياة رغم أن الحركة الدائرية والبثور الشوكية في شكل الفيروس تشير إلى تشبث الوباء بضحيته.

وختم الفنان أحمد رُمْبَا تحليله بقوله إن استخدام الألوان يحدد رؤية المتلقي، استنادا إلى اللمسات الجمالية المستخدمة في التجريد وتجاوز المباشرة في رسم الفيروس، للابتعاد عن إثارة حفيظة الناس وصناعة الأمل والتحدي بإمكانية التغلب على الجائحة.

حنة كورونا 2

 

محاولة نفسية لمواجهة الجائحة
ووصفت أستاذة علم نفس بجامعة الرباط الوطني الدكتورة فاطمة الإحيمر توظيف بعض النساء جائحة كورونا بشكل جمالي بالمحاولة النفسية لمواجهة الوباء والتأقلم معه، خاصة أن الكثير من السودانيين لا يزالون غير مستوعبين لخطورة كورونا.

ولا تستبعد دكتورة الإحيمر في حديثها للجزيرة نت فكرة الخوف من الجائحة عند بعض النساء، وهي ما تسمى علميا بالشخصية الهستيرية التي تلجأ إلى استخدام شتى أنواع الحيل الدفاعية في حالة الشعور بالخوف والهلع.
وتستطرد أستاذة علم النفس بجامعة الرباط الوطني في تناول الشخصية الهستيرية وتقول إن من صفاتها التهرب من كل المتلازمات ذات الصلة بنوبات الخوف والهلع، كالابتعاد عن متابعة الأخبار واعتزال الاستماع إلى الإذاعة ومشاهدة التلفزيون والكف عن استخدام الهاتف.

وحول علاقة الظاهرة بمواكبة الموضة، تُقر دكتورة فاطمة الإحيمر بذلك وتقرنه بمحاولة الدعاية ولفت الانتباه لمصممة الأزياء أو صاحبة “كوافير” الحناء، وتضيف أن الظاهرة قد تدخل أيضا في إطار التوعية بمخاطر الجائحة.

 

الجزيرة نت
إسماعيل جبريل تيسو-الخرطوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.