يا فرحة ما تمت.. هل خسرت مصر معركة دبلوماسية جديدة بشأن سد النهضة؟
“يا فرحة ما تمت”، ربما يكون هذا المثل الشعبي هو الأكثر تعبيرا عن مشاعر الكثير من المصريين تجاه أزمة سد النهضة الإثيوبي، فساعات قليلة هي التي حوّلت الفرحة والاستبشار إلى مزيد من القلق والخوف، إثر التضارب في تفسير نتائج القمة الأفريقية المصغّرة قبل يومين.
فبعد تصاعد أزمة السد بين مصر وإثيوبيا ودعوة القاهرة مجلس الأمن إلى التدخل وسط رفض أديس أبابا، انعقدت قمة أفريقية مصغّرة بدعوة من رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، وشارك فيها كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك ونظيره الإثيوبي آبي أحمد، وكذلك رؤساء كينيا والكونغو فضلا عن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.
وبسعادة بالغة، استقبل المصريون على اختلاف توجهاتهم ما نشره الإعلام المحلي عن النتائج الأولية للقمة، عبر بيان الرئاسة المصرية الذي أكد أن القمة أسفرت عن تشكيل لجنة حكومية من الدول الثلاث بمشاركة دولية، لبلورة اتفاق قانوني نهائي ملزم لجميع الأطراف بخصوص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وأضاف البيان بحسم أنه تم الاتفاق على الامتناع عن القيام بأية إجراءات أحادية، بما في ذلك تعبئة السد قبل التوصل إلى هذا الاتفاق، وأن الاتفاق الأولي الذي تم التوصل إليه سيرسل إلى مجلس الأمن لأخذه في الاعتبار عند انعقاد جلسته اليوم الاثنين.
ولم يتوقف التبشير بالنجاح عند بيان الرئاسة، حيث خرجت تصريحات متفائلة للمتحدث باسم الرئاسة بسام راضي، ووزير الخارجية سامح شكري، اللذين أكدا لوسائل الإعلام المحلية على امتناع إثيوبيا عن ملء السد قبل التوصل إلى اتفاق واضح وملزم لكافة الأطراف.
بيان الرئاسة وتصريحات المسؤولين استقبلها المصريون -المعارضون منهم قبل المؤيدين- بفرحة كبيرة، أملا في تجاوز الأزمة التي تهدد حاضر مصر ومستقبلها، بينما استغلها بعض أنصار الرئيس في الإعلام ومواقع التواصل من أجل الترويج لما وصفوه بنجاح السيسي في إدارة الأزمة.
لكن يبدو أن الفرحة لم تتم، فسرعان ما أعلن مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد السبت أن عملية تعبئة وتشغيل سد النهضة ستبدأ خلال الأسبوعين المقبلين، وأوضح البيان الإثيوبي أنه خلال الأسبوعين القادمين سيتم إنجاز ما تبقى من تحضيرات إنشائية وهندسية تمهيدا لتعبئة خزان السد.
تضارب وتحذيرات
التضارب بين التفاؤل المصري والتصريحات الإثيوبية لفت نظر السفير المصري السابق فوزي العشماوي، والذي دعا متابعيه على مواقع التواصل إلى البحث عن بيان الاتحاد الأفريقي، للاستيضاح بشأن هذا التضارب.
اعلان
بيان الاتحاد الأفريقي لم يحمل إجابة واضحة عن سؤال السفير المصري وغيره من المصريين الذين باتوا في حيرة من أمرهم، حيث قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي إن قادة إثيوبيا والسودان ومصر اتفقوا على أن يقود الاتحاد مفاوضات لحل القضايا العالقة بشأن أزمة سد النهضة، وأضاف أن قادة الدول الثلاث “أظهروا قيادة حكيمة” في الاجتماع.
هذه التصريحات دفعت السفير العشماوي إلى التعبير عن عدم ارتياحه من وساطة جنوب أفريقيا التي “اقتحمت موضوع سد النهضة في الوقت بدل الضائع، والتي سعت إثيوبيا منذ فترة لإقحامها في الموضوع بدلا من الولايات المتحدة والبنك الدولي”.
وأوضح عبر حسابه في فيسبوك أن جنوب أفريقيا لها ثقل دولي وإقليمي، خصوصا مع رئاستها الدورية للاتحاد الأفريقي وعضويتها في مجلس الأمن، مرجحا أن تستخدم هذا الثقل في مساعدة إثيوبيا.
وأضاف “أعلم أن مصر لا تملك هامشا كبيرا للمناورة وكان من الصعب أن ترفض المبادرة، ولكن جوهانسبيرغ ترى نفسها دوما منافسا لمصر بكل ثقلها وموقعها وتاريخها، كما تحاول امتلاك زمام قيادة أفريقيا السوداء وتهميش دول الشمال التي يُنظر إليها حاليا في أفريقيا نظرة غير إيجابية، بعد أفول فترة المد الناصري”.
وأكد أن شكوكه تضاعفت بعد البيان الجنوب أفريقي الذي تحدث عن معالجة الموضوع أفريقيًا بعد صمت دام 10 سنوات، مما يعني كف يد مجلس الأمن مؤقتا عن تناوله.
واستغرب العشماوي متسائلا عن أسباب الاختلاف بين البيانات الصادرة بعد القمة المصغرة في توقيت بالغ الحرج والحساسية، مضيفا “تصوري أن تبريد القضية بإدخالها الثلاجة الأفريقية التي تتحكم بها جنوب أفريقيا، هو ما يذكرني بتهنئة الجميع لنا في مارس/آذار 2015 بعد التوقيع على اتفاق المبادئ، وتصور معظم دول العالم أن القضية قد انتهت”.
ودعا مصر إلى التعامل بمنتهى الحذر وافتراض سوء النية الكامل إلى أن يثبت العكس، مضيفا “فقد خسرنا تماما بتغليب حسن النية في كل المراحل والسنوات الماضية”.
اعلان
بدوره شكك أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الأفريقية حمدي عبد الرحمن، في بيان الاتحاد الأفريقي، بسبب عدم تضمنه أي شيء عن التزام إثيوبيا بتأجيل ملء سد النهضة حتى يتم التوصل إلى اتفاق.
وأضاف عبد الرحمن “فهل يعني ذلك قيام إثيوبيا بالضغط على الاتحاد الأفريقي من أجل عدم تضمين عدم الملء في البيان؟ ربما يكون ذلك واردا وهو ما يفسر اختلاف الروايات الثلاث”.
ورأى أن بيان الاتحاد الأفريقي يعبر عن وجهة النظر الإثيوبية بالنص على مطالبة مجلس الأمن الدولي بأن يحاط علما بأن الاتحاد ينظر في هذه المسألة، متابعا “وهو ما يفرض على مصر والسودان الالتزام بمسار مجلس الأمن بالتوازي بهدف إلزام إثيوبيا بعدم البدء بالملء قبل التوصل إلى اتفاق ملزم من الناحية القانونية”.
نجاح إثيوبي
من جانبه، قال خبير القانون الدولي والموارد المائية السوداني أحمد المفتي إن القمة الأفريقية المصغرة نجحت بنسبة 25%، لكن إثيوبيا كسبت الجولة قبل أن تبدأ المفاوضات.
وتساءل المفتي عما إذا كانت إثيوبيا سوف تحصل عبر مفاوضات الاتحاد الأفريقي على ما فشلت في الحصول عليه عبر المفاوضات الثلاثية.
اعلان
تخوفات المفتي اتفق معها وزير الري المصري الأسبق نصر الدين علام، معتبرا أن فشل المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي نتيجة لما وصفها بالمطامع الإثيوبية، ويجب اتخاذ الحذر اللازم نحو ذلك وإعداد تقارير دورية من الاتحاد الأفريقي لمجلس الأمن، للقيام بدوره حال فشل المفاوضات.
وعدد علام نقاط الخلاف المصري الإثيوبي، ساخرا من اعتبار الاتحاد الأفريقي أن كل تلك الخلافات لا تتعدى 10%، وأن من الممكن تحقيق توافق في أسبوعين.
كما سخر من إعلان إثيوبيا الموافقة على معظم قواعد الملء والتشغيل التي اقترحتها مصر، بشرط أن تكون هذه القواعد إرشادية وليست ملزمة، وأن يكون لها الحرية في إقامة أي مشاريع مستقبلية على النيل الأزرق، وهو ما اعتبره تفريغا للموافقة من مضمونها.
ووجه الوزير المصري الأسبق اتهامات لإثيوبيا بمحاولتها التحكم في مصر مائيا، وتحويل النزاع من مصري إثيوبي إلى مصري سوداني حول اقتسام المياه، وإنشاء 3 سدود أخرى على النيل الأزرق لتحقيق تحكم كامل في مياهه، وبيع المياه لمصر والسودان بعد ملء سدودها الأربع، وتصدير كهرباء السدود الإثيوبية إلى مصر ثم أوروبا، وتغيير ميزان القوى لصالح إثيوبيا في شرق أفريقيا.
بدوره، قال مساعد وزير الخارجية سابقا السفير معصوم مرزوق إن بيان مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي يتضمن إشارات غير مريحة، أبرزها التأكيد على اتفاق الأطراف على “أفريقية الحل”، أي استبعاد مجلس الأمن أو أي إطار آخر، وأن الهدف هو “محاولة التوصل” خلال أسبوعين وليس اشتراط التوصل للبدء في الملء.
اعلان
وأضاف مرزوق “إلا أن الأخطر هو ما ورد في مقدمة البيان من المناقشات التي دارت حول الملء الأول والإدارة السنوية، أي استبعاد أي موضوع آخر مثل الحقوق التاريخية والقانونية المكتسبة، وأهمية التأكيد على التزام منع الضرر بكل مشتملاته الاقتصادية والبيئية والاجتماعية على باقي الدول”.
الجزيرة