(1)
] كانت تجمعهما علاقة قوية – طوال سنوات الدراسة الجامعية ، كانت تجمعهما رفقة دائمة…لم نكن نسمى مثل هذه العلاقات لحق الزمالة (علاقة حب).
] كانا يتنقلان بين المتنزهات والحدائق الوارفة ، والكافتريات وقاعات الدراسة. كل الاوقات كانت تجمعهما…لا يفترقا إلّا عندما تلملم الشمس اشعتها.
] عندما يغيب احدهما عن الاخر – يبدو ذلك منهما حدثاً غريباً ، وفريداً – كانت الاشواق حينها تظهر عليهما في صورة استنكارية ومستوحشة ، حتى لو كان الغياب لا يتجاوز الـ (30) دقيقة.
] نشأت بينهما قصة حب بهذه الالفة الكبيرة – جمعتهما كلية الطب على مدى (6) سنوات وحفلات محمد الامين في نادي الضباط وفرقة عقد الجلاد في استاد ود نوباوي.
] محاضرات بروفيسور الضو مختار كان يحضرها طلاب كلية الطب باجهزة التسجيل واشرطة الكاسيت حتى لا تفوت عليهم كلمة من محاضرة البروف.
] وقتها كانت حفلات (عقد الجلاد) تمثل تاريخاً عاطفياً وثقافياً لا يمكن لشباب في سنهما ان يتجاوزوه…وكانت محاضرات البروفيسور الضو مختار هي التي بمقدورها ان تجعل (الروب) الطبي اكثر بياضاً.هما في ذلك الزهو العلمي والثقافي العريض بلغ التفاهم بينهما ، انهما لم يعودا في حاجة الى الحديث – كل منهما يفهم الاخر من غير كلمات.لم يحتاجا الى تبادل (الرسائل) ، كثرتها تعني تعسراً في (الفهم). كم شهد شارع النيل (جلساتهما) التي كانت تتخللها (القهوة) وسط حضور الزملاء والرفاق وهما يمثلان (قيس وليلى) الدفعة كلها.
(2)
] تخرجا من الجامعة ، وفرق بينهما (العمل) – وبدأ الاهتمام الذي كان طابعاً لهما يقل شيئاً فشيئاً.
] انتقل هو للعمل في الولايات وصدم بحياة فيها الكثير من القسوة والتقشف ، لم يعد قلبه شغوفاً بذلك الحب الذي كان يحمله في مقرن النيلين.
] هي ايضاً اجبرتها الحياة على الانصراف الى جوانب عملية اخرى – السنوات تمضي والعمر يفلت من بين يديها…اصبحت تجهد نفسها كثيراً امام (المرآة) لتخفي تجاعيد الزمن من وجهها.
] ابقت ذلك الحب الذي كان يجمع بينهما في ردهات الدراسة وقاعتها في خانة (الذكريات) الجميلة…اصبح مجرد (البوم) صور.مع ذلك التواصل بينهما لم ينقطع.
] غير ان الحياة كلما زادت في ضغوطها ومضت سنوات العمر قل الحب وانكمش بين الطرفين.شيء من (الفتور) على علاقتهما العاطفية فرضته عليهما طبيعة الحياة وضغوطها وتقدم العمر. الانسان عندما يكبر ينظر للكثير من الاشياء بلا مبالاة – يصاب بثاني اكسيد عدم (الاهتمام).
(3)
] في بدايات قطيعتهما الاولى بعد التخرج من الجامعة ، كانت الرسائل على (الواتساب) تصل في كل صباح تحمل بعض الكلمات الجميلة وهي تتبادل بينهما بـ (لوغو) عاطفي شهير (صباح الخير).
] هذه الرسائل التي كانت تتبادل بينهما في كل صباح – انقطعت بعد فترة واكتفى الطرفان بالتبادل العاطفي الذي يأتي على رأس كل اسبوع وهو يبشر بـ(جمعة مباركة). وزهرة زابلة او عصفورة جريحة.ثم انقطعت هذه الرسائل وانحصر التمثيل (العاطفي) بينهما في المناسبات العامة وفي الاعياد فقط – اسقطا حتى مناسبتهما الخاصة والتي كانت تمثل عندهما قمة الحضور العاطفي والتمثيل الوجداني الكبير.
] اعرف أن العلاقات العاطفية والإنسانية بصورة عامة عندما تختزل العلاقة وتقلّص الحوار الى (صباح الخير) و (جمعة مباركة) و (كل سنة وانت طيب) فان ذلك مقدمة الى تشييع علاقة جميلة الى (سلة المنسيات) وهي سلة اسوأ دركاً من (سلة المهملات).الآن لم يعد يجمع بينهما حتى (جمعة مباركة)…الاعياد تمر بينهما من غير تبادل عاطفي في الرسائل.
(4)
] بغم /
] الثوّار جمعتهما علاقة قوية مع الحكومة الانتقالية – اضحى حمدوك عندهم امل الامة (شكراً حمدوك) ، وأصبحت حتى صور حميدتي تتبادل بينهما في مناسبات الثورة المجيدة.
] لجنة ازالة التمكين ، مؤتمراتها الصحفية صارت مثل حفلات محمد الامين ، تطرب كل الناس.
] الآن اشعر ان هناك فتوراً شديداً بين الشارع والحكومة الانتقالية. اصبح هناك (قاب) كبير.
] واخشى ما اخشى ان تنحصر العلاقة بين الشعب والحكومة الانتقالية في حدود (جمعة مباركة).
الانتباهة