استطاع حزب الأمة القومي أن يدخل سوق المحاصصة بقوة، و أن يحصل علي أربعة وزارات باعتباره حزب جماهيري، و أن عدد جماهيره في ولاية واحدة يفوق عضوية كل الأحزاب الباقية الآن في تحالف قوى الحرية و التغيير ” قحت” و الآن يستعد الحزب من أجل أن يخوض معركة محاصصة المجلس التشريعي، حيث يطالب بنفس الحصة التي حصلت عليها الجبهة الثورية من خلال أتفاق جوبا، و هي معركة سوف تتوحد فيها عضويته. و الفارق بين حزب الأمة تحت زعامة الإمام الصادق المهدي و القيادة المؤقتة، أن الإمام قبل ما يطالب بحصته و الدخول في معارك التوزيع، كان سوف يدعو لحوار حول البرنامج، الذي يجب أن تنفذه الحكومة، باعتبار أن البرنامج سوف يعطي مسوغا مختلفا عن فكرة المحاصصة، بأن يكون التبرير، أن البرنامج هو الدافع الأساسي للمشاركة، و سوف تكون مقبولة من ناحية الواقعية السياسية التي تستند علي الفكرة، لكن القيادة الحالية لم تدخل نفسها في جدلا فكريا و فقهيا يوسع دائرة الحوار الداخلي الذي يعرض الحزب للفرقة.
أن المتابع لدور الإمام السياسي، تجده دائما يبحث عن الفكرة التي تجعله أقرب إلي الناحية السياسية إلي دور المثقف السياسي المجتهد من دور السياسي التقليدي، و الخلاف واسع، حيث أن السياسي دائما يميل إلي تحقيق المصالح إذا كانت حزبية أو شخصية، حتى في بعض المرات لا يركن للمسوغات الأخلاقية، و يعطيها الأولوية، و المثقف السياسي يبحث عن مسوغات أخلاقية لتحقيق الهدف العام، إذا أخذنا الفترة الانتقالية مثالا، يصبح العمل كيف الوصول إلي تنشيط الآدوات التي تنجز عملية التحول الديمقراطي، و هذه ترتبط بفكرة الديمقراطية و ليست فكرة السلطة، خاصة أن الإمام يعتقد أن مكاسب الحزب الحقيقية أن تنجح الفترة الانتقالية، ثم إجراء الانتخابات، حيث كان يعتقد الإمام هي التي تحقق مصالح الحزب العليا. القيادة الحالية لا تنظر من خلال منظار الإمام، و أن غيابه عن الساحة جعل هناك فراغا كبيرا داخل الحزب، القيادة المؤقتة تريد أن تؤكد علي أنها قادرة علي تحقيق مصالح عضويتها، عندما تتحصل علي حصة مميزة دون الآخرين، لكي تثبت أنها قادرة علي عبور المرحلة، و أنها أيضا قادرة على أن تملأ الفراغ الذي خلفه الأمام، لكنها نظرة ضيقة، لم تجعل هناك فارقا بين حزب ذو جماهير عريضة، و حزب أخر لا تتجاوز عضويته بضع عشرات من المناصرين فالاثنين يسعون من أجل الحصة و ليس القيمة المرجوة من نجاح الفترة الانتقالية. فالكل يبحث عن المحاصصة دون ماهية البرنامج الذي سوف تنفذه حكومة المحاصصة.
هذا الإختلاف في درجة التفكير، و النظرة إلي مآلات الصراع السياسي، و البحث عن سبل النجاح المرتبطة بالوصول إلي عملية التحول الديمقراطي، هي التي سوف تشكل أكبر تحدي للقيادة المؤقتة لحزب الأمة، و هي التي تفرز التيارات المختلفة، التيارات الداعية للتجديد و التحول من دور الكارزمة إلي المؤسسية، و تيار تقليدي أخر يعتقد أن المؤسسة السياسية لابد أن يكون لها ارتباط وثيق مع بيت المهدي، و تيار ثالث يتأرجح بين التيارين. فالتيارات الثلاث ستظل متنافرة إذا لم يخلق حوارا عميقا بينها، ثم تتوافق على رؤية موحدة، و إلا سوف تعصف الصراعات الداخلية بالحزب الذي كان متحور حول الكارزمة. أن القيادة المؤقتة و دخولها مفاوضات المحاصصة، لا تقودها القناعة بعملية المحاصصة في حد ذاتها، لكنها تريد أن تحافظ علي وحدة الحزب في هذه المرحلة حتى الوصول إلي المؤتمر العام للحزب، لكن حتى الانتظار للوصول للمؤتمر العام، سوف تتوسع دائرة الاحتجاجات، و أن القاعدة التي كان يستند عليها الحزب سابقا قد تغيرت بفضل أنتشار التعليم، و أيضا بفضل التطور في تكنولوجيا الاتصالات، خاصة في مناطق نفوذ حزب الأمة و في مناطق دارفور و جنوب كردفان كثير من الشباب يعتقدون أن البندقية أفضل طريق للوصول لمراكز الدولة العليا من العمل السياسي، فالبندقية لا تقف كثيرا عند المؤهلات العلمية و الخبرات العملية، لكنها تعتمد علي المساومات بين الحكومة و حاملي السلاح، و هذه الرؤية سوف تشكل تحدي علي حزب الأمة، فالتحدي لا يأتي من الخارج بل من مناطق نفوذ الحزب، ربما يكون حزب الأمة أول المتأثرين بثورة الهامش.
من خلال تصريحات قيادات حزب الأمة، و من خلال اللقاءات الصحفية و الإعلامية التي تجري مع العديد منهم، تجد أن الحديث يتركز علي أن الحزب قد غير رؤيته في المشاركة بعد فشل الحكومة الأولي. ربما يكون هذا صحيح، لكن ذات القيادات لم تتحدث عن غياب البرنامج الذي يحكم الجميع، و حتى أنهم لم يطرحوا برنامجا للحوار الوطني، كان الإمام دائم الحديث في عدد من المنابر، و يقدم آراء عديدة، لكنها لم تجد الحوار حتى داخل حزبه، مما يؤكد أن الحزب ليس بالفاعلية الكبيرة في القضايا الفكرية و الثقافية، الأمر الذي يجعل المستقبل غير واضح، فالمحاصصات نفسها ممكن أن تكون بداية لطرح العديد من الساؤلات داخل الحزب، و تحتاج إلي إجابات مقنعة و ليس تبريرات تعمق المشكل أكثر. و هل تصعد أجيال جديدة لقمة الهرم تقدم مبادرات سياسية لتطوير المؤسسة و النظر في مرجعتها الفكرية، علينا أن ننتظر. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: الانتباهة أون لاين