التهديدات الإثيوبية العسكرية والمائية..على طاولة البرهان والسيسي اليوم 

اصبح السودان ومصر امام مصير مشترك جراء التهديدات الاثيوبية الصارخة للامن القومي للدولتين التى تمثلت في الاعتداءات المستمرة للجيش والمليشيات الاثيوبية على منطقتي الفشقة الصغرى والكبرى السودانيتين، بجانب تهديد سد النهضة الاثيوبي المباشر لدولتي السودان ومصر، ويتضح ان اثيوبيا لم تقدر احتضان السودان لعشرات الآلاف من الفارين من جحيم المليشيات الحكومية في اقليم التقراي واقليم بني شنقول قمز، بل ظلت تنظر لمصلحة (قبيلة الامهرا) المسيطرة على مفاصل الدولة الفيدرالية التى ترسم السياسة الخارجية للدولة، لذا فإن وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى الخرطوم للقاء رئيس مجلس السيادة الفريق اول عبد الفتاح البرهان اليوم (السبت)، من الاهمية بمكان امام ما يواجه الدولتين من تهديد اثيوبي يجرى امام اعين المجتمع الدولي.

التهديد المائي
تحول سد النهضة لـ (جلطة) مائية في نهر النيل بعد الفيضانات غير العادية التى كبدت السودان العام الماضي خسائر فادحة في الارواح والممتلكات بعد ان افشلت اثيوبيا مفاوضات سد النهضة التى خرجت كواجهة مسرحية للوصول لمرحلة الملء الاول تمكنت خلالها اديس ابابا من خداع الاتحاد الافريقي والوساطة الامريكية العام الماضي وتنفيذ قرار احادي منفرد دون مصلحة دولتي شعبي السودان ومصر بعد جولات لسنوات دون نتيجة.

الجديد ان اديس ابابا رفضت قبول المقترح السوداني المصري بادخال الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية والامم المتحدة في التفاوض، حيث اكد بيان الخارجية الاثيوبية موافقته على وساطة الاتحاد الافريقي فقط ، رغم ان الاتحاد الافريقي فشل في جولات التفاوض السابقة بين الدول الثلاث او الضغط على اثيوبيا لوقف الملء الاول لسد النهضة العام الماضي، مما جعل الخرطوم والقاهرة تسعيان لوساطة الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة والامم المتحدة، خاصة ان الاتحاد الافريقي اصبح مسلوب (القرار) بعد ان منعته الحكومة الاثيوبية من التوسط او التحقيق في ازمة التقراي، بالاضافة لمنع كافة الدول الافريقية بما ذلك دول (الايقاد) من اقامة لجنة تحقيق في الجرائم والانتهاكات التى وقعت ضد مواطني اقليم التقراي في الحرب، هذا غير ان الانتهاكات التى كشفتها المنظمات الدولية تجعل الاتحاد الافريقي غير مؤهل لقيادة التفاوض في سد النهضة بعد عدم قدرته على وقف الحرب الاهلية الاثيوبية او التحقيق بشأن ما جرى في اقليم التقراي، وبالتالي فإن اصرار السودان ومصر على ادخال الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والامم المتحدة مهم للتوصول لحل مرضٍ للاطراف وليس اعادة جولة تفاوض تنتهى بالملء الثاني المتوقع في يونيو من العام الجارى.

التهديد الحدودي
ابلغ رئيس مجلس السيادة الفريق اول عبد الفتاح البرهان خلال زيارته الاخيرة الى اديس ابابا في نوفمبر 2020م، ابلغ رئيس الوزراء ابي احمد بعزم القوات المسلحة الانتشار واعادة الاراضي السودانية بعد الهجمات الاثيوبية على المدنيين السودانيين والقوات المسلحة السودانية، وهو ما لم ينفه ابي احمد حتى كتابة هذه السطور، بل كان سوء النية الاثيوبي ضد الحكومة الانتقالية السودانية واضحاً بمحاولة فك ارتباط الجيش والشعب السوداني عن بعضهم البعض، عندما بعث رئيس الوزراء ابي احمد برسالة باللغة العربية الى الشعب السوداني يطالب فيها بشكل واضح بفك ارتباطه مع جيشه واعتبار ما يجري في حدود الفشقة الصغرى والكبرى تحركات للمليشيات الاثيوبية، لكن الواقع ان الطائرات الحربية الاثيوبية او الدبابات على حدود الفشقة ليست تابعة للمليشيات وانما للجيش الاثيوبي، هذا غير ان الشعب السوداني حتى الآن لم ير اعتذار من رئيس الوزراء الاثيوبي ابي احمد عن مقتل النساء المزارعات في الفشقة برصاص قوات جيشه، بالاضافة لعدم اعتذاره عن اختطاف وقتل مزارعي الشعب السوداني او تعويض حكومة السودان التى تعاني من ازمة اقتصادية عن فوائد ما كسبته اثيوبيا من اراضي الفشقة الصغرى والكبرى من خلال تصديره للخارج طوال الـ (25) عاماً الماضية، مما ساعد اثيوبيا على تحقيق النهضة الحالية رغم انعدام الموارد على اراضيها.

اما الاعتداءات المباشرة للجيش الاثيوبي على السودانيين، فقد قدرت الاحصائيات ان عدد المختطفين السودانيين بواسطة القوات الاثيوبية تحت تهديد السلاح تجاوز (18)، منهم مزراعون وموظفون وتجار بولاية القضارف، وتم اطلاق بعضهم بفدية مالية بينما مازال الآخرون لدى القوات الاثيوبية، وأما القتلى بحسب ما رصدت (الإنتباهة) فإن اثيوبيا قتلت اكثر من (12) مدنياً سودانياً منهم (7) نساء، بالاضافة لوقوع اكثر من (15) اشتباكاً ضد القوات المسلحة السودانية التى كانت تعمل للدفاع عن اراضيها ومواطنيها طوال شهري يناير وفبراير الماضيين، وهذا غير اختراق الطيران الحربي لولاية القضارف، بجانب نهب اكثر (2000) جوال من المزارعين السودانيين.

بالتالي فإن ما يجري في ولاية القضارف تحاول اثيوبيا بشكل واضح عبره اضعاف واخضاع دور الحكومة السودانية من اجل السيطرة على اراضي السودان وموارده وقتل مواطنيه وتشريدهم من الولاية، مما يتطلب من السودان التعاضد مع دول الجوار خاصة مصر من اجل اعادة تفعيل اتفاق الدفاع المشترك بين البلدين، وهو ما يستدعى ايضاً وجود الرئيس المصري في الخرطوم اليوم (السبت)، خاصة ان اثيوبيا بدورها لا تخفي تعاونها العسكري مع الجارة اريتريا، وقامت بنشر صورة الجندي السوداني الاسير مع افراد قبيلة الامهرا في محاولة لاذلال الشعب وجيشه بتحطيم اجمل ما في ثورة ديسمبر التى جمعت تلاحم الشعب مع الجيش.

رسائل مهمة
(الايام الماضية وثقت تعاوناً غير مسبوق سياسياً وعسكرياً)، بهذه العبارات ابتدر رئيس تحرير مجلة (روز اليوسف) احمد الطاهرى حديثه بان ما نشهده لحظة سوف يسطرها التاريخ لشعبي وادى النيل فى مصر والسودان، فعند الخطر كانت مصر للسودان والسودان لمصر، ويضيف الطاهرى لـ (الانتباهة) ان التعاون على قدر حجم التحدى المشترك، موضحاً ان اعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي ان أمن السودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصري رسالة من مصر للعالم، وان التصريح يعد منهج عمل لكل من يرى الانفتاح المصري الواضح تجاه السودان، مؤكداً منذ ثورة ديسمبر السودانية المجيدة التى خرجت لأجل سودان جديد كانت مصر فيها بجوار السودان وشعبه داعمة له ولخياراته دون تدخل، وبخلاف العديد من المشروعات المشتركة يمثل التعاون العسكرى فى هذه المرحلة رسالة بالغة الأهمية، هذا غير ان التدريبات الجوية المشتركة السابقة جميعها كانت رسائل سياسية بالغة الأهمية، وتأتى الرسالة الاهم مع الزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السودان اليوم.

علاقة استراتيجية
يعتبر عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية واستاذ القانون الدولي العام الدكتور ايمن سلامة، ان زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الى الخرطوم تأتي في لحظة فارقة هي الاهم والأخطر في تاريخ الدولتين لعدة بواعث وأسباب مختلفة، ويقول د. ايمن لـ (الانتباهة) ان الدولتين لم تتعرضا خلال تاريخهما قديماً وحديثاً لمثل هذه الاخطار المحدقة ببقائهما، فجائحة سد النهضة الاثيوبي أكبر مشروع هندسي على الانهار الدولية في القارة الافريقية والسابع ضخامة على مستوى العالم، ولا يبعد مسافة ساعة واحدة من الحدود السودانية الاثيوبية، والاضرار الجسيمة المداهمة المباشرة للدولتين لا يأوزها اي تدليل بعد مسيرة المفاوضات الفاشلة الماراثونية التي دامت عقداً من الزمان منذ الاعلان الانفرادي الاثيوبي دون تشاور أو إخطار أو تعاون مع الدولتين مصر والسودان في أبريل عام 2011م، وكانت العلاقات السودانية المصرية على مختلف الصعد قد تطورت تطوراً ايجابياً دراماتيكياً منذ الثورة المجيدة الشعبية في السودان التي أقصت نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، بعد أن كان النظام السابق قد تماهى عن تأمين الحدود السياسية الدولية للسودان مع إثيوبيا على خط الحدود الشرقية، واضاف دكتور ايمن ان التطور الاهم في مسيرة العلاقات المصرية السودانية وتحديداً منذ أكثر من عام ونصف هو التطور الدراماتيكي الايجابي والرؤية الواحدة المشتركة المصرية السودانية في ما يتعلق بسد النهضة والعلاقة مع إثيوبيا في هذا الصدد، لذلك تعد زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الى السودان مهمة في التركيز وتعظيم التنسيق في مسألة مهمة في مسيرة مجابهة سد النهضة الاثيوبي، وهي تحديداً الاصرار على ضرورة التوقيع على اتفاق نهائي فني ملزم للانتفاع المشترك للدول الثلاث بنهر النيل الازرق بعد تشغيل سد النهضة الاثيوبي، ويشير دكتور ايمن ان زيارة السيسي سوف تقوم بتمتين العلاقة الاستراتيجية المصرية السودانية، كما من المرتقب أيضاً أن تصدر قرارات عن القمة السودانية المصرية بإبرام اتفاقيات وبروتكولات للتعاون الجديد بين البلدين، فضلاً عن إنفاذ وتفعيل ما اتفق عليه سابقاً من اتفاقيات وبروتكولات للتعاون المشترك بين البلدين.

تطورات مهمة
وبدوره استدعى رئيس اللجنة التنفيذية للجانب السوداني في مبادرة تعزيز العلاقات السودانية المصرية، السفير دكتور علي يوسف أحمد، استدعى ثلاثة تطورات مهمة لموضوع امن السودان ومصر والامن المشترك، الاول الخلاف بين السودان واثيوبيا ومصر حول سد النهضة واستمرار اثيوبيا في رفضها المتعند، اما الثاني فهو الازمة التي طرأت بين السودان واثيوبيا بعد استرجاع السودان أراضيه في الفشقة، اما التطور الثالث فهو التحركات في منطقة البحر الاحمر ومجريات الاحداث والتطورات في ليبيا على هذين المستويين، حيث هنالك اهمية كبرى لان يجلس السودان ومصر ويتوصلا لما يحفظ البلدين، ويضيف السفير علي يوسف في حديثه لـ (الانتباهة) ان حدثين مهمين جداً كانا خلال الاسبوع الماضي، الاول كان التوقيع على اتفاق تعاون بين القوات السودانية والقوات المصرية في الخرطوم وما سبق ذلك من مناورات مشتركة، مما يعني ان هنالك اتجاهاً قوياً للتعاون العسكري، وهذا التعاون الهدف منه حماية أمن وسيادة الدولتين، اما الثاني فهو تصريح الرئيس السيسي بعد لقائه بوزير الخارجية الدكتورة مريم الصادق المهدي الذي جاء فيه أن (أمن السودان جزء لا يتجزأ من أمن مصر)، وهذا يدل على أنه اذا حدث اي اعتداء على امن او سيادة السودان سيعد اعتداءً على جمهورية مصر العربية، وهذا موقف قوي جداً وواضح ومسؤول، ويؤكد تاريخ العلاقات السودانية المصرية في مجال الامن.

ويعتبر السفير علي ان أبرز علامات التاريخ المشترك كانت اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت ابان حكم الرئيس الاسبق جعفر نميري وتم إلغاؤها عند سقوط حكم نميري، مشيراً الى أن السودان ومصر عضوان في الجامعة العربية، وهنالك اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي تعتبر أي اعتداء على دولة عربية يعتبر اعتداءً على بقية الدول العربية، وتوقع السفير علي من خلال المواقف وتاريخ العلاقات بين البلدين والعلاقات بين المؤسسة العسكرية في الدولتين، توقع ان يكون هناك تعاون عالي المستوى في المجال العسكري قد يصل للتوقيع على اتفاق لدفاع مشترك مرة اخرى، موضحاً انه حال حدوث ذلك فانهم يرحبون بمثل هذا التعاون لانه تأكيد لعلاقات أزلية وعلاقات مستمرة.

هشاشة إثيوبيا
اما المحلل السياسي راشد التيجاني فيرى ان زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي مهمة، خاصة أن المنطقة تشهد هذه الايام توترات وتعقيدات ذات اهمية كبيرة في مقدمتها الملء الاحادي لسد النهضة من الجانب الإثيوبي وقضية الحدود بين الخرطوم واديس ابابا، بالإضافة إلى اتهام اثيوبيا السودان بانه يخدم مصر في الضغط على اثيوبيا، واكد راشد ان هذه المعطيات تدل على اهمية الزيارة من أجل تحريك كل هذه الملفات للتقارب بين السودان ومصر في مواجهة تعنت اثيوبيا القاضي بقرار ملء السد، مشيراً الى انه سبق ذلك تصريح سوداني بتوسيع أطراف التفاوض بدخول والأمم المتحدة وامريكا والاتحاد الاوروبي من أجل تكثيف الضغط على اثيوبيا، لذا فإن هذه الزيارة تجمع روئ البلدين حتى يخرجا بصيغة موحدة تضمن وحدة وتقارب وجهتي الخرطوم والقاهرة، ونوه التيجاني بأن ذلك سبقته زيارة وزير الخارجية الى القاهرة واستقبالها على اعلى مستوى من الجانب المصري، وزيارة رئيس اركان الجيش المصري الى الخرطوم، وهذا يعني ان السودان ومصر تشهدان علاقات في جميع المجالات الدبلوماسية، وهذه العلاقات قد تجعل اثيوبيا على الاقل تتراجع عن مواقفها المتعنتة، خاصة أنها تعيش اسوأ حالاتها بسبب الهشاشة الداخلية التى لا تمكنها من مواجهة دولتي السودان ومصر، لذلك قد تتراجع مواقفها والقبول بالرجوع للتفاوض مع السودان ومصر والاتفاق حول ملء السد.

المصدر: الانتباهة أون لاين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.