الكهرباء باتت وأمست وأصبحت وغدت وما زالت وما انفكت من المحن والأهوال التي يكابدها الناس، صبح ومساء وليل ونهار وعصرية ومغربية،
في أوقات الأزمات والمحن، ينشط الساخرون والظرفاء فى انتاج الطرف والنكات للتخفيف من البلوى، وفي ذلك قال الأديب عباس محمود العقاد في كتابه (جحا الضاحك المضحك) أن الهول تحول فجأة إلى الضحك، بطارئ من طوارئ التغيير، والتبديل، التي تتعاقب في أيام النصر، والهزيمة والقيام، والسقوط بين الجبابرة، وأصحاب الدولات)، ولأن الكهرباء باتت وأمست وأصبحت وغدت وما زالت وما انفكت من المحن والأهوال التي يكابدها الناس، صبح ومساء وليل ونهار وعصرية ومغربية، لم تترك وقتا من أوقات الله الا ومسته بضرها وضررها، حتى صار الأصل هو انقطاع الكهرباء والاستثناء هو وجودها، وظلت خدمة الكهرباء تتدهور وتتراجع بمتوالية هندسية، من السيئ جدا الى السئ جدا جدا جدا، بدلا من حدوث العكس بأن ينصلح حالها وتتقدم خطوة باتجاه التحسن، ولحال الكهرباء هذا غير المفهوم والمتأرجح، تتقدم خطوة الى الأمام ثم فجأة تتقهقر خطوتان الى الخلف، تفتقت عبقرية ساخري السودان عن جملة من الطرف والنكات الساخرة من حال الكهرباء هذا، ومنها قولهم (برمجة مضمونة ولا كهرباء مجهجهة)، ومنها مخاطبة أحدهم لأهل الكهرباء مستغربا عدم انقطاعها في أحد الأيام، فهاتفهم قائلا (يا ناس الكهرباء انتو كويسين، نعل ما عندكم عوجة أصلو الليلة ما قطعتو مننا الكهرباء عشان كدا حبينا نطمن عليكم)، وغير ذلك كثير من النقد اللاذع والموجع..
الشاهد في هذه الـ(جهجهة) التي عليها خدمة الكهرباء، أن الأمر لا يتعلق فقط بالعجز ما بين المنتج من كهرباء والاستهلاك، فحتى هذا المنتج كان يمكن ادارته وتنظيمه بشكل جيد ومستقر ومعلوم، وهذا ما يؤكد أن هناك اضافة الى الأسباب المعلومة، سوء ادارة وتنظيم وتخطيط، ولعل ذلك ما أشار اليه رئيس الوزراء حمدوك فيما نقلته عنه صحيفة (التيار) الصادرة أمس، جاء في خبر الصحيفة أنها تحصلت على معلومات دقيقة حول اجتماع عاصف ترأسه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، مع وزير الطاقة والتعدين جادين علي، في حضور الشركات التابعة للوزارة. وقالت الصحيفة إن رئيس الوزراء عاب على وزارة الطاقة عدم وجود رؤية وسقف زمني لحل أزمة الكهرباء، التي عاودت مجددا ببرمجة جديدة للقطوعات.وأشار حمدوك الى أن الخطط غير واضحة للاستفادة من الدعم المقدم من وكالة التنمية المقدر بنحو 700 مليون دولار من جملة 3 مليار دولار مقدمة للسودان للاستفادة منها في مجالات الطاقة..وبالوقوف على التجربة المصرية في الكهرباء يتكشف لنا أننا فعلا نعاني من سؤ ادارة وتخطيط، فمصر القريبة دي كانت قد عانت الأمرين في أوقات سابقة من عدم توفر كهرباء كافية، فإضطرت وزارة الكهرباء لعمل قطوعات مبرمجة تمتد فى بعض الأحيان إلى 8 ساعات فى كل مدن الجمهورية، لكنها فى نفس الوقت كانت تخطط لإنشاء المزيد من المحطات بلغت فى نهاية عام 2015) 11 ألف ميقاوط) زيادة على ال 28 ألف ميقاواط المتوفرة سلفا، كما خططت لإضافة 14 ألف ميقاوط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول العام 2020 مع المزيد من المحطات الحرارية ثم الطاقة النووية عام 2027..حدث هذا فى الجارة القريبة مصر وهي اليوم مكتفية تماما بل وتصدر لنا بعض فائضها..
بشفافية – حيدر المكاشفي
الجريدة