(الرشوة)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد أيها المسلمون :
دائما ما تبتلى الأمم في أيام ضعفها وهوانها عندما تصبح نفوس ابنائها هشة ضعيفة بأمراض كثيرة، تضعف شأنها، وتقوض بنيانها وتهدد مسيرتها وسلامة طرق الكسب فيها، وتقضي على مستقبلها وإن من شر ما تصاب به الأمم أن تمتد أيدي فئات من عُمَّالها ومسؤوليها إلى تناول ما ليس بحق لهم وقبول الأموال والهدايا من أجل خدمة من يقدمونها وأعني بذلك (الرشوة) .
والرشوة هي ما يعطى من مال أو هدايا أو نحوه لإبطال حق، أو إحقاق باطل وقد انتشرت في بلادنا مؤخراً بصورة ملحوظة ، حتى صارت ديدن الكثير، يأخذونها ولا يخافون من أكل الحرام، ولا يتحرجون من أكل الأموال بالإثم، فقل أن تجد موظفًا أو قاضيًا أو عاملاً إلا وهو يتلقى الرشاوى من دون حياء من الله، ولا خجل من الناس، فاعلموا -يا عباد الله- أن هذا المال الذي يؤخذ بطريق الرشوة حرام وسحت، وقد وصف الله تعالى اليهود في الآية 42 من سورة المائدة بأنهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) .
الأحباب الكرام :
إن الرشوة مجمع على انها خيانة عند جميع الملل وهي في دين الله أعظم إثمًا وأشد مقتًا : (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) فالرشوة تخفي الجرائم، وتزيف الحقائق وبالرشوة يُفلت المجرم ويدان البريء، وبها يفسد ميزان العدل الذي قام عليه عمران المجتمع، فهي معول هدّام للدين والفضيلة والخلق
والرشوة تلبس عند أهلها ثيابًا مستعارة، فتأخذ صورًا متلونة وأسماءاً متغيرة ، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص أوفي المؤسسات والشركات، فهذه هدية وتلك إكرامية، والصور في ذلك لا تتناهى بهدف طمسٍ لحق أو سكوتٍ على باطل، وتقديم لمتأخر وتأخير لمتقدم، ورفع لخامل، ومنع لكفءٍ، وتغيير للشروط، وإخلال بالمواصفات، وعبث بالعطاءآت إلى غير ذلك ، فالراشي والمرتشي والرائش وهو الوسيط بينهما متعاونون على تضييع الحقوق، ويروجون لأكل أموال الناس بالباطل، ويزرعون السيئ من الأخلاق، وهم ملعونون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مطرودون من رحمة الله، ممحوق كسبهم، زائلة بركته، خسروا دينهم وأضاعوا أمانتهم، استسلموا للمطامع، واستعبدتهم الأهواء وأغضبوا الله سبحانه وتعالى وخانوا الإمانة وغشوا الأمة، في نفوس خسيسة وهمم دنيئة .
ايها الأحباب :
كم من مظالم انتهكت، وكم من دماء ضيعت، وكم من حقوق طمست، ما أضاعها وما طمسها إلا الراشون والمرتشون فحسب من ظُلِم الله الذي لا تنام عينه، وويل لهؤلاء مما عملت أيديهم وويل لهم مما يكسبون
لقد ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم قوله (والله لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله؛ من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟)، وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه: (ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه من حرام، ومشربه من حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟)
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك اللهم قنّعنا بما رزقتنا اللهم جنبنا أكل أموال الناس بالباطل اللهم اجعلنا عونا لهم في قضاء حوائجهم اللهم يسِّر أمورنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا .أ قول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .
ساخر سبيل – الفاتح جبرا
الجريدة