هل تنقذ موارد السودان الذاتية موازنة 2022؟
واجهت موازنة السودان للعام الحالي انتقادات واسعة من قطاعات وفئات مجتمعية عدة، من ناحية أنها أثقلت كاهل المواطن بشكل لا يوصف، لأنها اعتمدت مئة في المئة على الجبايات والضرائب. ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسب كبيرة، في ظل تراجع عجلة الإنتاج وتدني دخول الغالبية العظمى من المجتمع.
في ظل هذا الواقع، يشكك كثيرون من الاقتصاديين في مقدرة الدولة على تنفيذ هذه الموازنة، وفقاً لما هو مرسوم لها، بالنظر إلى التحديات الماثلة في ما يتعلق بالمشهد السياسي المتوتر.
التمويل بالتضخم
يقول وزير الدولة السابق في وزارة المالية السودانية عز الدين إبراهيم، إنه “في أحيان كثيرة، تحدث إشكاليات عند تطبيق الموازنة تحول دون تطبيقها بالشكل الموضوعي، ومثل هذه المشكلات لا يمكن التنبؤ بها. فحالياً، ما تواجهه البلاد من اضطرابات قد تعقد واقع الموازنة وتصعب تنفيذها كما يجب. لذلك، فالأولوية دائماً تكون للاستقرار السياسي الذي ينعكس بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي. لكن، ما نلاحظه تاريخياً هو أن المشكلة الاقتصادية ظلت قائمة منذ سبعينيات القرن الماضي، ما عدا فترة استخراج البترول في نهاية التسعينيات من القرن حتى ما بعد منتصف الألفية الثالثة، إذ إن المصروفات أكثر من الإيرادات ودائماً ما يكون هناك عجز”.
ويضيف إبراهيم، أن “الموارد الذاتية لا تكفي لتسيير خطط الدولة من ناحية الصرف على المرتبات ونفقات العمل الحكومي والمشروعات التنموية والخدمية. فما تجنيه الدولة من ضرائب لا يتعدى 8 في المئة من حجم الميزانية، بيد أن معظم الدول تشكل نسبة الضرائب من حجم الموازنة نحو 17 في المئة. مع ذلك، تتحصل السلطات السودانية على الضرائب من فئة محدودة من المواطنين، في حين يعترض توسيع القاعدة الضريبية إشكاليات عدة من أهمها توفير الأدوات والمعينات الخاصة بالتحصيل من سيارات وغيرها. بالتالي، تلجأ الدولة إلى تغطية العجز الناتج بسبب محدودية قاعدة الإيرادات من طريق التمويل بالتضخم، وهي عملية تتم بطريقة سرية غير مرئية”.
ويتابع، أن “التضخم مؤهل للقفز إلى أعلى، وإجراءات رفع الدعم وزيادة الرسوم تؤديان إلى زيادة تكلفة الإنتاج. ما يزيد من أعباء المواطنين. ولجأت الدولة بعد توقف برنامج ثمرات لحماية الأسر الفقيرة بسبب القرارات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، مع إعلان حالة الطوارئ وتعطيل الشراكة مع المدنيين، إلى استحداث وتفعيل برنامج سلعتي والجمعيات التعاونية، لكنها كما يبدو مجرد برامج علاقات عامة وتخدير لإسكات صوت المواطن”.
ويؤكد أنه من “الأهمية أن تتحكم الدولة في الكتلة النقدية، فإذا زادتها من خلال الاستدانة من البنك المركزي، لا بد أن تخفضها من القطاع الخاص، كي تمنع زيادة التضخم. فعلى سبيل المثال، قفزت هذه الكتلة في عام 2020- 2021 من تريليون جنيه سوداني (2.1 مليار دولار) إلى 3 تريليون جنيه (6.3 مليار دولار). ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير”.
ويعتبر إبراهيم أن على “الحكومة أن تُعيد على المدى الطويل هيكلة الاقتصاد، بحيث تكون هناك صناعات ومشروعات خدمية تدر إيرادات ضريبية مجدية لخزينة الدولة. بالتالي، لا تعتمد الحكومة على الشريحة الضعيفة في الضرائب لأنها ستتبع طرقاً مختلفة للتهرب والتحايل من دفع الضرائب”.
تضارب سياسات
في السياق ذاته، يقول المتخصص في الشأن المالي والاقتصادي محمد الناير، إن “موازنة 2022 أعدت في ظل ظروف بالغة التعقيد، إذ لا توجد حكومة تنفيذية، ولم تخضع هذه الموازنة للدراسة العلمية لتوقع الإيرادات في الفترة المقبلة وتحديد نسب احتمال الحصول عليها، ثم وضع نسب للصرف على بنود الموازنة، ويتم ذلك من خلال المعلومات التاريخية ودراسة تغير الأسعار (التضخم) وتغير سعر صرف العملات الأجنبية، ودراسة الوضع السياسي والاجتماعي والمؤثرات الخارجية في الموازنة العامة، فضلاً عن أن هذه الموازنة تعتمد بشكل كبير على الموارد الذاتية بعد توقف المساعدات الخارجية بسبب إجراءات 25 أكتوبر التي اعتبرها المجتمع الدولي انقلاباً عسكرياً. بالتالي، كان يجب أن يكون حجم إيراداتها متوازناً ومراعياً الواقع الراهن. لذلك، نلاحظ هذه الأيام صدور قرارات غير محسوبة بزيادة أسعار الكهرباء ورسوم الصادر وغيرها، إذ ينظر إلى هذه الزيادات من زاوية ضيقة، ولا ينظر إليها من ناحية أنها تؤدي إلى تعطيل عجلة الإنتاج”.
ويتابع الناير، “نجد على سبيل المثال أن متوسط معدل التضخم العام الماضي بلغ 359 في المئة، وأن المستهدف في موازنه هذا العام أن يكون معدل التضخم في حدود 202 في المئة. وفي نظري، فإن تحقيق ذلك من المستحيلات، لأن من شأن الزيادات التي حدثت في أسعار الكهرباء والخبز وغيرها تقفز بالتضخم إلى 500 في المئة. فذلك يؤكد أن هناك تضارباً في السياسات التي تم إقرارها في هذه الموازنة. وهي سياسات ذات طبيعة تضخمية”.
ويلفت الناير إلى أن “موازنة العام تعتمد بشكل أساسي على الضرائب بنسبة تعادل 60 في المئة. وهو أمر تحفه مخاطر كثيرة، خصوصاً من ناحية الركود الذي يضرب الأسواق حالياً. ما ينعكس سلباً على العملية الضريبية، إذ إن 92 في المئة تعد ضريبة غير مباشرة يقع عبؤها على فئات المجتمع كلها، بينما الـ 8 في المئة المتبقية تحصل من الشركات والمؤسسات التجارية المقتدرة، لكن في حال استمرار المشهد السياسي والأمني الراهن، فإنه من الصعب تنفيذ هذه الموازنة وفق ما هو مرسوم لها. ما يضطر الدولة إلى الاستدانة بحجم كبير، ويؤدي ذلك إلى تراجع قيمة العملة المحلية وزيادة التضخم. بالتالي، تعقيد المشهد الاقتصادي إلى أسوأ ما هو متوقع”.
تراجع الإنتاج
من ناحيته، يشير المتخصص في الشأن الاقتصادي هيثم محمد فتحي إلى أنه “دائماً ما نلاحظ أن الحكومات تتجمل عند إعداد مشروع الموازنة الجديدة وتسعى جاهدة لكسب ود المواطنين، لكن المقياس الحقيقي لتقييم أداء الحكومات هو ماذا فعلت في العام المالي الماضي، وليس ما تحلم بتنفيذه في العام الجديد. فهناك تفاعل متبادل بين عجز الموازنة والائتمان الممنوح للحكومة وسعر الصرف والتضخم في السودان. فعجز الموازنة ومصادر تمويلها من العوامل المهمة التي تغذي الضغوط التضخمية في السودان. ما يؤدي إلى صعوبة استهداف استقرار الأسعار”.
ويضيف فتحي، “معلوم أن هناك عجزاً في موازنة هذا العام. ما يستوجب البحث عن تمويل من خلال القروض، أو تقليل المصروفات. لكن أفضل حل لتمويل العجر هو إجراء تنوع في هذه الأدوات سواء من خلال شهادات شهامه أو القروض أو الاقتراض من المؤسسات الدولية. فتقليل المصروفات لعدم الاقتراض سيؤدي إلى وقف كثير من المشروعات. بالتالي، ستقل فرص العمل، لأن من شأن الاقتراض أن يسهم في القيام بمشروعات تنمية. ومن شأن ذلك أن يوفر مزيداً من الإيرادات التي تسهم في سداد القروض”.
ويرى أن “العجز الحالي ناتج من انخفاض الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وتراجع الإنتاج وغيره من مصادر الدخل. فيما يمثل عجز الموازنة والمديونية والعجز في الحساب الجاري وانخفاض احتياطيات العملات الأجنبية، أبرز التحديات التي يواجهها الاقتصاد السوداني في هذا الوقت”.
ويعتقد أن “ليس لدينا سياسة اقتصادية كما هو متبع لدى كثير من الدول التي ليس لديها موارد وإمكانات مثلنا، فلو كانت لدينا سياسة اقتصادية واضحة المعالم، حتى لو اختلف شخوص المؤسسات، لن نصل إلى هذا الوضع. وبشكل عام، صحيح أن بلادنا تشهد غياب المؤسسية المتعارف عليها، لكن سياستنا الاقتصادية ليست واضحة حتى على المدى القصير، فليس لدينا مسار اقتصادي بالطريقة العلمية والعملية المعروفة لدى الجميع”.
والسؤال الذي يطرحه كثير من المراقبين، هل ستتخذ الحكومة الحالية قرارات في ما يخص دعم الكهرباء والخبز والمياه، لتقليص العجز الحالي في الموازنة الذي سيكون علاجه إما بإجراءات اقتصادية جادة، أو من خلال الاستدانة من البنك المركزي (طبع النقود). وهو ما يؤدي إلى زيادة معدل التضخم.
ويخلص فتحي إلى أن “المشكلة الحقيقية التي تواجه اقتصادنا أكبر من مشروع الموازنة، فهي تتعلق بعدم وجود استقرار سياسي، وإن لم يحدث ذلك فسندور في حلقة مفرغة”.
إندبندنت