أو الزومبي..
أو الميت الحي… أو الحي الميت..
وذلك وفقاً لأساطير لا تكاد تستثني – في غرابة شديدة – شعباً من الشعوب..
وليس حديثنا اليوم عن البعاتي… ولا أفلام الزومبي..
ولكنا نستهله بحدث حقيقي في بلدة الخندق… حين كثر الحديث عن البعاتي..
وكنا قد أشرنا إليه قبلاً..
فذات ليلة أصر قريبنا علي صديق على مواجهته..
قال إنه يريد أن يواجه مخاوفه… ومخاوف سكان البلدة أجمعين..
كان البعاتي – كما يسمونه – يأتي عند منتصف الليل من جهة مقابر (فوق)..
ويسلك طريقاً واحداً… هو الذي يمر بجوار الاستراحة العتيقة..
فإذا ما بلغها سمعت صوته المرعب كل البلدة..
سمعته بوضوح رغم نباح الكلاب التي تزفه… وتتبعه… وتحيط به… وتعوي لعوائه..
فأراد – علي – إبطال معتقد الناس في وجود ذلكم البعاتي..
فلما اقترب منتصف الليل – واقترب الصوت – خرج يقترب من الاستراحة..
وتلمس سكته في الظلام نحو تلتها الحجرية القائمة عليها..
وما أن بلغ سورها الجنوبي الشرقي حتى أطلق ساقيه للريح لا يلوي على شيء..
فقد عجزت شجاعته عن تحمل عواء الصوت المرعب..
ولم يواجه مخاوفه إزاء (الحدث)… ولم يثبت شيئاً… و(حدث ما حدث)..
ولكنه اختلق تفسيراً (تعويضياً) رأى أنه يُريحه… والآخرين..
قال إن مصدر الصوت العجيب هو حيوان متوحش..
ومرت أعوام قبل أن يدرك الناس حقيقة البعاتي… وصوته المخيف..
فهم من أوجدوه… ثُم أوجدوا خوفهم منه..
أوجدوه – وصنعوه – من (حدث) ذي تفسير منطقي..
والآن إذ (يحدث ما يحدث) في بلادنا فإننا نحذر من نوع أسوأ من أنواع البعاعيت..
وهو – أيضاً – يُوجده الناس… ثم يخشون الذي أوجدوه هذا..
فهم الذين يكسبون (وحوشهم) الخيالية قوةً… ثم يخافون من (توحشهم)..
وانظر – الآن – إلى كيف ينساق بعض الناس إلى سكة الخطأ..
ينساقون إليها – شعورياً أو لا شعورياً – جراء احباطهم من طول السكة الصحيحة..
فمشكلتنا ليست في دربنا الانتقالي هذا..
وإنما في الذين جعلتهم ظروفٌ كارثية في مقام القائد لهم – وللأمور – عليه..
فإن فشلوا – وقد فشلوا – فالحل ليس في تغيير الدرب..
لنُفاجأ حينها ببعايت من صنعنا… توحشت بفعل مخاوفنا… وتنمرت جراء قلة حيلتنا..
فكذلك صنع حزب الأمة عبود نوفمبر..
وصنع الشيوعيون نميري مايو… وصنع الإسلاميون بشير يونيه..
فصار كل واحد من هؤلاء بعاتياً متوحشاً..
يُخيف عواؤه – دعك من بطشه – صانعيه قبل الآخرين..
والآن هنالك من يصنع واحداً جديداً… أو بالأحرى: رابعاً..
وربما نسمع عواءه – قريباً – من خلف (تلة) الانتقالية… في جنح الظلام..
وليل فترتنا الانتقالية هذه يماثل ليالي الخندق تلك..
ليالي السكون… والسكوت… والهمود… ترقباً لعواء البعاتي من وراء تلة الاستراحة..
ترقباً لعواء البيان الأول… الرابع..
وكحالنا نحنا أيضاً – كشعب – سيصيبنا الوجوم… والخمول… والذهول..
وهو حالٌ يغذيه فشلٌ لم يعد (يفرق معه شيء)..
فشلٌ فاق – هذه المرة – كل التوقعات..
وفاق كل قدرةٍ للناس على التحمل… وذهبت سدى صرخاتنا التحذيرية..
وقبيل سقوط الإنقاذ بنحو شهر كتبنا (فات الأوان)..
أوان أية محاولة للإصلاح؛ فضحكوا منا… وفينا… وعلينا..
ونهيئ الأجواء الآن لصنع (بعاتي) آخر..
وستمر سنوات كئيبة – وطويلة – قبل أن نكتشف أننا لا نتعلم من دروس تاريخنا..
ونفتأ نصنع وحوشاً..
وبعاعيتَ!!.