هل تصعّد السلطات العسكرية في السودان ضد بعثة”يونيتامس”؟

سودافاكس / بينما تتفاقم الأوضاع الداخلية في السودان، يبدو أن السلطة العسكرية غير راضية عن مواقف بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان «يونيتامس»، التي أنشئت خلال فترة الشراكة الانتقالية، التي انقلب عليها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي.

وفي السياق، قالت السلطات السودانية «إنها شرعت في اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي من شأنها إعادة توجيه عمل «يونيتامس»، بحيث تلتفت إلى الجوانب الأخرى الأساسية في تفويضها بدلاً من تركيز جُلّ نشاطها، في الجانب السياسي».

وجاء ذلك في تعقيب وزارة الخارجية السودانية على الإحاطة التي قدمها رئيس بعثة «يونيتامس»، الأحد، أمام مجلس الأمن الدولي بخصوص الأوضاع في السودان. وعقب تدهور الأوضاع بعد الانقلاب العسكري وانهيار اتفاق البرهان-حمدوك، أطلقت البعثة الأممية، مطلع العام الجاري، عملية سياسية لحل الأزمة السودانية، كانت تتطلع لأن تسهم في جمع الأطراف السودانية في طاولة حوار واحدة لاحقاً.

وبعد خمسة أسابيع من اللقاءات مع الأطراف المدنية، أعلنت البعثة انتهاء المرحلة الأولى من العملية السياسية التي تضمنت مشاورات غير مباشرة، دون انخراط العسكريين في هذه المشاورات. ورغم ترحيبه بالعملية السياسية في البداية، ألا أن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، سرعان ما بدل موقفه، وأصبح يؤكد أن مهام البعثة لا تتجاوز حدود التنسيق بين الأطراف السودانية، وأنها لا تملك الحق في إطلاق أي مبادرة، مشدداً على الحلول الوطنية للأزمة السودانية.

ونظم مناصرون للنظام السابق والعسكر تظاهرتين أمام مقر البعثة، مطالبين بخروجها من البلاد للحفاظ على السيادة الوطنية، على حد قولهم.

بالمقابل، واصلت البعثة أعمالها وأخرجت تقريراً مفصلاً حول المرحلة الأولى من المشاورات غير المباشرة، مشيرة إلى توافق المشاركين على العديد من النقاط الجوهرية. وحسب التقرير، اتفق المشاركون على ضرورة الانتقال المدني الديمقراطي والحاجة إلى مشاركة قوية من جانب المجتمع الدولي لدعم الانتقال السياسي، بما في ذلك إمكانية العمل كضامن لأي اتفاق، في ظل الانقسامات السياسية التي أصابت البلاد بالشلل خلال الفترة الماضية.

لاحقاً، انتظمت جهود للاتحاد الأفريقي للمشاركة في حل الأزمة السودانية، والتي يبدو أنها أدت إلى خلافات بين مبعوث الاتحاد الإفريقي محمد الحسن ولد لبات، ورئيس يونيتامس، فولكر بيرتس، وفق حديث مصادر مطلعة لـ»القدس العربي»، أكدت أن الاتحاد الأفريقي ظل يؤكد على الحلول الإفريقية للأزمات الأفريقية، بينما تمسكت يونيتامس بدورها في العملية السياسية.

وانتهى الأمر إلى إعلان آلية تنسيق مشتركة بين الاتحاد الإفريقي وبعثة الأمم المتحدة لحل الأزمة في السودان، انخرطت في اجتماعات عديدة خلال الأسبوعين الماضيين. ورغم أن العسكر يبدون أكثر ارتياحاً لدخول الاتحاد الإفريقي على خط التسوية، إلا أن موقفهم من يونيتامس أصبح أكثر حدة مؤخراً.

وقالت السلطات السودانية إنها قامت بإعادة تشكيل كلٍّ من اللجنة العليا للتعامل مع الأمم المتحدة برئاسة عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، واللجنة التنفيذية للتنسيق مع بعثة يونيتامس برئاسة وكيل وزارة الخارجية المكلف، السفير نادر يوسف الطيب.

وأشارت إلى أن اللجنة شرعت في اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي من شأنها إعادة توجيه عمل بعثة يونيتامس، بحيث تلتفت إلى الجوانب الأخرى الأساسية في تفويضها، مثل دعم اتفاق السلام، ودعم تنفيذ البروتوكولات الملحقة بالاتفاق، مثل بروتوكولات النازحين واللاجئين والترتيبات الأمنية والأراضي والحواكير، ودعم تطبيق بروتوكول تطوير قطاع الرحّل والرعاة، وحشد الموارد اللازمة للتحضير للانتخابات، بدلاً من تركيز جُلّ نشاط يونيتامس في الجانب السياسي فقط، حسب بيان لوزارة الخارجية عقبت من خلاله على الإحاطة التي قدمها فولكر، الأحد، أمام مجلس الأمن الدولي.

وأكدت أن اللجنة تعكف على إعداد مصفوفة متكاملة لمطلوبات حكومة السودان من بعثة يونيتامس، وفقاً لترتيب أولويات الحكومة فيما يتعلق بدعم الانتقال، وصولاً لإجراء الانتخابات، وأنها ستقوم في وقت قريب بتسليم هذه المصفوفة للأمم المتحدة، مشددة على أنّ يونيتامس أنشئت بطلبٍ من حكومة السودان.

وقدّم القائم بالأعمال بالإنابة ببعثة السودان الدائمة بالأمم المتحدة، بيان السودان في جلسة المجلس، أكد خلاله على ضرورة أن تلتزم يونيتامس بمبدأ الحياد وعدم الانحياز والشفافية في جمع وعرض المعلومات وتحليلها واستخلاص النتائج منها في تقاريرها.

وخلال مخاطبته مجلس الأمن الدولي، أكد بيرتس أن الوقت ليس في صالح السودان في ظل مخاوف على استقراره ووجوده، وأضاف: «لم تتحسن الحالة في السودان منذ إحاطتي الأخيرة لهذا المجلس في يناير/كانون الثاني، إنّ البلاد بدون حكومة عاملة منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والاحتجاجات ضدّ الانقلاب والقمع العنيف لهذه الاحتجاجات ما زالا مستمرّين. ونتيجةً لذلك، وفي غياب اتفاق سياسي للعودة إلى مسار انتقالي مقبول، فالحالة الاقتصادية والحالة الإنسانية والحالة الأمنية آخذة في التدهور».

وتابع: «وردت تقارير مقلقة عن ازدياد التوترات بين مختلف قوات الأمن وداخلها، مشيراً إلى مخاوف من أنّه إذا لم يتمّ التوصل إلى حلّ سياسي، قد ينحدر السودان إلى الصراع والانقسامات كما هو حدث في ليبيا أو اليمن أو أي مكان آخر، في منطقة تعاني أساساً من عدم الاستقرار».

وبينما يتواصل الانهيار الاقتصادي في البلاد، أكد بيرتس أنّ الاحتجاجات في الخرطوم وأماكن أخرى لا تزال سياسية في الأساس ومناهضة للانقلاب كما كانت، لكنها تكتسب تدريجياً طابعاً اجتماعياً اقتصادياً إضافياً مع المزيد من الشعارات الصارخة التي تندد بارتفاع أسعار الخبز وتدهور الظروف المعيشية.

وأضاف: «في الأسابيع الثلاثة اللاحقة، بعد إعلان البنك المركزي تعويم العملة في مارس/ آذار الماضي، انخفضت قيمة الجنيه السوداني بأكثر من 35 ٪ مقابل الدولار الأمريكي. وفي الوقت نفسه، حدثت زيادات هائلة في أسعار الخبز، والوقود، والكهرباء، والأدوية، والرعاية الصحية، والنقل العام وغيرها».

ولفت إلى أن السودان معرّض كذلك لخطر خسارة المليارات من الدعم الخارجي، حيث تمّ إيقاف مدفوعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمانحين الرئيسيين الآخرين مؤقتاً، وسيستمرّ إيقافها ما دام هناك غياب لوجود حكومة فاعلة.

وتابع: «لا يأتي أي استثمار أجنبي في الواقع وتضاءلت الصادرات، علاوةً على ذلك، يواجه السودان خطر تفويت مواعيد نهائية حيوية وضعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للدعم الاقتصادي والمالي الدولي، وتحقيق نحو 50 مليار دولار أمريكي في إطار تخفيف عبء الديون، كان السودان في طريقه لتلقيها بعد الوصول إلى نقطة قرار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبك) في يونيو/حزيران الماضي».

وشدد بيرتس على أن عدد السودانيين المحتاجين يتزايد، مرجحاً تضاعف الآثار المجتمعة للنزاع والأزمة الاقتصادية وضعف المحاصيل، وعدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد ليصل إلى ما يُقارب 18 مليون شخص بحلول نهاية هذا العام.

وأبدى المبعوث الأممي قلقه من تواصل القمع العنيف للتظاهرات قائلاً: «تتواصل المطالبات بإنهاء الحكم العسكري على شكل احتجاجات متكررة في الخرطوم وأماكن أخرى. وفي الوقت نفسه، ما زال المتظاهرون يُقتلون أو يعانون من إصابات خطيرة بفعل الذخيرة الحية. ومنذ أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، استهدفت الاعتقالات على نحو متزايد قادة الاحتجاج وأعضاء لجان المقاومة، فضلاً عن القادة السياسيين، بتهم جنائية. وقد مُنع كثيرون من الوصول إلى الأسرة أو المحامين طوال أسابيع».

وأضاف: «ممّا يثير القلق بشكل خاص أنّ النساء ما زلن مستهدفات وعرضةً للعنف والتخويف من جانب أفراد قوات الأمن. اعتباراً من 22 مارس/آذار، أفادت التقارير بأنّ 16 امرأة تعرضت للاغتصاب أثناء الاحتجاجات في الخرطوم وقد أدّت هذه الحالات، عن حق، إلى إدانة الجمهور، وحشدت مجموعات في جميع أنحاء المجتمع».

ويبدو أن الإحاطة التي قدمها بيرتس أمام مجلس الأمن أزعجت العسكريين، حسب أستاذة العلاقات الدولية في جامعة الخرطوم، تماضر الطيب، لذلك كانت ردة فعلهم حادة وتحمل في طياتها تهديدات بطرد يونيتامس من السودان.
وقالت لـ«القدس العربي»: «كانت لهجة بيرتس قوية وتحدث عن الانقلاب وحجم الانتهاكات بشكل واضح ومباشر، معتبرة الإحاطة بمثابة ضربة قاضية لقادة الانقلاب الباحثين عن الشرعية الدولية».

وأشارت إلى أن العسكر كانوا أول المرحبين عند إعلان العملية السياسية لـ»يونيتامس» ودعوا الاتحاد الإفريقي الذي يجمد عضوية السودان منذ الانقلاب، إلى المساعدة في الصدد لجهة سعيهم للدخول في حوار يفضي إلى تسوية، ولكن سرعان ما انقلب العسكريون على البعثة، وأصبحوا ينددون بالتدخلات الخارجية، بعدما لم تنجح مساعيهم للحوار. وترى «تماضر» أن أي خطوة حادة من السلطة العسكرية التي لا تحظى بالاعتراف الدولي، تجاه البعثة الأممية، ستكون مرفوضة دولياً.

وقال الخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة لـ«القدس العربي» إن تقرير رئيس بعثة يونيتامس كان شاملاً، وأدان الانقلاب العسكري، وبين الانتهاكات، مما دفع السلطات الغاضبة لمطالبته بالالتفات لمهام دعم الانتقال الديمقراطي والابتعاد عن القضايا السياسية، مشيراً إلى أن العسكريين قد يقومون بردة فعل بسبب الغضب، لن تخدم مصالحهم بالتأكيد.

وفي السياق، قال الصحافي والمحلل السياسي عبد الله رزق لـ«القدس العربي»: «تقرير بيرتس لم يختلف كثيراً في عمومه عن الطرح الذي قدمته قوى الحرية والتغيير في نفس اليوم، خلال مؤتمر صحافي، من رصد للتدهور الذي تعيشه البلاد في جميع المجالات». وصدرت نتيجة ذلك تلميحات من السلطات العسكرية، تشير إلى تحجيم دور البعثة الأممية أو حتى إنهاء وجودها، غير أن هذا الخيار يبدو صعباً، حسب رزق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.