جعفر عباس : حبايبي الحلوين فاتوا خلوني وأنا … أعيط
سودافاكس ـ مساء أمس الأحد عم الهدوء الشديد أرجاء بيتنا، وانتبهت الى ان كل شيء في البيت مرتب ونظيف، وكان هدوءا ثقيلا على النفس وأحسست ان النظافة والترتيب بهما زيف غير مريح نفسيا، فعلي مدى 32 يوما احتل الحفيدان طارق وزياد بيتنا بالكامل وزرعا فيه الفوضى والضجيج والمرح، ثم سافرا مع والديهما؛ وكنت وجدتهم (حبوبتهم) والتي هي – يا للمصادفة الطيبة- زوجتي الأولى* ننتظر استيقاظهما بشغف ليبدأ معهما برنامجنا اليومي بالاطمئنان عليهما، فقد أخضعناهما ل”التطهير” العرقي، وبعد ان عشنا في عزلة اجتماعية طوال عامين بسبب الخوف من الكورونا، كانت الفرصة لجمع الأهل والأحباب في حفل ختان سوداني كامل الطقوس، (لم تنقصه سوى إنصاف مدني وعلي كبك) وتم الختان علي يد استشاري جراحة وتحت التخدير الكامل، وبفضل الله مارسا معظم الشقاوة المعتادة بعد عملية الختان بساعات
(*زوجتي الأولى والأخيرة يا مروجي الفتن)
وتذكرت ختاني على يد عمنا محمد شرفا في بدين، وأتذكر كيف جلست أمامه وأصبت بانهيار عصبي عندما رأيت في يده “مطوة”، وصاح الخلق من حولي “طيارق قونج/ انظر الى الطيارة”، وسال الدم بأرض الوادي، والدم قصاد الدم ما بنقبل الهدية، كان أبي قد أحضر معه صبغة يود لتلك العملية، ولكن عمنا شرفا كان قد أتى بورق لوبيا شديد الخضرة وعصره حصل على سائل أخضر أشعل النيران في جسمي، ولكن الحضور قالوا انه أوقف النزيف فورا، وأذكر ان بعض أقاربي حاولوا رفع معنوياتي بهدايا، وكان من المألوف عندنا في بدين ان يتم اهداء المختون نخلة او سخلة أو بعض الكاش.
لم يفارقني ألم الظهر طوال وجود طارق وزياد بيننا ولكنني لم استسلم له بل واصلت معهم المصارعة ولعب كرة القدم في أي مساحة “فاضية” في البيت ثم ولالتقاط انفاسي كنت أقنع طارق بمشاهدة بعض أفلام الكرتون (زياد لم يكمل العامين ومن ثم فهو دايش)، وله أفلام مفضلة يعرف مواطنها في يوتيوب، ويتولى تنزيلها وعرضها، مما يؤكد انه ورث الذكاء عني، ففي طفولتي كان عندي آي باد “فيري باد” مصنوع من الطين كنت اشاهد فيه السنافر وشرشبيل الملعون ولكن في “خيالي”
انفتحت صنابير دموع أم الجعافر قبل يومين من سفر الشبلين، ولم أجد في نفسي الشجاعة للذهاب معهم الى المطار خوفا من ان “تنحلج” مواسير عيوني وانهار باكيا أمام آلاف المسافرين، لأني أعرف ان دموعي حاضرة في المواقف العاطفية القوية، وان فراق طارق وزياد.
ووالديهما سيترك ثغرة في قلبي يستغرق سدها عدة أيام، أظل خلالها أحس بأن الفريق اصبح خلا (“قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق” لأن الخلا فيه كبير الرباطة الدقلواني)
جمع الله شمل مئات الآلاف من الأُسر التي تبعثر أفرادها في كل وادٍ تحت سقف البيت الكبير …. الوطن