جعفر عباس : لماذا الاستخفاف بعلاقة الزواج؟

سودافاكس ـ عندما‭ ‬أطالع‭ ‬ما‭ ‬تنشره‭ ‬صحفنا‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والحين‭ ‬عن‭ ‬معدلات‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ينتابني‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬الزواج‭ ‬بصدد‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬موضة‭ ‬قديمة،‭ ‬وأننا‭ ‬سائرون‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬الغربيين‭ ‬الذين‭ ‬توقفوا‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬كلمتي‭ ‬زوجة‭ ‬وزوج‭ ‬وصاروا‭ ‬يتكلمون‭ ‬عن‭ ‬الشريك‭ ‬والشريكة،‭ ‬وهي‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬صفة‭ ‬تعاقدية،‭ ‬بل‭ ‬يقرر‭ ‬رجل‭ ‬وامرأة‭ ‬انهما‭ ‬متوافقان‭ ‬فيعيشان‭ ‬في‭ ‬تبات‭ ‬ونبات‭ ‬ويخلفان‭ ‬صبيان‭ ‬وبنات‭ ‬ثم‭ ‬تحدث‭ ‬الفركشة‭ ‬ويبحث‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬عن‭ ‬شريك‭ ‬جديد‭ ‬وهكذا‭ ‬دواليك‭.‬

نشأ‭ ‬أبناء‭ ‬وبنات‭ ‬جيلي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الزواج‭ ‬علاقة‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تستمر،‭ ‬ويكون‭ ‬طابعها‭ ‬الستر،‭ ‬فكان‭ ‬الزوج‭ ‬إذا‭ ‬رأى‭ ‬خطأ‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬شكاها‭ ‬إلى‭ ‬أهلها،‭ ‬والعكس،‭ ‬لإدراك‭ ‬الطرفين‭ ‬أن‭ ‬المسائل‭ ‬ستسوى‭ ‬بطريقة‭ ‬عائلية‭ ‬ودية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الطلاق‭ ‬منتشراً‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الوبائي‭ ‬الذي‭ ‬نعرفه‭ ‬على‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه،‭ ‬لأن‭ ‬الناس‭ ‬كانوا‭ ‬يخافون‭ ‬من‭ ‬العيب‭ ‬ولا‭ ‬يتشاجر‭ ‬الزوجان‭ ‬أو‭ ‬يختلفان‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬ذات‭ ‬بال،‭ ‬يتم‭ ‬حسمها‭ ‬بوساطة‭ ‬الأقارب‭ ‬وحكماء‭ ‬العائلتين‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬العصمة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬المحافظة‭ ‬بيد‭ ‬الرجل‭ ‬أو‭ ‬المرأة‭ ‬بل‭ ‬بأيدي‭ ‬كبار‭ ‬العائلة‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يقومون‭ ‬بدور‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬المحايدة،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬مداولاتهم‭ ‬خيارا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬الزوجين‭ ‬قد‭ ‬أتى‭ ‬تصرفا‭ ‬معيبا‭ ‬جدا،‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬لمعالجته‭ ‬بالعتاب‭ ‬او‭ ‬الزجر‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الضرب،‭ ‬وبالمناسبة‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬جيل‭ ‬الآباء‭ ‬أو‭ ‬الأجداد‭ ‬ينحاز‭ ‬للزوج‭ (‬الرجل‭) ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬خلاف‭ ‬عائلي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬الطرفان‭ ‬يجدان‭ ‬الفرصة‭ ‬لشرح‭ ‬أو‭ ‬تبرير‭ ‬المواقف،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬التسوية‭ ‬بالتراضي‭ ‬هي‭ ‬ضمان‭ ‬عدم‭ ‬حدوث‭ ‬ما‭ ‬يجدد‭ ‬الخلاف‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الزوجية‭.‬

لا‭ ‬أذكر‭ ‬قط‭ ‬أن‭ ‬أبي‭ ‬أساء‭ ‬إلى‭ ‬أمي‭ ‬أو‭ ‬العكس،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬صياحهما‭ ‬كان‭ ‬يرتفع‭ ‬أحياناً‭ ‬–غالباً‭ ‬حول‭ ‬مصروفات‭ ‬البيت–‭ ‬فالوالدة‭ ‬كانت‭ ‬تتولى‭ ‬إدارة‭ ‬ميزانية‭ ‬الأكل‭ ‬والشرب،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬الوالد‭ ‬أن‭ ‬يعطيها‭ ‬يومياً‭ ‬النفقات‭ ‬اللازمة‭ ‬لذلك،‭ ‬فتطالبه‭ ‬–مثلاً‭- ‬بمبلغ‭ ‬إضافي‭ ‬‮«‬لأن‭ ‬الزيت‭ ‬خلصان‮»‬‭ ‬فيصيح‭: ‬يا‭ ‬ولية‭ ‬انتي‭ ‬بتشربي‭ ‬الزيت‭.. ‬من‭ ‬يومين‭ ‬اشتريتي‭ ‬زيت‭ ‬بخمسة‭ ‬قروش‭.. ‬فتتهمه‭ ‬بأنه‭ ‬صار‭ ‬‮«‬مخرفاً‮»‬‭ ‬ويدور‭ ‬بينهما‭ ‬سجال‭ ‬طريف‭ ‬ينتهي‭ ‬عادة‭ ‬بضحكة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أبي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يلتفت‭ ‬الينا‭ ‬نحن‭ ‬عياله‭ ‬ويقول‭ ‬كلاماً‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭: ‬أمكم‭ ‬مخها‭ ‬مش‭ ‬مزبوط‭.. ‬فنسأله‭: ‬وهل‭ ‬اختل‭ ‬مخها‭ ‬بعد‭ ‬الزواج‭ ‬أم‭ ‬كان‭ ‬مختلاً‭ ‬قبله؟‭ ‬فيصيح‭ ‬فينا‭ ‬وهو‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يكتم‭ ‬ابتسامة‭ ‬تكاد‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬ضحكة‭: ‬اسكتوا‭ ‬طالعين‭ ‬على‭ ‬أمكم‭.‬

وكتبت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬خلعت‭ ‬زوجها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضربها‭ ‬لأنها‭ ‬رفضت‭ ‬أن‭ ‬ترقص‭ ‬أمام‭ ‬بقية‭ ‬أفراد‭ ‬عائلته،‭ ‬وعن‭ ‬الزيجة‭ ‬التي‭ ‬انهارت‭ ‬لأن‭ ‬أم‭ ‬العروس‭ ‬طالبت‭ ‬بدش‭ ‬يلتقط‭ ‬عدة‭ ‬منظومات‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭.. ‬وأمامي‭ ‬الآن‭ ‬صحيفة‭ ‬عربية‭ ‬بها‭ ‬حكاية‭ ‬امرأة‭ ‬تطلب‭ ‬الطلاق‭ ‬من‭ ‬زوجها‭.. ‬لماذا؟‭ ‬لأنه‭ ‬مستهبل‭ ‬وبلطجي‭ ‬واستولى‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬ثروتها‭ ‬ويريد‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬البقية‭ ‬الباقية‭ ‬منها‭. ‬وأصل‭ ‬الحكاية‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬عملت‭ ‬عدة‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬جمعت‭ ‬خلالها‭ ‬ثروة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها،‭ ‬لكنها‭ ‬أحست‭ ‬بأن‭ ‬قطار‭ ‬الزواج‭ ‬فاتها،‭ ‬وسمعت‭ ‬بأمر‭ ‬رجل‭ ‬‮«‬سره‭ ‬باتع‮»‬‭ ‬ويستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفك‭ ‬عنوستها‭ ‬ببعض‭ ‬الأحجبة‭ ‬والتعاويذ،‭ ‬فلجأت‭ ‬إليه‭ ‬واتضح‭ ‬فعلاً‭ ‬أنه‭ ‬متمرس‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬فك‭ ‬العنوسة‭ ‬فقد‭ ‬عرض‭ ‬عليها‭ ‬الزواج‭ ‬وتزوجها‭ ‬بالفعل،‭ ‬ويوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬صار‭ ‬يطالبها‭ ‬بنفقات‭ ‬البيت‭ ‬ومصروفاته‭ ‬الخاصة‭ ‬وإذا‭ ‬احتجت‭ ‬قال‭ ‬لها‭: ‬اعملي‭ ‬حسابك‭ ‬ده‭ ‬أنا‭ ‬بصرف‭ ‬على‭ ‬جيش‭ ‬من‭ ‬الجن‭ ‬ولو‭ ‬زعلوا‭ ‬منك‭ ‬يا‭ ‬ويلك‭ ‬وظلام‭ ‬ليلك‭.. ‬لا‭ ‬تحسبي‭ ‬إني‭ ‬طمعان‭ ‬في‭ ‬فلوسك‭! ‬لا‭.. ‬أنا‭ ‬باخد‭ ‬منك‭ ‬الفلوس‭ ‬كي‭ ‬أعطيها‭ ‬للجن‭ ‬عشان‭ ‬تبعد‭ ‬عنك‭! ‬وهكذا‭ ‬استمرت‭ ‬المسكينة‭ ‬تصرف‭ ‬على‭ ‬الجن‭ ‬يومياً‭ ‬وشهراً‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬حتى‭ ‬كادت‭ ‬نقودها‭ ‬تنفد،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬استجمعت‭ ‬شجاعتها‭ ‬وقررت‭ ‬إدخال‭ ‬الجن‭ ‬الذين‭ ‬‮«‬يكلفهم‮»‬‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬الشرطة‭ ‬والقضاء‭. ‬وفي‭ ‬المحكمة‭ ‬سردت‭ ‬وقائع‭ ‬زواجها‭ ‬بالرجل‭ ‬الذي‭ ‬يتبنى‭ ‬جيشاً‭ ‬من‭ ‬الجن،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬الثروة‭ ‬التي‭ ‬جمعتها‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الغربة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬طارت‭ ‬في‭ ‬الهواء‭. ‬وحكم‭ ‬لها‭ ‬القضاء‭ ‬بالطلاق،‭ ‬وبعدها‭ ‬فقط‭ ‬اكتشفت‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬أن‭ ‬الجن‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬ينفق‭ ‬عليهم‭ ‬زوجها‭ ‬النصاب‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الكحيان‭ ‬عديم‭ ‬الحيلة‭. ‬جن‭ ‬أي‭ ‬كلام‭! ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬كذلك‭ ‬لما‭ ‬كسبت‭ ‬قضية‭ ‬الطلاق‭.‬


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.