جعفر عباس : كيف تهون العُشْرة عليكم؟

سودافاكس ـ كتبت‭ ‬الأسبوع‭ ‬قبل‭ ‬الماضي‭ ‬مقالين‭ ‬رويت‭ ‬فيهما‭ ‬حكايات‭ ‬معاصرة‭ ‬جدا‭ ‬تشي‭ ‬بأن‭ ‬الزواج‭ ‬صار‭ ‬‮«‬ملعبة‮»‬‭ ‬عند‭ ‬الكثيرين،‭ ‬وخاصة‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يختارون‭ ‬شريك‭ ‬الزوجية‭ ‬بمعايير‭ ‬الشكل‭ ‬والهندام،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬يملون‭ ‬الشريك‭ ‬ويدخلون‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬قانونية‭ ‬ولسانية‭ ‬وربما‭ ‬جسمانية،‭ ‬واليكم‭ ‬اليوم‭ ‬حكاية‭ ‬نيرمين‭ ‬التي‭ ‬دام‭ ‬زواجها‭ ‬من‭ ‬عامر‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬ثم‭ ‬نيرمين‭ ‬طلبت‭ ‬الطلاق،‭ ‬ولما‭ ‬رفضت‭ ‬المحاكم‭ ‬العادية‭ ‬والكبرى‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬طلبها‭ ‬ذاك‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قرارها‭ ‬النهائي‭ ‬‮«‬طلاق‭ ‬مفيش‭/ ‬ماكو‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬الزوجة‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬لديها‭ ‬حجة‭ ‬قوية‭ ‬تضمن‭ ‬لها‭ ‬الطلاق‭ ‬من‭ ‬زوجها،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬زوجها‭ ‬قصير‭ ‬القامة‭! ‬وبداهة‭ ‬فإن‭ ‬معظمنا‭ ‬سيقول‭ ‬إن‭ ‬تلك‭ ‬حجة‭ ‬تافهة‭ ‬وسخيفة‭ ‬وسمجة‭ ‬وفجة‭ ‬وركيكة‭ ‬وبلهاء،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬داعي‭ ‬للعجلة‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬الأحكام،‭ ‬فلربما‭ ‬كان‭ ‬الزوج‭ ‬عامر‭ ‬طويلاً‭ ‬عندما‭ ‬تزوجته،‭ ‬قبل‭ ‬عشرين‭ ‬سنة،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬كَشّ‮»‬‭ ‬أي‭ ‬انكمش‭ ‬وفقد‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬طوله‭.‬

كل‭ ‬شيء‭ ‬جائز‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭! ‬ولكن‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬أن‭ ‬زواجه‭ ‬من‭ ‬نيرمين‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬يفقد‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬طوله؟‭ ‬ربما‭ ‬فعلت‭ ‬هي‭ ‬شيئا‭ ‬‮«‬قصَّر‭ ‬رقبته‮»‬،‭ ‬حدث‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬مررت‭ ‬بوضع‭ ‬مشابه،‭ ‬فعندما‭ ‬أجرت‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭ ‬عمليات‭ ‬جراحية‭ ‬لاستئصال‭ ‬اللوزتين‭ ‬ثم‭ ‬الزائدة‭ ‬الدودية،‭ ‬ثم‭ ‬المرارة‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬قراني‭ ‬عليها،‭ ‬وطالبت‭ ‬أهل‭ ‬زوجتي‭ ‬بتكاليف‭ ‬تلك‭ ‬العمليات،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الخلل‭ ‬الذي‭ ‬استوجبها‭ ‬كان‭ ‬موجوداً‭ ‬وكامناً‭ ‬فيها‭ ‬منذ‭ ‬قبل‭ ‬زواجي‭ ‬بها،‭ ‬وأنهم‭ ‬اعطوني‭ ‬زوجة‭ ‬‮«‬من‭ ‬بره‭ ‬هلا‭ ‬هلا‭ ‬ومن‭ ‬جوه‭ ‬يعلم‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬ولكنهم‭ ‬هددوني‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭ ‬لإثبات‭ ‬أنني‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬‮«‬انفقاع‮»‬‭ ‬مرارتها،‭ ‬وأن‭ ‬زائدتها‭ ‬الدودية‭ ‬كادت‭ ‬تنفجر‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬عمايلي‭ ‬السودة‮»‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬تراجعت‭ ‬وقمت‭ ‬بتطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬معها‭ ‬بتشجيعها‭ ‬على‭ ‬استئصال‭ ‬أضراس‭ ‬العقل‭ ‬على‭ ‬نفقتي‭.. ‬المهم‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تخلعني‭ ‬أنا‭ ‬شخصيا‭.‬

وربما‭ ‬كانت‭ ‬نيرمين‭ ‬في‭ ‬شبابها‭ ‬الباكر‭ ‬قطة‭ ‬مغمضة‭ ‬ولم‭ ‬تنتبه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عامر‭ ‬كان‭ ‬قصيراً‭ ‬منذ‭ ‬يوم‭ ‬زواجها‭ ‬به،‭ ‬ولكنها‭ ‬صارت‭ ‬‮«‬مفتحة‮»‬‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬فخم‭ ‬يأتيه‭ ‬أناس‭ ‬ذوو‭ ‬قامات‭ ‬ممشوقة‭ ‬وفارعة‭ ‬وبارعة،‭ ‬فقارنت‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬عامر‭ ‬واستنتجت‭ ‬أن‭ ‬عامر‭ ‬قصير،‭ ‬ويسبب‭ ‬لها‭ ‬الخروج‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬العامة‭ ‬والتجوال‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحرج،‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬للمحكمة‭ ‬‮«‬يا‭ ‬شماتة‭ ‬أبله‭ ‬ظاظا‭ ‬فيَّ‭ ‬لم‭ ‬تشوفني‭ ‬وماشي‭ ‬جنبي‭ ‬راجل‭ ‬نُص‭ ‬كُم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الطول‮»‬‭. ‬المهم‭ ‬حصل‭ ‬خير،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬المحاكم‭ ‬تلقم‭ ‬نيرمين‭ ‬حجرا،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬صارت‭ ‬أقل‭ ‬طولاً‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جعلها‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف‭ ‬‮«‬زي‭ ‬السمسمة‮»‬،‭ ‬فكل‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والأقارب‭ ‬باتوا‭ ‬يعرفون‭ ‬أنها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الطلاق‭ ‬من‭ ‬عامر‭ ‬‮«‬لأنه‭ ‬قصير‭ ‬القامة‮»‬،‭ ‬ولعلها‭ ‬تلطم‭ ‬وجهها‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬وتصيح‭ ‬‮«‬أودي‭ ‬وشي‭ ‬فين‭ ‬من‭ ‬الناس؟‮»‬،‭ ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬مكان‭ ‬الزوج‭ ‬عامر‭ ‬لحرصت‭ ‬على‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الفندق‭ ‬الذي‭ ‬تعمل‭ ‬فيه‭ ‬يومياً‭ ‬عند‭ ‬نهاية‭ ‬ساعات‭ ‬عملها،‭ ‬لأصيح‭ ‬فيها‭ ‬بأعلى‭ ‬صوتي‭: ‬يا‭ ‬نيرمين‭ ‬يا‭ ‬حبيبتي‭.. ‬يا‭ ‬زوجتي‭.. ‬يللا‭ ‬نروح‭ ‬المول‭ ‬نتصور‭ ‬سيلفي‭ ‬أنا‭ ‬وانت‭ ‬كي‭ ‬أنزل‭ ‬صورتنا‭ ‬في‭ ‬صفحتي‭ ‬في‭ ‬فيسبوك،‭ ‬كيف‭ ‬تموت‭ ‬صديقاتك‭ ‬وزميلاتك‭ ‬من‭ ‬الغيرة‭ ‬لأنك‭ ‬فزت‭ ‬بزوج‭ ‬لقطة‭.‬

في‭ ‬الحكاية‭ ‬الثانية‭ ‬‮«‬المفتري‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الزوج،‭ ‬وهو‭ ‬دكتور‭ ‬في‭ ‬أمراض‭ ‬النساء‭ ‬والولادة‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬مسلم‭ ‬وعربي،‭ ‬صار‭ ‬يكره‭ ‬زوجته‭ ‬الأستاذة‭ ‬الجامعية‭ ‬كراهية‭ ‬شديدة‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬منها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أولاد،‭ ‬ولكن‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الأولاد‭ ‬يحملون‭ ‬تقاطيع‭ ‬أمهم،‭ ‬فقد‭ ‬شملتهم‭ ‬كراهية‭ ‬البيه‭ ‬الدكتور،‭ ‬فصار‭ ‬ينهال‭ ‬عليهم‭ ‬ضرباً‭ ‬وشتماً.

‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الزوجة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬طلبت‭ ‬اللجوء‭ ‬لدى‭ ‬أبويها،‭ ‬ولكن‭ ‬الدكتور‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬حكم‭ ‬بعودتها‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الدجاج،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬حكمت‭ ‬عليها‭ ‬بلزوم‭ ‬بيت‭ ‬الطاعة،‭ ‬ولكن‭ ‬الزوج‭ ‬استأجر‭ ‬بيتاً‭ ‬للدجاج‭ ‬خارج‭ ‬المدينة‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تضم‭ ‬المساكن‭ ‬العشوائية،‭ ‬وحشر‭ ‬فيه‭ ‬الزوجة‭ ‬وعياله‭ ‬الثلاثة،‭ ‬وبداهة‭ ‬فإن‭ ‬المحكمة‭ ‬التي‭ ‬لجأت‭ ‬إليها‭ ‬الزوجة‭ ‬مجددا‭ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬منحها‭ ‬الطلاق‭ ‬وإلزام‭ ‬الدكتور‭ ‬بنفقة‭ ‬عادلة‭ ‬تُمكّن‭ ‬الزوجة‭ ‬وعيالها‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬مخصص‭ ‬للبشر‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.