ما الجديد الذي يحمله المبعوث الأمريكي لحل أزمة “سد النهضة”… وسر استبعاد السودان؟
سودافاكس _ تأتي زيارة مايك هامر المبعوث الخاص للقرن الأفريقي إلى مصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا، في توقيت أغلقت فيه كل أبواب التوصل إلى حلول فيما يتعلق بأزمة سد النهضة الإثيوبي.
فما الذي يمكن أن يقدمه هامر لحل أزمة السد ولماذا تم استثناء السودان والذهاب للإمارات؟
بداية يقول الخبير السوداني الدولي في مفاوضات نهر النيل، أحمد المفتي، في اعتقادي أن جولة المبعوث الأمريكي هي منافسة على النفوذ مع روسيا، في ضوء تأثر مناطق الزيارة بنقص الحبوب الناتج عن العملية العسكرية الروسية الخاصة لحماية دونباس.
غياب السودان
وأضاف في حديثه وفق “سبوتنيك”، وبما أن المبعوث الأمريكي هو للقرن الأفريقي فقط، في حين أن جولة وزير الخارجية الروسي تمتد خارج القرن إلى أوغندا والكونغو، فإن تركيز المبعوث سوف يكون على المشاكل في القرن وعلى رأسها سد النهضة، والنزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا، وهذا ما أدخل الإمارات ضمن زيارته وهي خارج القرن، أما عدم شمل السودان في زيارة المبعوث، فإننا نرى أن غياب السودان عن زيارة المبعوث الأمريكي التي بدأت بالأمس، والتي تشمل مصر وإثيوبيا والإمارات، ليس سهوا، بل لأسباب موضوعية، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن زيارة مبعوثها الخاص بالقرن الأفريقي، لدول مصر وإثيوبيا والإمارات، بدأت أمس الأحد 24 يوليو/تموز الجاري، وتختتم في الثلاثين منه، ولا شك أن غياب السودان عن جدول الزيارة، يثير تساؤل كبير، خاصة وأنه بالإضافة إلى أهمية سد النهضة للسودان كدولة مشاطئة، مثله في ذلك مثل مصر وإثيوبيا، اللتان تشملهما زيارة المبعوث، علاوة على أن هناك نزاعات حدودية بين السودان وإثيوبيا، تتطلب اهتماما من المبعوث.
وتابع المفتي، نرى أن موقف السودان من سد النهضة، اصبح واضحا ولا يزعج إثيوبيا، وهو مطالبة غير ملحة لإثيوبيا بالعودة إلى طاولة المفاوضات من دون أي شروط، وكذلك احتجاج صوري على خطوات إثيوبيا الآحادية، ولذلك فإن الامر لا يتطلب تدخلا من المبعوث، ولكن الأمر الذي يتطلب تدخلا من المبعوث هو مطالب مصر من إثيوبيا، فيما يتعلق بسد النهضة، ولذلك كانت الزيارة لهما.
لماذا الإمارات؟
وأشار المفتي إلى أن علاقة دولة الامارات التي تشملها زيارة المبعوث الأمريكي بملفي سد النهضة وإقليم الفشقة، فإنها تخضع لتكتم شديد، ولم يصدر عن مضمونها أي بيان رسمي سوى الإعلان عن عقد اجتماعات من حين الى آخر، بين السودان وإثيوبيا والإمارات.
وتوقع الخبير الدولي أنه قد يكون حدث توافق بين السودان والإمارات يقوم على اعتراف إثيوبيا بسودانية إقليم الفشقة، في مقابل إيجار السودان لجزء من أراضي الفشقة لإثيوبيا لمدة طويلة بتمويل من دولة الإمارات، ولكن إثيوبيا ما زالت تتحفظ على العرض، لذلك كانت زيارة المبعوث لإثيوبيا والإمارات لمتابعة ذلك الموضوع.
واختتم بقوله، العلاقة المباشرة بين السودان وإثيوبيا حول أرض الفشقة تم التوافق حولها في لقاء رئيسي البلدين أثناء اجتماعات الإيقاد الأخيرة، ولذلك هي لا تحتاج إلى تدخل من المبعوث الأمريكي، وبالتالي لا ضرورة لزيارة السودان.
تراجع أمريكي
وتعليقا على الأزمة يقول خبير الموارد المائية، مستشار وزير الري المصري الأسبق، نائب رئيس المركز القومي لبحوث المياه، الدكتور ضياء الدين القوصي، إن الولايات المتحدة الأمريكية حاولت إيجاد حل لأزمة سد النهضة وجمعت الأطراف الثلاثة في واشنطن وتم إعداد مسودة إتفاق، إلا أن إثيوبيا تنصلت منها بطريقة غير دبلوماسية وتهربت من التوقيع، وهذا يعني أنه كان هناك دور للجمهوريين، واليوم في ظل حكم الديمقراطيين وبعد التصريحات السابقة للرئيس الأمريكي بايدن بأن الشرق الأوسط لا يعني الكثير بالنسبة لهم، يبدو أن بايدن أدرك مؤخرا أن الشرق الأوسط له أهمية ما.
أوضاع المنطقة
وأضاف في حديثه حسب “سبوتنيك” أن التحركات الأمريكية وهناك تحركات روسية يقوم بها وزير الخارجية، تؤكد أن الجميع على علم أن مصر لا تحتاج فقط إلى كل نقطة مياه من حصتها في النيل، بل إن خصم متر مكعب واحد يعد مسألة وجودية بالنسبة لها، وأنها لن تتوانى في اتخاذ ما تراه من تحركات ناعمة أو خشنة فيما يتعلق بهذا الأمر في سبيل المحافظة على وجودها.
وتابع القوصي، إن التحركات الأمريكية الروسية في القرن الأفريقي، تأتي في الوقت الذي تمر فيه إثيوبيا بضائقة داخلية شديدة تشمل كل مناحي الحياة، وهذا يقودنا إلى أن هناك بعض التدخلات قد تكون من أجل الحرص على مصالح المصريين وأخرى قد تكون لإنقاذ إثيوبيا من التفكك والإنهيار، مشيرا إلى أن الملء الثالث لسد النهضة والذي يتحدث عنه الجميع الآن سيكون مصيره الفشل كما حدث في المرتين السابقتين، فإثيوبيا لم تستطع حتى الآن استكمال الصبة الخرسانية في الممر الأوسط للسد والذي يمكن أن يصل به لو اكتمل إلى سعة تخزينية قد تصل إلى 10 مليار متر مكعب.
منافسة دولية
بدورها تقول الكاتبة السياسية المصرية المتخصصة في الشأن السوداني، أسماء الحسيني، إن التحرك الأمريكي في هذا التوقيت، يأتي في إطار حرص واشنطن على التواجد في المنطقة العربية أو الأفريقية، التي تمثل أهمية كبيرة للمصالح الأمريكية، حيث أعلن الرئيس الأمريكي خلال زيارته الأخيرة للمنطقة بأنه حريص على التواجد وملء الفراغ وعدم ترك المنطقة لروسيا والصين.
وأضافت في حديثها :
واشنطن تدرك جيدا أنه لكن يكون هناك هدوء واستقرار في المنطقة ما لم يتم حل الملفات والمشاكل العالقة.
وتابعت، فلا يمكن الحديث فقط عن تهدئة في الداخل الإثيوبي دون أن تكون هناك تهدئة بين الخرطوم وأديس أبابا وأيضا دون أن يكون هناك حل لقضية سد النهضة الإثيوبي، رغم أن أمريكا حاولت حلحلة الملف في فترة رئاسة الرئيس السابق ترامب وفشلت في جمع الأطراف وانسحبت إثيوبيا في اللحظات الأخيرة قبل التوقيع، ورغم انسداد الأفق في تلك المرحلة والحديث عن الملء الثالث، إلا أن كل الأطراف لا تزال بحاجة إلى التنسيق في المرحلة القادمة.
أعلنت واشنطن، السبت الماضي، أن مبعوثها الخاص للقرن الأفريقي يبدأ اعتبارا من الأحد 24 يوليو وحتى الأول من أغسطس/ آب المقبل جولة يزور خلالها مصر وإثيوبيا والإمارات لبحث حل أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وقالت الخارجية الأمريكية، في بيان: “سيسافر مايك هامر المبعوث الخاص للقرن الأفريقي إلى مصر والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا في الفترة من 24 يوليو إلى 1 أغسطس/آب”.
وأضافت أن هامر “سيقدم دعم الولايات المتحدة للتوصل إلى حل دبلوماسي للقضايا المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي بما يحقق مصالح جميع الأطراف ويساهم في منطقة أكثر سلما وازدهارا”، مشيرة إلى أنه “سيتشاور أيضًا في أديس أبابا مع الاتحاد الأفريقي، الذي تجري تحت رعايته محادثات سد النهضة”.
وتابع البيان: “بالإضافة إلى ذلك، أثناء وجوده في إثيوبيا، ستتاح للمبعوث الخاص فرصة لمراجعة التقدم المحرز في تقديم المساعدة الإنسانية، والمساءلة عن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، فضلا عن الجهود المبذولة لدفع محادثات السلام بين الحكومة الإثيوبية وسلطات تيغراي”. وأكد:
لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز الجهود الدبلوماسية لدعم عملية سياسية شاملة نحو السلام الدائم والأمن والازدهار لجميع الناس في إثيوبيا.
يذكر أنه قبل نحو أسبوع، خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأكدا ضرورة إبرام اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة دون مزيد من التأخير، كما أكد بايدن دعم الولايات المتحدة للأمن المائي لمصر.
وبدأت إثيوبيا في تشييد سد النهضة على النيل الأزرق في عام 2011، بهدف توليد الكهرباء، وتخشى مصر أن يلحق السد ضررا بحصتها من المياه والتي تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.
ورغم توقيع اتفاق مبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015، يحدد الحوار والتفاوض كآليات لحل كل المشكلات المتعلقة بالسد بين الدول الثلاث، فشلت جولات المفاوضات المتتالية في التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث على آلية تخزين المياه خلف السد وآلية تشغيله.
وأنجزت إثيوبيا مرحلتين من عملية ملء السد في عامي 2020 و2021، ومن المتوقع أن تقدم على الملء الثالث للسد خلال موسم الفيضان المقبل خلال أسابيع.
وأدى عدم التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث، إلى زيادة التوتر السياسي بينهم، وتصعيد الملف إلى مجلس الأمن، الذي عقد جلستين حول الموضوع، دون اتخاذ قرار بشأنه.