بعد جدل عربة (أواب) .. ما حقيقة الإعفاءات الواردة في اتفاق جوبا

سودافاكس _ أحدثت وثائق مسربة إحداها من مكتب مدير وزير المالية، موجهة إلى مدير عام هيئة الموانئ البحرية تحملان توجيهاً رسمياً بإعفاء عربة “أواب خليل إبراهيم” من رسوم تخصُّ الموانئ البحرية ردود أفعال واسعة وصل صداها أروقة حركة العدل والمساواة السودانية، فسارعت أسرة “خليل إبراهيم ” للنأي بنفسها ونفي أي صلة لها بتلك الإجراءات.

كذلك حمل بيان أسرة قائد الحركة الراحل،التفسيرات الأولى التي صدرت من الحركة ونحت إلى تبرير الواقعة، التي وصفتها الأسرة بأنها ” تجاوز بحكم المعلوم” ومضت تقول: “في استفسارنا مؤسسة الحركة عن ماهيّة ما حدث،أفادت أن هذا الإجراء تم بناء على نص في اتفاق سلام جوبا يسمح لمنسوبي الجبهة الثورية بتسهيل توفيق أوضاعهم وذاك مما درج وهذا الإجراء من ضمنه وليس في الأمر فساد أو تجاوز”.

الضجة التي إثارتها الواقعة داخل حركة العدل والمساواة دفعت قادتها لإطلاق جملة من التصريحات جاء بعضها بمثابة من يصب الزيت على النار، بنحو ما صرّح به القيادي بالحركة “إبراهيم الماظ دينق” لصحيفة الجريدة وهو يلّخص القضيّة كلها في محاولة الكيد لوزير المالية جبريل إبراهيم قبل أن يتساءل: “هل إذا تمَّ إعفاء سيارة واحدة لأواب يعني أنّ تقوم القيامة؟” قريباً من ذلك جاء تصريح وزير المالية الذي وصل صداه إلى منابر وخطب صلاة الجمعة، إذ تناول التصريح عدد من الأئمّة والخطباء أبرزهم الشيخان”آدم إبراهيم الشين” و”مهران ماهر” الذي قال: “قرأنا في جريدة الانتباهة، وإلى صباح هذا اليوم لم يصدر نفي لهذا الخبر، إنّ وزير المالية قال: “استثنيت عربة ابن أخي من الجمارك ولا أجد في ذلك استغلالاً للنفوذ ولا أيّ شكل من أشكال الفساد” واستطرد الشيخ مهران: “وأقول إبراءً للذمة هذا هو الفساد عينه…”

القيادي في حركة العدل والمساواة “أحمد تقد لسان” وفي معرض التبرير للحادثة حاول بناء سردية جديدة، تقوم على اعتبار العائدين من مقاتلي الحركات الموقعة على اتفاق جوبا في حكم “المغترب” المقيم خارج البلاد لسنوات.

ويقول تقد في حديث تلفزيوني لقناة (S24) “الذي حدث هو أن جزء من مكونات السلام تقدّم بطلب لوزارة المالية لإعفاء إدخال بعض المقتنيات بما فيها آليات وعربات وممتلكات وأمتعة شخصية، هؤلاء النفر عائدون للسودان بعد غيبة طويلة، طبيعي جداً أيما شخص أمضى فترة طويلة خارج السودان ولديه بعض الممتلكات من حقه أن يدخلها، من هنا تقدمت أطراف السلام لوزير المالية بقائمة وطلبت منه إعفاء الحركات من إدخال بعض الآليات، عندما أطلع وزير المالية عل القائمة قرر ألا يسمح إلا بإدخال عربة واحدة لكل تنظيم من التنظيمات الموقعة على اتفاق السلام”. وفق سودان تربيون

تجدر الإشارة هنا إلى أن تسريب وثائق الإعفاء الخاص بعربة نجل الدكتور خليل إبراهيم، ترافق معه تسريب وثيقة أخرى تضم قائمة بإعفاء آلاف السيارات، تمت قسمتها وفق نسب معينة بين الحركات من أطراف اتفاق جوبا، ربما كانت هذه القائمة المسربة هي ذات التي أشار “أحمد تقد” إلى أنها رفضت بواسطة وزارة المالية، فيما سمحت بإعفاء سيارة واحدة.

وقال تقد “قررت حركة العدل والمساواة منح العربة المخصصة لها لأسرة د. “خليل إبراهيم” دون استشارتها، ورفضت الأسرة استلام السيارة عندما علمت بهذا الاستثناء ، بدعوى أن ليس هناك ما يدعو للتخصيص”

ويعتبر القيادي الجدل المثار حول الواقعة شكل من أشكال الاستهداف الممنهج لشخص رئيس الحركة ، وأن المغرضين اتخذوا من الخطاب المسرب مدخلاً للنيل من جبريل الذي يشغل كذلك حقيبة المالية، قبل أن يعزي الدوافع والمبررات وراء الهجوم على لمواقف سياسية.

الموقف السياسي الرامي لاستهداف رئيس الحركة،يطرق عليه كذلك القيادي في العدل والمساواة محمد زكريا فرج الله قائلا لسودان تربيون إنّه يتجسد في الحملة المنسقة، التي بجانب نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي، شارك فيها 60 إماماً وخطيب جمعة تناولوا جميعهم قضية هذه السيارة.

وأضاف “هذا هو نهج المؤتمر الوطني البائد ودأبه في تسخير المنابر الدينية لخدمة الأجندات السياسية لذلك أستطيع القول إنّ هذا أمر منظم من جانب أطراف كارهة للسلام”.

وردا على الاضطراب الذي صاحب الخطاب الإعلامي لحركة العدل والمساواة حول هذه القضية وبدت فيه الحركة غير قادرة على تقديم رواية متماسكة يقول محمد زكريا: “لم توّلد حركة العدل والمساواة موقفاً فكرياً للتعاطي مع هذه القضية، لكنها استندت للوائح والقوانين التي أتاحت هذا التصديق، الذي تمّ بناء على استحقاق للحركة تمخّض عن توقيع اتفاق السلام”.

ويردف “هنا أشير إلى أنّ نصاً في اتفاق السلام أقرّ وأعطى مقاتلي حركة العدل والمساواة حق إحضار الأثاثات والممتلكات والمقتنيات من الخارج، هذا أمر نصَّ عليه الاتفاق، لم يكن بدعاً وإنما هو أدب متوارث في إطار جبر الضرر، حدث هذا في اتفاق السلام الشامل (نيفاشا) وحدث في اتفاق سلام أبوجا، ومن هنا كان خطاب العدل والمساواة متسق وخاضع للوسائل واللوائح القانونية الضابطة لهذا الإجراء”.

وأضاف زكريا: “أؤكد هنا أنّ الإعفاء كان خاصاً برسوم أرضية وليس إعفاءً جمركياً، فإن كانت به شبهة فساد كان يمكن ألا تتم المخاطبات الخاصة به داخل الدورة المكتبية لوزارة المالية”.

ماذا تقول اتفاقية جوبا

في السعي نحو مقاربة نصوص اتفاق جوبا، لم تقف “سودان تربيون” على نص صريح يكفل لمقاتلي الحركات من أطراف العملية السلمية الحصول على إعفاءات أو امتيازات من أجل توفيق أوضاعهم.

كان النص الأقرب الذي طالعته “سودان تربيون” ضمن نصوص الاتفاق هو الفقرة (30.10 متطلبات وعمليات إعادة الدمج) حيث جاء فيها: “يعاد إدماج جميع المقاتلين السابقين في حركات الكفاح المسلح الموقعة الراغبين في العودة إلى الحياة المدنية أو الذين لا يستوفون معايير الدخول إلى المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، اجتماعياً واقتصادياً في المجتمع المدني، على النحو المنصوص عليه… تحمل حكومة السودان بالتعاون مع المجتمع الدولي المسؤولية الرئيسية عن إعادة إدماج هؤلاء المقاتلين السابقين في الحياة المدنية وتمول حكومة السودان جميع جهود إعادة دمج المقاتلين السابقين”.

وبحسب عضو وفد التفاوض بالحركة الشعبية شمال والمقرر خلال جلسات التفاوض في جوبا د. محمد صالح يس فإن “ثمة خلط جرى بين مصطلحين هما (تعويضات) و(إعفاءات) ذلك أن التعويضات التي ورد بها نص لم تذكر صراحة أي إعفاءات جمركية أو من ضرائب لشخص معين، بينما تم النص على إعفاء الممتلكات والأمتعة الشخصية للاجئين بغرض تشجيعهم على العودة الطوعية”.

وهنا يشير د. يس إلى نوع من الانتقائية قادت إلى اختلالات كبيرة في تنفيذ اتفاقية جوبا حيث تجنح بعض المجموعات إلى انتزاع نصوص تناسبها فتسعى لتطبيقها وفق تفسيرات تناسبها خارج الأطر من مفوضيات وصناديق كان ينبغي أن تؤسس وتؤول إليها عمليات تنفيذ وإنزال تلك البنود من الاتفاق.

لكن الإعفاءات التي تم النص عليها في اتفاق المبادئ وكان يجب أن تتم وهي على قدر كبير من الأهمية هي إعفاء الطلاب من دارفور والمناطق المتأثرة بالحرب بالجامعات والمعاهد العليا من الرسوم الجامعية، لكن تعثر تنفيذ هذا الأمر عندما اتضح أنّ الجامعات الحكومية تبني ميزانياتها بالأساس على رسوم الطلاب”.

ويفصّل د. صالح يس حول هذه النقطة قائلا: ” كنت جزء من اللجنة التي عملت على هذا الملف قبل أن تخبرنا وزارة التعليم العالي باستحالة ذلك لأن مرتبات الأساتذة وتسيير الجامعات يعتمد على هذه الرسوم، وبدا أننا في حاجة لتوفير تمويل بطريق ما من أجل الحصول على ذلك هذه هي النصوص الصريحة التي نصّت على الإعفاءات ضمن اتفاق جوبا”.

أما الأخرى التي تحدثت عن التعويضات في مسار دارفور، هناك صندوق التعويضات وجبر الضرر، لكن لم يذكر ذلك بعبارة صريحة أي نوع من الإعفاءات، وهنا يمكن الرجوع للمادة (82.10) ضمن نصوص الاتفاق جوبا التي خاطبت قضايا اللاجئين والإعفاءات المتعلقة بعودتهم ولا سيما بالمنطقتين”.

لا يستبعد د. صالح يس، في تحليله الخاص لجوانب من هذه القضية، أن يسعى أعداء السلام في محاولة تشويه الاتفاق وإثارة الغبار حول قضية إعفاء ابن أخ الوزير، ويؤكد: “أن المناضلين لا ينتظرون مقابلاً نظير نضالاتهم التي بذلوها في سبيل مبادئ، وأعتقد أن أسرة الراحل خليل إبراهيم لديها هذه القناعات”.

تعليقات الفيسبوك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.