سارع بفتح باب سيارته المتهالكة ثم تنحى جانباً تاركاً مساحةً فارغةً لأشاركه الجلوس، حكى عن جور ومؤامرة إفتراضية حيكت لـ(التاكسي)، سرد قصص وروايات عن فنجرية (سائق التاكسي) قديماً، تحدث عن أمانتهم ونزاهتهم وشياكتهم،
تاكسي الخرطوم..
الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس..
(١٦) ألف عربة خارج نطاق الخدمة
نقابة التاكسي تكشف عن شُبهة فساد في عهد النظام البائد
البارودي: الدولة تغولت على مواقف التاكسي وانشأت مواقف بديلة بايجارات باهظة
صاحب تاكسي: التاكسي مشروع عالمي، على الدولة أن تطرح سيارات جديدة دون رسوم إنتاج
ركن سيارته (التاكسي) بالناحية الشمالية من عمارة الذهب بقلب الخرطوم، استلقى على الكرسي الخلفي، كاد أن يغفو لولا أن ألقيت عليه التحية، تحية تهللت على إثرها أساريره، ظن في بادئ الأمر، أن زبوناً أرسله الله إليه، أخبرته أنني صحافي، أريد أن أجرى معه مُقابلة حول إمبراطورية التاكسي التي تهاوت وعصفت بها الأنواء، لم يتردد سارع بفتح باب سيارته المتهالكة ثم تنحى جانباً تاركاً مساحةً فارغةً لأشاركه الجلوس، حكى عن جور ومؤامرة إفتراضية حيكت لـ(التاكسي)، سرد قصص وروايات عن فنجرية (سائق التاكسي) قديماً، تحدث عن أمانتهم ونزاهتهم وشياكتهم، وقطع عم الصافي جازماً بأن لكل سائقٍ عطره، فلسفته، ودبلوماسيته مع الزبائن، وتلك المعايير والصفات كانت مؤشراً جاذباً ومحطة يتوقف عندها الزبون قبل أن يفتح باب السيارة ويدلف بداخلها، لتبدأ رحلة في شوارع العاصمة دون أن نسأل أحداً عن جهة أو موقع..
الجريدة ـ عبدالرحمن حنين
الرازق الله
محمود جبر الله، يبدو أنه عاد لتوه من مشوار داخل الخرطوم، ملابسه المبللة بالعرق كشفت عن زحمة مرورية بالغة تجاوزها بشق الأنفس، إلتقيناه ليحكي عن تراجع مريع في دخله اليومي، قال لولا إرتباطه مع بعض الزبائن ما كان له أن يتحصل على سعر جالون البنزين، كشف عن صعوبة بالغة طالت كل أصحاب المركبات بعد قرار رفع أسعار الوقود، أوضح أن زيادة الوقود وبُعد مسافة منزله بضاحية الدروشاب أجبره على ترك عربة التكسي خاصته داخل أحدى (القراشات) بقلب العاصمة ثم يذهب بالمواصلات لأطفاله بقوت يومه، ونوه الى أن عدد كبير من أصحاب التاكسي ظلوا يشاطرونه الفكرة من فترة ليست قليلة، وأردف، على الحكومة ان تعيد النظر في مشروع التاكسي لجهة أنه يظل واجهة للدولة، وتابع: تم التغول على المواقف الخاصة بالتاكسي، لذلك أصبحنا كالأيتام على مائدة اللئام لا تمنحنا الدولة أدنى إلتفاتة، ومضى، صحيح هنالك سيارات جديدة اقتحمت المجال لكن تظل علاقة التاكسي مع شريحة كبيرة من المجتمع مستمرة وممتدة لا يعكر صفوها إلا الاعطال المتكررة التي ظلت تلاحق التاكسي ربما لشيخوخته أو يد أصحابها التي صارت مغلولة بسبب غلاء المعيشة.
المواقف التاريخية
كشف رئيس نقابة التاكسي بولاية الخرطوم البارودي سيف الدين عن تغول الدولة على المواقف التاريخية لـ(التاكسي) خلال الثلاثين سنة الماضية، واوضح أن التاكسي تعرض الى اهمال كبير من قبل حكومة الأنقاذ التي احكمت قبضتها على كثير من المواقف الخاصة بالتاكسي مثل موقف (أم درمان، سوق الخضار القديم، أبو جنزير العيلفون، جبرة، المطار، المحطة الوسطى بحري، حلة كوكو ) وأكد البارودي كل هذه المواقف تغولت عليها الدولة على حساب التاكسي، ما أسفر عنه تشريد مئات السائقين لعربات التاكسي، وأوضح أن تحديد مواقف مخصصة للتاكسي أمر ضروري جداً لجهة أن كل من ينسى أمانة بمقدوره الحصول عليها بالعودة للموقف، وأردف هنالك شركات استمثارية استفادت من تلك المواقف بتشييدها وفرض رسوم على كل صاحب عربة يريد الخدمة، وهذا أمر لابد من إعادة النظر فيه ومنح أصحاب المصلحة حقهم كاملاً غير منقوصاً.
سيارات متهالكة
وأوضح رئيس النقابة أن أسطول التاكسي تراجع بنسبة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، وأرجع انخفاض عدد سيارات التاكسي الى قلة حيلة اصحابها الذين قال انهم لا يملكون مصروف اليوم ناهيك عن صيانة وشراء أو استبدال السيارات التي وصفها بالمتهالكة، وأردف كان أسطول التاكسي نحو (١٦) ألف سيارة أجرة ولكنها تناقصت الى أن تناقص العدد ليصبح العدد بالخدمة لا يتجاوز الألفين سيارة، ونوه الى أن الآلاف من سيارات التاكسي أصبحت خارج الخدمة وتم ركنها أمام بوابات المنازل، بجانب عدد كبير منها تم ركنها داخل ورش الصيانة بعد فشل أصحابها في صيانتها لإرتفاع تكاليف التشغيل من قطع غيار وصيانة دورية، ومضى، الدولة رفعت يدها عن مشروع التاكسي رغم أنه واجهة للبلد، كما أن التاكسي يظل وسيلة نقل لكنها بذات القدر يشكل دوراً مهما في الدبلوماسية الشعبية وأنه مشروع عالمي صادقت عليه كل الدول العظمى والنامية عليه يصبح النهوض بقطاع النقل الوسيط أمر يجب أن تضعه الدولة ضمن اولوياتها .
فساد إداري
وأقرّ البارودي بأن ولاية الخرطوم في فترة سابقة قامت بتأهيل مشروع التاكسي بمنح سيارات جديدة لشريحة من أصحاب التاكسي، غير أن المشروع لم يحقق النجاح المطلوب، والتي أرجعها الى المحسوبية والفساد الإداري، وقال أن الجهات التي نفذت المشروع تلاعبت باسماء المئآت من أصحاب المصلحة، الآن أجرينا عدة مقابلات ولقاءات مع وزير المالية، والي الخرطوم بجانب وزارة الرعاية الاجتماعية من أجل التباحث حول كيفية إرجاع المواقف المتغول عليها لنقابة التاكسي، الوالي اصدر عدد من القرارات بهذا الشأن لكن مازالت القضية محلك سر، وفيما يتعلق برؤية النقابة الخاصة بتمليك أصحاب التاكسي سيارات بديلة، أشار إلى أن النقابة إلتقت بإدارة شركة جياد، وطلبنا منها ضرورة إعفاء كل المجموعة من رسوم الإنتاج والقيمة المضافة، ونحن بصدد عقد جلسات إضافية مع إدارة الشركة من أجل إقناعها بضرورة تخفيض قيمة السيارات، وكثير من أصحاب التاكسي هم من أرباب معاشات القوات النظامية من شرطة وجيش وأمن، عليه نرى ضرورة أن تراعي الشركة هذا الجانب، وأن تتعامل مع مطالبنا بدواعي إنسانية وإجتماعية، ونوه البارودي الى أن وكيل وزارة الرعاية الاجتماعية جمال النيل عبدالله شرع في تشكيل لجنة شملت عدد من جهات الاختصاص على رأسها وزارتي الرعاية الاجتماعية والمالية بجانب بنكي السودان والإدخار، وأوضح أن الفترة القليلة القادمة ستكشف عن تطورات وبشريات سارة في ملف المطلب الخاص بمشروع تجديد سيارات التاكسي باخرى بديلة قادرة على مواكبة التطور الذي يشهده مشروع التاكسي في كل الاقطار العربية والعالمية.
قضية عادلة
وقطع البارودي أن ملاك التاكسي هم الأكثر تضرراً من الظروف الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد، ورأى ان مشروع التاكسي تعايش مع كل الظروف ومازال يلعب دوره البارز في تقديم خدماته للمواطنين، وأنه يحتفظ بسجل أقل للمخالفات والحوادث، وأرجع البارودي ذلك للخبرات التراكمية التي ظلت معياراً لمنح الرخصة لسائقيه، ومضى في سنوات ليست بعيدة كان لزاماً على سائق التاكسي أن يتحصل على رخصة عامة، كما كان يُشترط على السائقين أن يتمتعوا بقدر كافِ من القيافة والحصافة والنزاهة والأمانة، وأوضح أن كل تلك الاشتراطات ظلت تشكل عربوناً لشريحة واسعة من المجتمع الذين ما يزالون يفضلون التاكسي على كل وسائل النقل، وأكد أن الظروف التي عاشها أصحاب التاكسي كانت كفيلة بأن تؤدي الى إنهيار المشروع، ودلل على ذلك بظهور العديد من وسائل النقل الوسيطة التي قال أنها وجدت دعاية ورواجاً واسعاً خلال الفترة الماضية ابرزها مشروع سيارة الأمجاد بجانب بروز سيارات الأجرة الاكثر أناقة ترحال، وكل هذه التطورات لم تأثر على المشروع إلا بقدر قليل، حيث مازال متوسط دخل العربة خلال اليوم محصوراً بين 10ـ 20 ألف جنيهاً، وتابع هنالك سيارات تاكسي بحالة جيدة تعمل بالولايات يظل دخلها رهيناً بالمشاوير التي تنجزها خلال اليوم .
الجريدة