العبارة تطلق على من يضيق به الحال ولا يجد حلا فيقال له (تاكل نيم أو تاكل نارك)..ومعاناة أهل هذا البلد منكود الحال والمنكوب بالانقلابيين والفلول، ظلت على الدوام تلهمهم معاناتهم هذه ببعض الحلول الإبداعية الشعبية، في مجالات عديدة نذكر منها على سبيل المثال الطعام ومنه (أم بلقسات) المكونة من أرجل الدجاج وأطرافه وأحشائه، و(ساندوتش الموز)
بشفافية – حيدر المكاشفي
أسد يأكل قش وبشر (تاكل نيم)!!
مقطع فيديو غريب وغير مألوف لأسد يأكل الحشائش داخل حظيرة للحيوانات بالخرطوم، انتشر كالنار في الهشيم بمواقع التواصل، وحصد تفاعلا لافتا، وغرابة هذا المشهد تأتي من كون أن الأسود تتغذى على اللحوم فقط، فالأسد في البراري والغابات التي يعتبر ملكها، يفطر بغزال كامل ويتغدى بحمار وحش ويتعشى بجاموس، ولا يعرف عنه تناول الحشائش وسندوتشات الفول اللهم الا في حظائر الحيوانات كما في الفيديو المذكور، فرغم أنني ظللت لزمان أتابع سلوك الأسود وحياتها في الغابات عبر عدة برامج، لكنني لم الحظ قط تناولها الحشائش، وفي حكاية أخرى حقيقية وواقعية كنت قد اطلعت عليها من قبل، قال راويها أنه عندما كان يتابع عروضا للسيرك باحدى الحظائر، لفت نظره مشهد جانبي مؤثر للغاية جعله يهتف (سبحان الله وما دايم إلا وجه الله) وذلك عندما رأى لأول وهلة ما حسبه كلبا ليتضح له أنه أسد عندما دنا منه وتفحصه، لقد تقزم الاسد وتساقط شعره حتى بدا للرائي غير المدقق مثل الكلب أو قد يراه آخرون مثل الخروف، وكان هذا الاسد الهزيل الخجول يتمسح بجدران القفص ويشمشم في الارض، يقول الراوي وبينما هو مذهول من هذا الحال الذي آل اليه الاسد ملك الغابة وصاحب الحول والطول، إذا بمشهد آخر يزيده ذهولا على ذهول، وذلك عندما تقدم ناحية الاسد احد المروضين وأخرج من جيب الجاكيت الذي كان يرتديه كيسا من الورق به سندوتش فول قسمه الى نصفين، قدم للاسد احدهما وبدأ هو في التهام الآخر، وكذا فعل الاسد الذي يبدو أنه أخنى عليه الذي أخنى على لبد، حتى صار نصف سندوتش فول وجبة دسمة يلتهمها بتلذذ وهو يتلمظ..
وليس حال البشر اليوم في السودان بأفضل حالا من أسد الحشائش، وقد عبر عن ذلك أحد المواطنين المكتوين بلظى الغلاء وهو يرثي ليس حاله بل حال الغالبية العظمى قائلا (الحالة بقت صعبة شديد والأكل أصبح بالعيون)، ويفصل في سوء الحال فيقول إنه صار لا يقرب الجزارات ولا يسأل عن أسعار كل اللحوم بيضاء وحمراء، ويضيف أما الفواكه فقد نسي حتى شكلها من طول عهده حتى بكيلو موز، وقد صدق فهذا هو اليوم حال السواد الأعظم من الناس، فالحقيقة المؤلمة الماثلة التي لا مراء فيها، أن غالب السلع والخدمات ان لم نقل جميعها بلا استثناء، صارت عصية المنال لا يطالها غالب أهل البلد وخاصة الفقراء والمساكين وذوي الدخل المحدود والحيل المهدود، ولتدني القوة الشرائية وانعدام السيولة تظل اللحوم معلقة على شناكل الجزارات، وأرفف المحال التجارية تنوء بالبضائع وضرب الكساد والبوار كل شيء، ثم لا مشترٍ اللهم الا من قلة قليلة من ذوي الحظوة والبسطة في المال، وبحسب الحس الشعبي الذي أنتج عبارة (تاكل نيم) فهؤلاء الغالبية اليوم يأكلون نيم، والعبارة تطلق على من يضيق به الحال ولا يجد حلا فيقال له (تاكل نيم أو تاكل نارك)..ومعاناة أهل هذا البلد منكود الحال والمنكوب بالانقلابيين والفلول، ظلت على الدوام تلهمهم معاناتهم هذه ببعض الحلول الإبداعية الشعبية، في مجالات عديدة نذكر منها على سبيل المثال الطعام ومنه (أم بلقسات) المكونة من أرجل الدجاج وأطرافه وأحشائه، و(ساندوتش الموز) وغيرها من أطعمة شعبية فقيرة المحتوى، ابتكرها الفقراء لإسكات قرقرة بطونهم وإبقائهم على قيد الحياة، ولكن أيا يكن تواضع ومحدودية مثل هذه الحلول الشعبية، إلا أنها تبقى متقدمة ومتفوقة على الخيال الرسمي الذي ظل عاجزا عن إبداع وابتداع أي حلول لمشكلات هذا البلد وقضاياه التي ما انفكت تعيد نفسها وتتكرر على مر السنين..
الجريدة