صفاء الفحل : القصاص أمر حتمي!!

سودافاكس ـ ما إرتكبته اللجنة الأمنية والحركات المتمردة والجنجويد يجعل من العفو غير المشروط أمر غير ممكن

المؤتمر القومي للعدالة الإنتقالية المنعقد بقاعة الصداقة ما هو إلا عبارة عن محاولة من القوة السياسية الموقعة على الإطاري لتجنيب العسكر المحاسبة على كافة الجرائم التي ارتكبوها منذ تفجير ثورة ديسمبر، وحتى اليوم وهو أمر يغوص عميقاً في مرارتنا لبشاعة تلك الجرائم رغم أنه يجب علينا الاعتراف أنه لا بد من تكييف تلك الجرائم قانونياً الأمر الذي قد ينقذ بعض اعضاء اللجنة الأمنية من المساءلة.
وفي الواقع فإن هناك العديد من التجارب محلياً وعالمياً في مواجهة قضية العدالة الانتقالية بعد سقوط الأنظمة مثل ما حدث في كولومبيا و جنوب أفريقيا ورواندا وغيره ، وقد كانت الصعوبة التي تواجه المفاوضين هو التوفيق بين مطالب الجماهير بتحقيق العدالة الكاملة للضحايا عبر تطبيق نصوص القوانين الوطنية والدولية، في مقابل تخوف العسكريين على مصيرهم في المستقبل بعد إكمال العملية السياسية والتي ستنقل السلطة إلى المدنيين، بينما يعود العسكريون إلى ثكناتهم.
وقد مرت البلاد ايضا بحالة مشابهة بعد ثورة أكتوبر حيث صدر الدستور الذي نص على منح القادة العسكريين لانقلاب بقيادة عبود العفو المطلق، ولكن يبدو أن هذا الأمر غير ممكن هذه المرة إزاء التطورات الكبيرة في القانون العام والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ما إرتكبته اللجنة الأمنية والحركات المتمردة والجنجويد يجعل من العفو غير المشروط أمر غير ممكن ويجب حصر النقاش حول العفو المشروط في مقابل أن يحصل المدنيون على مكاسب اوسع في طريق الانتقال للحكم المدني.
خروج العسكريون من العمل السياسي وتسليم السلطة للمدنيين لا نعتبره مكسب فهو أمر حتمي ولكن يجب أن تكون هناك إلتزامات وتعهدات متعلقة بالقيود في مادة الحصانة التي وردت في مشروع دستور نقابة المحاميين التي تأسست عليها التفاهمات الأولى بين القادة العسكريين والمفاوضين المدنيين .
شراء المستقبل وتجنب إخفاقات الحكومة الانتقالية السابقة والتعلم من تجارب الشعوب الأخرى في الانتقال خاصة المتعلق بالعفو هي التي يجب أن تكون المرتكز خاصة وأن قضية العدالة الانتقالية هي ما يتوقف عليها فشل أو نجاح الحكومة القادمة وحتى يتجنب الجميع هذا المأزق يجب حصر النقاش في الأفعال غير المباشرة دون المساس بالحق الخاص للضحايا في طلب العدالة كما يجب إستثناء الجرائم الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لأن الجرائم الدولية لا يجوز منح العفو بشأنها.
وأخيراً فإننا ننتظر أن لا يكون هناك عفواً مطلقاً أو كامل فمساءلة تقديم جناة للعدالة الانتقالية مهمة فهناك بعض الجرائم التي لا يمكن العفو فيها كما أن الشعب السوداني كله يرفض أن يفلت بعض من إرتكبوا بعض الجرائم البشعة من العدالة وهذا أمر لن يحدث تحت كل الظروف والثورة مستمرة .
والقصاص أمر لابد منه.

الجريدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.