حمل السودان إلى “كان” ومنحه “الحرية”.. كردفاني يروي تفاصيل الإنجاز

غادر المخرج السوداني، محمد كردفاني، الخرطوم في الثالث عشر من أبريل الماضي متوجها إلى بيروت لوضع اللمسات الأخيرة على فيلمه “وداعا جوليا”، لكنه لم يتمكن من العودة مجددا، بسبب الحرب التي اندلعت ومستمرة إلى الآن في حصد أرواح السودانيين.

لم يعد إلى السودان حتى الآن، لكنه وبعيدا عن الحرب كان أكثر شخص سوداني تحدثت عنه وسائل الإعلام الأجنبية بعدما بات فيلمه “وداعا جوليا” أول فيلم سوداني يشارك في مهرجان كان السينمائي.

حاز الفيلم على جائزة “الحرية” في مسابقة “نظرة ما” بمهرجان كان، وقال كردفاني (40 عاما)، في حوار مع موقع “الحرة”، إن الأحداث في وطنه جعلت باله منقسما، فنصف في أقصى درجات السعادة بسبب الفيلم، ونصف آخر في أقصى مراحل القلق بسبب الأحداث في السودان”.

بعد العودة من “كان”، لا يعرف كردفاني، إلى الآن، أين سيعيش خلال المرحلة المقبلة في ظل الحرب، فهو يقطن حاليا في دبي ويفكر في العودة إلى البحرين حيث عمل مهندس طيران لسنوات بجوار أسرته، أو ربما يعود إلى القاهرة أو السودان، ويقول “لو لم أتمكن من العودة للخرطوم يمكنني العمل من بورت سودان أو حلفا”.

يرى المخرج أن السودان يحفل بالقصص الإنسانية التي يمكن أن يسلط الضوء عليها في السينما، وما “يعانيه حاليا يحتاج إلى من يتحدث عنه، ولا يوجد من يمكنه فعل ذلك إلا السودانيين أنفسهم”.

رقص ودموع
يستيقظ كردفاني كل صباح ليتفحص هاتفه ويتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وكرر ذات صباح عادته التي يصفها بالسيئة لكنها “كانت ألطف مرة أمسكت الهاتف، حيث وصلني بريد بأن فيلمي اختير للعرض في مهرجان كان”.

ويضيف للحرة “قفزت فرحا من السرير ورقصت لنصف ساعة متواصلة على أنغام الموسيقى، حتى قبل أن أتصل بفريق العمل لإبلاغهم بالأمر”.

يتحدث الفيلم عن فترة انفصال جنوب السودان عام 2011، والفترة الانتقالية التي استمرت من 2005، وفشل الجهود في إقناع الجنوب بعدم الانفصال، حيث صوت 97.5 في المئة من الجنوبيين لصالح الانفصال.

يسرد كردفاني في فيلمه الممتد لساعتين، قصة صداقة بين امرأتين واحدة شمالية (منى) وهي مطربة سابقة وأخرى جنوبية (جوليا). وتحاول الأولى التخلص من شعورها بالذنب بعدما تسترت على جريمة قتل وتستضيف أرملة الضحية وابنها في منزلها.

فيلم “وداعًا جوليا” أول فيلم سوداني يُعرض في مهرجان كان
فيلم “وداعًا جوليا” أول فيلم سوداني يُعرض في مهرجان كان
الفيلم من بطولة الممثلة إيمان يوسف وسيران رياك ونزار جمعة، ومن كتابة وإخراج محمد كردفاني وشارك في إنتاجه أمجد أبو العلا، والأخير سبق له إنتاج فيلم لاقى نجاحا لافتا وهو “ستموت في العشرين” أول فيلم سوداني يرشح لجائزة في مهرجان أوسكار.

حاول المخرج إظهار مسألة العنصرية والخلافات في قصة صداقة بين امرأتين جنوبية وشمالية، على خلفية أحداث سياسية مهمة في تاريخ السودان خلال الفترة الانتقالية من 2005 و2011، التي كانت “مفصلية كان يمكن أن نستغلها للمصالحة بين الجنوب والشمال، لكن فشلنا في ذلك وظللنا نتحدث عن أمور مثل تقاسم السلطة وتقاسم الثروة وغيرها”.

عُرض فيلمه في مهرجان كان، مايو الماضي، وعن هذه اللحظة قال كردفاني “كان من المؤلم السير على السجادة الحمراء، وأنا أعرف أن هناك من يهربون من القصف والحرب، بالتأكيد نغّص ذلك علينا الفرحة وجعل بالنا مقسوم نصف في كان ونصفه في السودان”.

لكن كان هناك جانب إيجابي، بحسب مخرج الفيلم، حيث استفاد من الأضواء المسلطة عليه في “كان” من أجل لفت الأنظار لما يحدث في السودان ومحاولة وقف الحرب.

وقال إنه شعر بالفخر والإنجاز بشكل لا يمكن وصفه، حيث وجد الجميع يتفاعلون مع العرض ويستمعون إلى أغاني مطربين سودانيين مثل سيد خليفة أو حسن العطبراوي أو الفنانة حنان النيل، ويرون ممثلين سودانيين بلهجتهم.

وواصل حديثه “مع نهاية العرض ورؤية التصفيق بكيت كالأطفال، هي لحظة لا يمكن أن أنساها”.

تصوير وسط المظاهرات
أراد كردفاني أن يدرس في كلية الفنون الجميلة، لكن والده قال له إنه مجال “ليس للرجال”، وطلب منه اختيار مجال آخر وممارسة هوايته في وقت الفراغ، ودرس كردفاني هندسة الطيران في الأردن عام 2002 وعمل في البحرين لسنوات بداية من عام 2010.

تعلم التصوير الفوتوغرافي والمونتاج، قبل أن يبدأ دورة تدريبية على صناعة الأفلام المستقلة وحينها كانت أولى مراحل تعلم الإخراج، ليفكر في تصوير قصص روائية كتبها خلال دراسته ويحولها إلى أفلام قصيرة.

كان يعمل مهندسا بدوام كامل في البحرين، لكن حينما يأتي موعد إجازته السنوية كان يبتعد عن محركات الطائرات إلى الكاميرا، ويتجه إلى السودان لتصوير أفلام عن بلده من ماله الخاص، وبالفعل أنتج فيلما قصيرا عام 2014.

بعد ذلك، ترك وظيفته بعد عشر سنوات من العمل فيها، وأسس شركة خاصة عام 2020 في الخرطوم.

يواصل كردفاني، حديثه لموقع “الحرة” ويقول إن أغلب أعمال التصوير كانت في الخرطوم عدا مشهد في مدينة كوستي التي تبعد نحو 5 ساعات جنوب العاصمة، ويضيف “الصعوبات كانت كثيرة ودائما صعب توقعها لأن السودان على كانون نار، فهناك مظاهرات وإغلاق شوارع وكباري”.

وتابع “صورنا 45 يوما وسط المظاهرات ولم نوقف التصوير يوما واحد، حينما نجد مشكلة في مكان ما، كنا نجد مكان بديل سريعا”.

الكثير من أول مرة
تتكرر كلمة “أول مرة” كثيرا عند الحديث عن “وداعا جوليا”، فهو أول فيلم طويل للمخرج محمد كردفاني، وأول فيلم سوداني يعرض في كان، وأول فيلم سوداني يفوز بجائزة في كان، وأول تجربة سينمائية لبطلتي الفيلم إيمان يوسف وسيران رياك.

أكد كردفاني أن فكرة أول تجربة، جعلت الاجتهاد أكبر لإظهار أفضل ما يمكن الوصول إليه، حيث لا حدود أو مقاييس نقارن عليها، كعمل سابق لنا مثلا، بينما كان من سلبياتها أنهم كانوا يتعاملون مع كل شيء لأول مرة.

استمرت عملية اختيار الممثلين على مدار أشهر طويلة، واختبر كردفاني أكثر من 100 ممثلة سودانية وجنوب سودانية من أجل دوري البطولة في العمل، لكن وجد ضالته بالبحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول: “وجدت إيمان يوسف على فيسبوك، حيث رأيت لايف (بث مباشر) وهي تغني في مقهى، حينما رأيتها أيقنت أنها منى الموجودة في النص”.

وبالنسبة للبطلة الأخرى، فهي عارضة أزياء في دبي وكانت ملكة جمال جنوب السودان 2014، ويقول “رأيتها عبر السوشيال ميديا حيث كنت أبحث عن فتيات من جنوب السودان للعمل في الفيلم، رأيتها في أحد البرامج وأعجبت بها وتواصلت معها من أجل الفيلم، وبالفعل جسدت الدور”.وأردف قائلا: “بدأت كتابة الفيلم عام 2018، وواصلته حتى مع بدء التصوير في ديسمبر الماضي. وجدت إيمان قبل سنة من التصوير، وسيران قبل ستة أشهر فقط”.

تحديات أكبر
قالت الأمم المتحدة إن الحرب الدائرة في السودان تسببت في مقتل المئات ونزوح أكثر من 1.2 مليون شخص داخل البلاد ومغادرة 400 ألف آخرين إلى دول الجوار.

وأنهت الحرب مشاريع جديدة كان يفكر فيها كردفاني وبدأ العمل عليها بالفعل في السودان، ويقول للحرة، إن نجاح “وداعا جوليا” سيمثل ضغطا على مشاريعه الجديدة حيث يجب أن يكون بنفس الجودة أو أعلى.

لكنه أضاف أيضا أن هذا النجاح سيسّهل عملية إقناع جهة تمويل أو إنتاج أو حتى أفراد، للانضمام إليه في مشروعه الجديد.

كما أشار إلى أن السينما في السودان “تشهد نموا وهو ثمار أجيال سابقة عملت ومشاريع تدريب سينمائي، وحاليا من السهل تصوير فيلم بهاتف أو بكاميرا ليست باهظة الثمن، ما جعل الناس يتجهون للأمر”، وأضاف: “متفائل بالسينما السودانية، لو الحرب وقفت سنجد أفلاما أكثر”.

وعن الأحداث في السودان، قال إنه يرى “الصمود والعزيمة والإصرار على نجاح الثورة وإحداث تغيير، لا أعتقد أن من قاموا بالثورة سيرضون بالوضع الحالي والأمور مصيرها إلى تغيير”.

وتابع “طالما واجهنا إحباطات لكن الرد يكون أقوى من الشعب… سيزداد وعي الناس وسيخرج شعب أوعى رغم جراحه”.

الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.