السودان.. قمة الإيغاد الفشل والتمادي في التدخل

مأمون عثمان

رغم مؤشرات فشل جهود الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” (IGAD) في الصراع السوداني المسلح، فإن قمة إيغاد -المقررة بموجب قمة جيبوتي يونيو/حزيران الماضي- قد عُقدت الاثنين الماضي الموافق العاشر من يوليو/تموز بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، برئاسة رئيس اللجنة الرئيس الكيني وليام روتو (المرفوض من قبل السودان والمتهم بعدم الحياد في الصراع)، وبحضور رؤساء إيغاد ومساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، والرباعية الدولية، وممثلين للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

رفض وفد السودان الرسمي المشاركة في الاجتماع، وجلس ممثل الدعم السريع يوسف عزت على الطاولة الرئيسية للقمة وأمامه علم السودان ومن خلفه قيادات القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري.

لم يُجدِ تخويف الحكومة السودانية والقوات المسلحة باستخدام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وللجيش السوداني نموذج ومثال في رفض رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد التدخل الأممي والدولي في صراعه مع جبهة تحرير التيغراي

فشلت قمة الإيغاد لعدم مشاركة القوات المسلحة (ممثل حكومة السودان) رغم وجود وفدها في العاصمة أديس أبابا، وذلك لتمسك الوفد بضرورة تنحي الرئيس الكيني عن رئاسة اللجنة لعدم حياده وعلاقته المشبوهة بقوات الدعم السريع.

فشلت قمة الإيغاد في التوصل لطرح رؤية مقبولة لطرفي الصراع، لاعتذار الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي عن الحضور، وكذلك فعل رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، بل عمّق فشلها وصف الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لها بالبازار السياسي.

لم يُجدِ تخويف الحكومة السودانية والقوات المسلحة باستخدام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وللجيش السوداني نموذج ومثال في رفض رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد التدخل الأممي والدولي في صراعه مع جبهة تحرير التيغراي، والغريب أن آبي أحمد نفسه هو الذي يتحدث الآن بلغة التهديد والوعيد بالتدخل الدولي أو إقامة مناطق عازلة في السودان، وهو ما رفضه في صراعه مع التيغراي، مثلما أن الولايات المتحدة لا تستطيع التدخل عسكريا ولا يعد ذلك من أولوياتها، خاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتضعضع الأحادية القطبية العالمية، وفي ظل تداعيات الحرب الروسية الاقتصادية على أوروبا والولايات المتحدة والعالم أجمع، مما منح الفرصة للصين لأن تكون القوة الاقتصادية العالمية الأولى.

وفي ظل تنامي التداعيات الاقتصادية العالمية وصراع المصالح على الساحة العالمية، لا بد للجيش السوداني والقوى السياسية والمدنية من إحداث حراك سياسي ودبلوماسي دولي وصياغة مشروع وطني سياسي مقابل المشروع السياسي الوحيد المطروح من قبل قوى الحرية والتغيير، الذي يتمثل في الاتفاق الإطاري المسنود من الرباعية الدولية والأمم المتحدة والآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيغاد).

المطلوب من الشرعية السودانية -ممثلة في الجيش السوداني والقوى الوطنية الحية- التواصل مع قوى دولية وإقليمية لإحداث تحالف داعم للمشروع السياسي الوطني البديل بعد انقضاء المعارك لتشكيل سند لها

ويبدو واضحا أن نوعا من المواقف والتحالفات على مستوى الداخل تنشأ في ظل استمرار المعارك، فقد وصل أعضاء من مجلس السيادة وبعض قيادات ما يسمى بحركات الكفاح المسلح إلى العاصمة التشادية نجامينا، وتفيد المعلومات بأن القائد الثاني للدعم السريع عبدالرحيم دقلو -الذي كان معتقلا لدى القوات المسلحة- وصل إلى أم جرس التشادية، وتفيد معلومات بأنه بناء على صفقة تسمح بإطلاق سراحه والسماح له بالمغادرة من الخرطوم مقابل إطلاق سراح بعض أسر ضباط القوات المسلحة المعتقلين لدى قوات الدعم السريع كدروع بشرية بحي المطار أو عدم تصفية هذه الأسر، ويبدو أن الرئيس التشادي يسعى للجمع بين قوات الدعم السريع وحركات دارفور المسلحة لترتيب الأوضاع أمنيا ولو في ولايات دارفور المجاورة لتشاد.

المطلوب من الشرعية السودانية -ممثلة في الجيش السوداني والقوى الوطنية الحية- التواصل مع قوى دولية وإقليمية لإحداث تحالف داعم للمشروع السياسي الوطني البديل بعد انقضاء المعارك لتشكيل سند لها، فمن الممكن التواصل مع روسيا والصين بوصفهما قوى دولية فاعلة في ظل مظاهر تعدد القطبية العالمية، ومع تركيا الداعمة أصلا للسودان، والتواصل حتى مع فرنسا التي لا يعجبها تمدد حميدتي وعرب الشتات من غرب أفريقيا في مناطق نفوذها في الغرب الأفريقي، مثلما يمكن للحكومة السودانية أن تتواصل مع محيطها الإقليمي ممثلا في مصر وإريتريا وجنوب السودان وجيبوتي وقطر وغيرها، وكذلك منظومات إقليمية ودولية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة عدم الانحياز وغيرها.

لا يستطيع الجنرال عبد الفتاح البرهان تجاوز المواقف المساندة له والقوية داخل المؤسسة العسكرية إلا وسيدفع ثمنا باهظا إن فكر في التفاوض مع قوات الدعم السريع أو قوى الاتفاق الإطاري التي كانت سببا في الاشتباكات الصعبة، فضلا عن الإرادة الشعبية التي لا تعرف الانكسار أو التراجع أو الخنوع، فالإرادة الشعبية ضاغطة في اتجاه عدم منح الدعم السريع أي فرصة لحل أو صفقة سياسية تعيد الروح لجسد “قوى الحرية والتغيير” (قحت) والاتفاق الإطاري المسجى بعد المعارك والجرائم وعمليات التقتيل والاغتصاب والنهب والسلب والحرق والتدمير الممنهجة، التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والمتحالفون معها، فإن الإرادة الوطنية ستشعل ثورية شعبية تقتلع كل من يقف في طريق أهدافها.

على حكومة السودان وجيشها والقوى الوطنية السياسية أن تحدث حراكا سياسيا ودبلوماسيا قويا بغية خلق أرضية للمشروع الوطني السياسي وأن تقوم بتنوير القوى الإقليمية والدولية بموقف السودان العادل نتيجة لما تتعرض له البلاد من مؤامرة وجودية

إذن لن يكون الواقع السياسي السوداني بعد 15 أبريل/نيسان 2023 (تاريخ اندلاع الاشتباكات) هو الواقع ذاته بعد هذا التاريخ، فـ”قحت” الممعنة في التآمر الخارجي ليست هي “قحت” التي يريدها أهل السودان، ولا الدعم السريع بعد التمرد والارتزاق والإجرام والتمرد هو الدعم السريع المساند للجيش بموجب قانون التأسيس.

ومن واقع حرصها على استقرار السودان لارتباطه بأمنها القومي جنوبا، دعت مصر لعقد لقاء قمة الخميس 13 يوليو/تموز الجاري لبحث الحل الممكن للصراع السوداني، وليس من المأمول أن تشارك قوى الحرية والتغيير فيه ولا قوات الدعم السريع، وهو اللقاء الذي يمثل فرصة للجيش السوداني والقوى السياسية السودانية الفاعلة أن تدفع فيه برؤيتها لمشروعها السياسي الوطني بعد الاشتباكات.

على حكومة السودان وجيشها والقوى الوطنية السياسية أن تحدث حراكا سياسيا ودبلوماسيا قويا بغية خلق أرضية للمشروع الوطني السياسي، وأن تقوم بتنوير القوى الإقليمية والدولية بموقف السودان العادل نتيجة لما تتعرض له البلاد من مؤامرة وجودية حقيقية، حسب وصف البرهان في خطاب عيد الأضحى الأخير لأهل السودان والذي دعا فيه لاستنفار كل من يستطيع حمل السلاح لحماية عرضه وأهله وممتلكاته، وقد لاقي ذلك استجابة واسعة في مختلف مناطق السودان.

فتداعيات المعارك مستمرة لطالما استمر القتال، وإن كانت للباطل جولة فللحق جولات والأيام حبلى يلدن كل جديد.

الجزيرة


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.