حصاد حرب السودان: 4 أشهر من الدمار والنزوح
أكملت الحرب في السودان 4 أشهر، لم يرَ فيها الناس سوى الدمار الواسع الذي أصاب مختلف الأنشطة الاقتصادية والبنية التحتية، الأمر الذي دفع ملايين المواطنين نحو أتون الفقر والبطالة.
وتفاقمت معاناة السودانيين مع امتداد الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع لتشمل معظم ولايات السودان عدا قلة منها تتركز في الأنحاء الشمالية والشرقية من البلاد.
وحرب الخرطوم التي اندلعت منذ الخامس عشر من إبريل/ نيسان الماضي خلفت وراءها أيضاً ملايين من النازحين في الداخل ومئات الآلاف من اللاجئين إلى دول الجوار.
نهب وتدمير
يقول مواطنون وشهود عيان لـ”العربي الجديد” إن عمليات النهب والسرقات للأسواق والمصانع والمخازن لم تتوقف في العاصمة الخرطوم والولايات التي تشهد صراعاً دامياً، نتيجة لغياب الأجهزة الشرطية والرقابية، الأمر الذي زاد من تعقيد المشهدين الاقتصادي والاجتماعي.
المواطن محمد محمود من الخرطوم يقول لـ”العربي الجديد” إن الأزمات المعيشية تزداد يوماً بعد يوم مع قفزات الأسعار واختفاء معظم السلع الأساسية وبروز سماسرة جدد يتاجرون بقوت الناس في زمن الحرب.
يضيف محمود أن عصابات عديدة نهبت الأسواق وجعلت من بعض المنازل مخازن للسلع المسروقة وبدأوا يبيعونها بأسعار مرتفعة وسط توقف تام لصرف رواتب الموظفين. وأشار إلى لجوء مواطنين إلى الاستدانة من أقاربهم في الخارج أو النزوح إلى مناطق آمنة.
أزمات معيشية خانقة
تقول المعلمة ست النفر الزين لـ”العربي الجديد”: “مع دخول الحرب شهرها الخامس تردت أوضاعنا الاقتصادية والمعيشية، واشتدت وطأة المعاناة التي لحقت بمعظم ولايات السودان التي كانت تعتمد على ولاية الخرطوم في أنشطتها الاقتصادية، حيث كانت توفر فرص عمل كثيرة للمواطنين الذين يعيشون في هذه الولايات”.
ومنذ إبريل الماضي فقد مئات الآلاف من السودانيين وظائفهم وأعمالهم ودخلوا تلقائياً إلى قائمة العاطلين من العمل في وقت أشارت فيه تقارير غير رسمية إلى دخول مليوني عاطل إلى القائمة.
من جانبها، تقول بثينة محمد آدم، وهي ربة منزل، لـ”العربي الجديد”، إنها وإخوتها ظلوا يعتمدون على شقيقهم في مصاريف البيت والأولاد، ولكنه توقف عن العمل بسبب الحرب.
نزوح بالملايين
وفي ولاية الجزيرة التي احتضنت معظم النازحين (أكثر من 4 ملايين نازح) بدأ الأهالي يشكون من ارتفاع أسعار السلع وغلاء الإيجارات. وفي هذا السياق، يقول المواطن بولاية الجزيرة سيف الدين بابكر: “تقريباً معظم السلع بدأت تختفي من الأسواق، في ظل ارتفاع كبير للطلب وانعدام الكثير منها”، موضحاً أن كثيراً من نازحي الخرطوم توجهوا إلى ولايات سنار والنيل الأزرق والقضارف والنيل الأبيض للبحث عن وضع أفضل.
وزاد العدد التقديري للأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد في السودان بوتيرة أسرع من المتوقع إلى 20.3 مليوناً، أو ما يعادل 42 بالمائة من السكان، في الوقت الذي يؤدي فيه الصراع إلى تعميق الأزمة الإنسانية في البلاد، حسبما جاء في “التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، وهو عبارة عن شراكة بين وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية وجماعات أخرى.
وكشف التصنيف أن المناطق الأكثر تضرراً تشمل العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور في غرب البلاد وأجزاء من كردفان، وجميعها تشهد قتالاً وهجمات وأعمال نهب منذ اندلاع الحرب في منتصف إبريل الماضي.
وأدى الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى نزوح أكثر من ثلاثة ملايين شخص داخل السودان وأجبر أكثر من 900 ألف شخص على الفرار إلى الدول المجاورة.
إغلاق الأسواق
ويتوالى إغلاق الأسواق لانعدام السلع والمتسوقين في العاصمة والعديد من الولايات التي تشهد صراعاً عسكرياً. وفي هذا الإطار، يقول التاجر عماد الدين حسن: “انعدمت أصناف أساسية مثل زيوت الطعام والصابون والسكر والألبان والخضراوات والفاكهة بأنواعها المختلفة، ما اضطر كثيراً من التجار لإغلاق متاجرهم”. يضيف حسن أن غالب المواطنين ليست لديهم سيولة لتوقف الأعمال وأصبح بعضهم يعتمد على تحويلات من ذويهم في الخارج.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي أحمد خليل لـ”العربي الجديد” إن ما يحدث من أزمات اقتصادية وتجويع للشعب وانعدام السلع سببه المباشر الحرب، ولكن ما ساهم في ذلك السياسة المتبعة من السلطات الحاكمة المتعاقبة في تمركز معظم الصناعات والأنشطة التجارية في ولاية الخرطوم. يضيف: “حتى الواردات لا بد من أن تعبر إلى الولايات الأخرى عبر بوابة الخرطوم الأمر الذي جعلها مركز ثقل اقتصاد السودان”.
يتابع أنّ من الطبيعي أن تتأثر بقية الولايات بما يحدث في الخرطوم، أضف إلى ذلك تأثر موظفي الولايات بعدم صرف الرواتب نتيجة للنظام المركزي المتبع رغم أنهم يؤدون عملهم على أكمل وجه”.
توقف الرواتب
وفي ظل تفاقم الحرب، فشلت الحكومة السودانية في سداد ما قيمته حوالى 40.7 مليار جنيه سوداني هي جملة صافي رواتب العاملين في القطاع العام لعدد 859 ألف موظف وعامل بالمركز والولايات منذ اندلاع الحرب. وعجزت وزارة المالية عن دفع رواتب العاملين في القطاع العام ولم تستطع إدارة الاقتصاد خلال فترة الحرب مواجهة هذه الأزمة التي تؤرق مئات آلاف السودانيين.
وألقى توقف الرواتب بظلال سالبة على قطاع عريض من الشعب وأدخل البعض تحت دائرة الفقر، بعد أن أصبحوا عاطلين عن العمل، ما أفرز سلبيات مجتمعية خطيرة في أوساط المجتمع. ويقول خليل: “معظم السلع والبضائع تأتي من الخرطوم التي تعرضت لأكبر عملية سرقة ونهب في تاريخها للمخازن التي لا يزال اللصوص يواصلون نهبها ولذا فإن تمركز السلع والمهمات في ولاية الخرطوم أثر على جميع الولايات.
كما أن الموسم الزراعي في ولايات دارفور وكردفان أصبح مهدداً بسبب وطأة الحرب في تلك الولايات الزراعية، الأمر الذي سيتسبب في مجاعة وإفقار المزيد من الشعب السوداني”.
من جهته، يقول أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية محمد الناير، لـ”العربي الجديد”، إن السودان ظل يعاني من أوضاع اقتصادية خانقة قبل بداية الحرب، ولكن بعد مرور أربعة أشهر فإن الوضع تفاقم بصورة كبيرة. يلفت الناير إلى وجود صعوبات معيشية وعدم مقدرة المواطن على شراء السلع الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار وقلة السيولة، مشيراً إلى أنّ ذلك أحد إفرازات الحرب التي دمرت كثيراً من المؤسسات المهمة، إذ توقف القطاع الصناعي والبنوك وجميع الأعمال.
زاد العدد التقديري للأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد في السودان بوتيرة أسرع من المتوقع إلى 20.3 مليوناً
ويوضح أنّ المواطن بات يعاني من أزمات أخرى ومنها النقص الكبير في الخدمات الضرورية مثل الكهرباء والمياه إضافة إلى تعطل الأنظمة البنكية والدفع الإلكتروني وتوقف عمل الإنترنت لأيام وصعوبة الحركة للوصول إلى أماكن الاستشفاء وشح الدواء، وبالتالي يواجه المواطن صعوبات كبيرة في تلبية احتياجاته أو الحصول على الأساسيات الضرورية.
خسائر فادحة
جاء القطاع الزراعي في صدارة القطاعات المتضررة، إذ يرى مزارعون، خلال حديثهم لـ”العربي الجديد”، أنه رغم توجيهات وزارة المالية وبنك السودان بتوفير التمويل للمزارعين، إلا أن شح التمويل وصعوبة توفير مدخلات الإنتاج سيكون له أثر على اقتصاد البلد والوضع المعيشي للمواطن، خاصة في الولايات التي تعتمد بصورة أساسية على الزراعة.
بعض التقديرات غير الرسمية أشارت إلى خسارة السودان عشرات المليارات من الدولارات جراء التداعيات الناجمة عن الحرب بما في ذلك الخسائر المرتبطة بعمليات النهب التي تعرضت لها المؤسسات والمصانع والبنوك إضافة إلى تكلفة النزوح داخل البلاد واللجوء إلى الدول المجاورة.
وكان رئيس اللجنة الاقتصادية في حزب الأمة القومي، صديق الصادق المهدي، قد قدّر في وقت سابق الإنفاق العسكري اليومي وخسائر الحرب الدائرة، بنحو نصف مليار دولار يومياً، أي نحو 60 مليار دولار خلال 4 أشهر. وقال إن الآثار الاقتصادية للحرب تتمثل في تدمير البنية التحتية، وتخريب القطاع الصناعي، وانكماش النمو، وفقدان الوظائف.
العربي الجديد