تقريبا.. الحرب تعيد السودانيين إلى “ساعي البريد”
لم يكن يخطر ببال السوداني عز الدين دهب أن يهجر عادة “التراسل الفوري” ويعود يوما ما لكتابة رسالة بخط اليد لتصل إلى أحد معارفه في إقليم دارفور غربي البلاد، لكن تدهور شبكة الاتصالات في المنطقة جراء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع أجبرته على ذلك.
مع الحرب المستمرة بعدة مدن سودانية منذ أبريل/ نيسان الماضي، وتوقف خدمة الاتصالات والإنترنت، أصبحت رسائل اليد الوسيلة الوحيدة للتواصل في دارفور، حيث ظل ينقلها سائقو الحافلات المتنقلة بين مدن الإقليم، لاعبين دور “ساعي البريد” الذي كان يوفر الخدمة في السنوات السابقة.
اضطر دهب، إلى كتابة رسالة بخط اليد لتصل إلى شخص بمدينة الضِّعَين عاصمة ولاية شرق دارفور، ليقوم هو الآخر بإيصالها إلى مدينة بُرام بولاية جنوب دارفور، بعد تعطل خدمة الاتصالات والإنترنت في تلك الولايات.
اشتدت حاجة المواطنين في تلك المناطق إلى الطريقة التقليدية القديمة في التواصل، للاطمئنان على أسرهم ومعارفهم، حيث باتت رحلات النزوح بين المدن واللجوء إلى تشاد الجارة الغربية لدارفور، أمرا مستمرا مع تزايد الاشتباكات في المنطقة وفقدان شبكة الاتصالات.
ومنذ منتصف أبريل يخوض الجيش و”الدعم السريع” اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلف أكثر من 3 آلاف قتيل أغلبهم مدنيون، وأكثر من 5 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
** أوضاع استثنائية
في حديثه للأناضول، قال دهب: “العودة إلى كتابة الرسائل المكتوبة أمر طبيعي في ظل أجواء الحرب التي تعيشها البلاد”.
وأوضح أن “آلة القتل التي حصدت آلاف الأرواح خصوصا في دارفور قتلت عنصر الدهشة في نفوس الناس، لذلك العودة إلى عهد الخطابات والرسائل المكتوبة بخط اليد أصبح أمرا طبيعيا”.
وأضاف: “مع العلم أن شبكات الاتصالات هي في الأصل رديئة في تلك المناطق، وهناك أجزاء واسعة من إقليم دارفور خارج الشبكة ومنها يعمل بإمكانيات ضعيفة وتعاني أحيانا من مشاكل وقود ومشاكل إدارية”.
وفي أغسطس/ آب الماضي، أعلنت الأمم المتحدة مقتل 60 شخصا وإصابة 250 آخرين، ونزوح حوالي 50 ألفا جراء الاشتباكات بين الجيش و”الدعم السريع” في مدينة نيالا غربي البلاد.
وحسب المنظمة الدولية، قتل عشرات المدنيين، ولم تعد شبكات الكهرباء والمياه تعمل جيدا “ما يعد كارثة في مدينة كان ربع سكانها يعتمدون أصلاً قبل الحرب على المساعدات الإنسانية”.
** صعوبة بالغة
ومع تواصل الاشتباكات المسلحة، صارت الحياة والتواصل أكثر صعوبة في إقليم دارفور الذي يقطنه نحو ربع سكان السودان البالغ عددهم 48 مليونا، ما يزيد من رقعة المعاناة جراء الظروف القاسية التي تفرضها الحرب.
وعادة ما يصل المواطنون إلى مكاتب السفر بين المدن الكبيرة لإيصال الرسائل المكتوبة بخط اليد لتصل إلى وجهتها حسب الظروف الأمنية في الطرق التي تربط المنطقة.
آمنة موسى (36 عاما) التي تقطن مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور، اضطرت هي بدورها إلى كتابة الرسائل على الورق لتفقد أحوال ذويها في مدينة نيالا.
وقالت موسى في حديثها للأناضول: “انقطاع الاتصالات والإنترنت أجبرني لكتابة رسالة بخط اليد للأهل في نيالا بعد الاشتباكات العنيفة بين الجيش والدعم السريع.”
عاشت نيالا “ظروفا قاسية” وفق موسى، بسبب “القصف العشوائي وانهيار المنازل، وهروب المواطنين من منازلهم”، موضحة: “عشنا رعبا لا يصدق بسبب انقطاع الاتصالات لمعرفة أحوال أهلنا في المدينة”.
وتابعت: “أرسلت الرسالة المكتوبة خلال الأيام الماضية، وأنتظر الرد المكتوب للاطمئنان على الأهل هناك، ماذا نفعل؟ لم نجد وسيلة أخرى”.
آدم عبد الله، وهو صاحب مكتب حافلات سفرية، قال: “مع استمرار الاشتباكات المسلحة، لجأ الناس إلى الرسائل المكتوبة بخط اليد لمعرفة أحوال ذويهم وتفقد أحوال الأسر والأصحاب في المناطق التي نزحوا إليها”.
وأوضح عبد الله للأناضول: “نقوم بإيصال الرسائل إلى وجهتها ونتلقى الردود المكتوبة لإرجاعها مرة أخرى مقابل أجر مادي”.
الاناضول