مصر:الكشف عن عمليات تهريب الدولار من السوق السوداء فى مصر إلى السودان
فى الوقت الذى تحارب فيه الدولة تجار العملة بالسوق المحلى وتلاحق المتلاعبين بالدولار بشركات الصرافة علمت «مال وأعمال» أن هناك عصابات دولية متخصصة فى تهريب العملة والذهب للسودان قامت بشراء كميات كبيرة خلال الأسابيع الماضية، وتحاول هذه العصابات تجميع أكبر كمية من الدولار خلال الفترة الأخيرة وتهريبها للسوق السودانى. وتنتشر هذه العصابات والأفراد فى جميع محافظات مصر، ويتم التجميع بمنطقة عابدين والعتبة ومنطقة وسط البلد بالقاهرة.
وذكرت مصادر أن السوق السودانية تعانى من نقص العملة الأمريكية نتيجة استمرار العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
وارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السودانى بالسوق الموازية مؤخرا، ووصل سعر الدولار بالعاصمة السودانية الخرطوم خلال تعاملات نهاية الأسبوع الماضى إلى 15.1 جنيه، مقارنة بسعره الرسمى البالغ سودانى كرقم قياسى جديد لصرف الجنيه.
ويعانى السودان من تدهور فى عملته الوطنية منذ انفصال جنوب السودان فى عام 2011، وفقدان السودان لعائدات صادرات البترول بالإضافة لاندلاع الحرب الأهلية بدولة جنوب السودان وتأثيرها على إنتاج البترول ومن ثم انخفاض أسعار النفط الذى أدى لتناقص عائدات أجرة العبور عبر خط أنابيب البترول المملوك لدولة السودان.
وأيضا يعانى السودان من خلل وعجز فى الميزان التجارى، مما يشكل ضغطاً متواصلاً على سعر صرف الجنيه فى السودان، ويؤدى لانخفاض مستمر لقيمة الجنيه أمام الدولار.
وقالت المصادر: إن نشاط عصابات ومافيا التهريب بين مصر والسودان لم يعد مقصورًا على تمرير السلاح والمخدرات والبشر القادمين من دول أفريقيا إلى مصر، بل اتسع ليشمل تهريب الدولار أيضا، والذى شهد ارتفاعًا كبيرة فى أسعاره مؤخرًا. وحصلت «مال وأعمال» على تفاصيل مافيا تهريب الدولار إلى السودان، وهو ما تسبب بشكل كبير فى ارتفاع أسعاره مؤخرا، حيث خرجت كميات كبيرة من السوق المحلية. وتواصلت «مال وأعمال» مع أحد المتعاونين مع مهربى الدولار إلى السودان بمحافظة أسوان، حيث كان يعمل مرشدا سياحيا، وتسبب ترجع سوق السياحة خلال السنوات الأخيرة فى العمل بتجارة العملة، حيث أكد هناك عصابات تسلك المدققات الجبلية فى المنطقة الحدودية الواقعة على خط عرض 22، آخر الحدود المصرية السودانية، والتى تعتبر «ترانزيت» للمهربين بين البلدين.
«تهريب الدولار ليس ظاهرة جديدة، لكنه موجود منذ نحو 10 سنوات هكذا بدأ «عبدالرحمن»، وهو اسم حركى له كاشفًا أن رحلة التهريب تبدأ من القاهرة ومحافظات الدلتا، حيث يلجأ التجار الكبار لشراء كميات كبيرة من الدولار من القاهرة وبخاصة منطقه وسط البلد، ومن ثم يتم نقلها إلى محافظات قنا والأقصر وأسوان، ثم تنقل إلى حلايب وشلاتين، وهناك يتم التهريب إلى السودان. وبحسب «عبدالرحمن»، فإن تهريب الدولار يحقق مبالغ خيالية، وتتحرك رحلات التهريب ليلًا عبر طريق أسوان المعروف بـ«برنيس» والبالغ طوله حوالى 350 كيلو، وتستغرق 4 ساعات بحسب درجة الاستعداد الأمنى على الطريق، حيث يكون السائق مجبرًا على الانعطاف فى الصحراء، تاركًا الطرق الأسفلتى تفاديًا للدوريات الأمنية المتحركة، والكمائن الثابتة، وهو ما يظهر جليًا فى الانعطاف إلى الصحراء قبل نقطة الشرطة بـ«برنيس» بحوالى 5 كيلو. بعد ذلك ــ كما يؤكد «عبدالرحمن» ــ تتحرك السيارات عبر طريق «برنيس ــ شلاتين»، الذى يبلغ طوله نحو 120 كيلومترًا، وهو الطريق الذى يستغرق عادة نحو ساعتين تقريبًا، حتى يصل إلى ما قبل نقطة الشلاتين، التى تتطلب منه الانعطاف فى الصحراء، على أن يواصل السير بنفس الطريقة للمرور من آخر نقطتين أمنيتين فى طريقه إلى الحدود السودانية، هما «بوابة الجمال» و«أديلديت». من«أديلديت» إلى «حلايب»، يسير «عبدالرحمن»، المهرب المعروف بين مهربى الدولار عبر مدق جبلى، يبلغ طوله نحو 80 كيلو، ويستغرق نحو ساعتين ونصف الساعة تقريبًا، ويصل بين منطقتى «أديلديت» و«حلايب»، ثم الحدود السودانية، وصولًا إلى ما يعرف بـ «وأدى قبقبة» داخل الأراضى السودانية. ويصف «عبدالرحمن» المدق بأنه الأكثر صعوبة فى طريق التهريب، حيث لا يستطيع السير فى هذه المنطقة من دون أن يرافقه أهالى المنطقة، وهو ما يتطلب أن يكون هناك تنسيق مع أحد الأفراد، يكون فى انتظارك ليرافقك مسافة تبلغ نحو 80 كيلومترًا فى الصحراء، وهو الطريق الذى يمر بمدينة «حلايب» وصولاً إلى الحدود السودانية، وفور الوصول تكون فى انتظاره سيارات سودانية لتحميل الشحنة تمهيدًا لنقلها إلى مدينتى بورسودان وكسلا، ويشير «عبدالرحمن» إلى أن مهربى الدولار لا يخاطرون بأنفسهم بالسير فى المدققات الجبلية المخصصة لتهريب السلاح والمواد المخدرة، والتى تدخل مصر من وأدى قبقبة إلى وأدى العلاقى، ثم وادى خريط فى أسوان، خوفًا من تعرضهم للقتل على أيدى مهربى السلاح أو المخدرات، موضحًا أن الطريق من حلايب وشلاتين إلى السودان أفضل من التهريب من محافظة أسوان المصرية إلى السودان عبر منفذ «أرقين» بسبب الممرات المائية.
من جانبه، أكد محمد سامى موظف بإحدى شركات الصرافة، أن تهريب الدولار المصرى إلى ليبيا والسودان يأتى كأحد أكبر أسباب أزمة الدولار فى الأسواق المصرية خلال الفترة الأخيرة، مشددًا على ضرورة مواجهة التهريب الذى لا يستطيع أحد أن يقدر حجمه إلى السودان.
وأضاف أن تصاعد وتيرة أزمة الدولار وارتفاع السعر أمام الجنيه فى السوق السوداء للعملة، ليصل إلى نحو 13.25 جنيه للدولار الأسبوع الماضى، واستقرار سعره عند 888 قرشًا فى البنوك، تحولت العملة الأمريكية إلى سلعة، وارتفع الطلب عليها إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة ما يتردد عن خفض وشيك بقيمة تزيد على الـ100 قرش خلال الشهور القليلة المقبلة فى السوق الرسمية بالبنوك.
وحال قرار البنك المركزى المصرى بإجراء التعويم الكامل فإنه من المتوقع أن يصل السعر إلى 15 جنيهًا للدولار، ثم يرتد مرة أخرى إلى القيمة العادلة الفنية الحالية بنحو 11.25 جنيه للدولار، وبالتالى فإن الخطوات المقبلة للبنك المركزى سوف تحدد سعر الـ15 جنيهًا للدولار من عدمه قبل نهاية العام، عن طريق «التعويم» أو «خفض الجنيه»، أو إجراءات وقف الإتجار فى العملة، فضلاً عن حجم التدفقات الدولارية المقبلة من مصادر العملة الصعبة لمصر.
وأكد أن تعويم الجنيه، وترك السعر ليتحدد وفقًا لآليات العرض والطلب ــ قوى السوق ــ ولا يتدخل البنك المركزى يعنى «خفض قيمة العملة المحلية»، النزول بسعرها أمام الدولار لقيمة يحددها مسئولو البنك المركزى المصرى، ويثبت بعدها السعر عند مستوى محدد، ويتدخل فى توقيتات معينة لوقف المضاربات عبر إجراءات صارمة، وعلى الجانب المقابل ينتهج البنك المركزى المصرى سياسة سعر الصرف المرنة، التى لا تستهدف سعرًا محددًا لفترة طويلة.
وأضاف أن تجارة العملة منتشرة منذ سنوات، مشيرا إلى أن جميع فئات الشعب الصرى تتاجر فى الدولار حاليا والسودان تتعمد بشكل كبير فى تدبير العملة الأمريكية من السوق المصرية.
وأكد أن تجارة العملة تحقق أرباحا خيالية لعصابات التهريب، والتهريب لا يقتصر فقط على الدولار بل يشمل الذهب والسلع الغذائية أيضا.
الشروق