الدولار يهوي.. ما السبب الحقيقي؟

وكأن أحدًا ضغط على ذر الهبوط فهوى الدولار خلال 24 ساعة بما نسبته 30% من قيمته في السوق الموازية.. فماذا حدث؟ هل ضخ البنك المركزي المليارات المطلوبة للاستيراد؟ ومن أين جاء بها؟.. وهل سيرتفع مرة أخرى؟ أم سيواصل رحلة الهبوط إلى مستويات أقل من 40 جنيها؟.. وهل هذا التراجع سيؤدي إلى هبوط أيضًا في الأسعار؟.. أسئلة كثيرة، وتساؤلات عدة طرحت نفسها من وحي التراجع المفاجئ للدولار.

الحقيقة الدقيقة أن حزمة من الأسباب كانت وراء هذا الهبوط بل يمكن أن نسميه “فرملة” الدولار في السوق، وهذه الأسباب والعوامل المسببة للهبوط تعددت وتشعبت وتداخلت لتمثل في مجملها أدوات ضغط على المتعاملين في السوق، أدت إلى تراجع الطلب على الدولار بغية المضاربة؛ مما أدى إلى هبوط السعر.

من بين الأسباب هو تحرك أجهزة الدولة المعنية في مواجهة المتلاعبين وملاحقة المضاربين، إذ نجحت وزارة الداخلية في توجيه ضربات قوية وحاسمة لتجار السوق الموازية الذين نجحوا خلال الفترة السابقة في جمع الدولار و”حبسه” معهم للتحكم في تحديد سعره والصعود به إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى ما يقرب من 75 جنيهًا للدولار، وهي قيمة بلا شك مبالغ فيها كثيرًا، ونجحت حملات الداخلية في تفكيك بؤر الاتجار غير المشروعة فى الدولار؛ مما ساعد على سد مسارات كثيرة لتدفقات الدولار خارج الجهاز المصرفي.

هذه الحملة المركزة الدقيقة كان لها نتائج مزدوجة، ففي الوقت الذي قضت فيه على عدد كبير من بؤر الاتجار غير الشرعية للدولار، فإنها تسببت في حالة من الهلع والفزع بين حائزي الدولار الذين سارعوا للتخلص مما يملكونه، بدافع عدم الخسارة الكبيرة تارة، والخشية من السقوط في قبضة القانون بتهمة الاتجار غير المشروع في العملة تارة أخرى.

واكب هذه الحملة القوية حزمة من الإجراءات والسياسات والأخبار المهمة التي قدمت رسالة طمأنة أن مصر على أعتاب تدفقات دولارية جديدة ربما تساهم في توفير احتياجات الطلب المتزايد على الدولار خلال فترة وجيزة، وفي مقدمتها بعض التسريبات الخاصة بقرب اتفاق جديد مع صندوق النقد تحصل مصر بمقتضاه على 12 مليار دولار، وهو ما يفتح الطريق أمام تسهيلات تمويلية أخرى قد تصل إلى 20 مليار دولار عبر مؤسسات إقليمية ودولية مثل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يوفر سيولة إضافية أخرى تحقق جزءًا كبيرًا من الطلب على الدولار في الجهاز المصري.

يضاف إلى قائمة الأسباب ورسائل الطمأنة أيضًا العوائد الدولارية المتوقعة من وراء تنفيذ عدد من المشروعات التنموية الضخمة، في مقدمتها مشروع رأس الحكمة باستثمارات تصل إلى 22 مليار دولار، وفق ما تم تداوله من معلومات أولية عن المشروع، بالإضافة إلى مشروعات أخرى ستنفذ تباعًا وفق خطة الدولة لتعظيم الاستثمار الأجنبي المباشر.

في المقابل جاءت تحركات الدولة نحو دفع قضية التصدير كأداة ناجزة لزيادة التدفقات الدولارية لتبعث أيضًا برسالة أخرى تقول إن هذا القطاع يملك من الإمكانات والمؤهلات ما يجعله قادرًا على جلب تدفقات دولارية كبيرة تساهم في سد الهوة بين الاستيراد والتصدير، والذي بلغت نحو 70 مليار دولار، إذ إن مصر تستورد بما قيمته 100 مليار دولار، بينما تصدر بنحو 30 مليارًا، وهناك فرص كبيرة أمام المصدرين لتحقيق الهدف الذي حددته الدولة بـ 100 مليار دولار، ويقينًا أن المصدرين لديهم مطالب وتواجههم عقبات ومعوقات، وأن السعي الحكومي الجاد نحو تذليل هذه العقبات، وإعطاء الأولوية للتصدير يمثل خطوة مهمة وناجزة تدعم حلول أزمة الدولار.

المؤكد أن سعر 30 جنيهًا للدولار في البنوك ليس القيمة العادلة، ولا الـ70 جنيهًا في السوق الموازية هي القيمة الحقيقية، ولا الهبوط المفاجئ إلى دون الـ50 جنيهًا هو تحرك طبيعي للدولار.. لكن تبقى الحقيقة أن هناك أزمة في الدولار، وإن كان جزء كبير منها مفتعل، وجزء آخر خارج إرادة الدولة؛ ممثل في أزمات إقليمية ودولية لعبت دورًا كبيرًا في الضغط على الجنيه المصري، بعد تراجع تدفقات النقد الأجنبي، لكن السير في الحلول التي أشرت إليها هو السبيل الوحيد إلى حل الأزمة، مع الأخذ في الاعتبار إنجاز سياسات نقدية طال انتظارها، وفي مقدمتها تحرير مرن للجنيه في البنوك، وترشيد محكم للإنفاق، وتطبيق منضبط للسياسات النقدية.

..ويوم أن يتوجه أي مواطن إلى أي بنك يشتري ما يريده من الدولارات بالسعر المعلن.. حينئذٍ ستكون الأزمة من الماضي.

علي محمود – بوابة الأهرام


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.