هل تقضي الحرب على حياة الإنترنت في السودان ؟

تعرف المواطنة (ر.ي) نفسها بأنها نازحة متمرحلة، وتقول إن هذا هو التوصيف الأمثل الآن لكل من هم في مثل حالها. تذكر (ر.ي) إنها خرجت من الخرطوم نازحة إلى مدينة ودمدني بعد اندلاع الحرب في الخرطوم، وبعد اجتياح الدعم السريع للمدينة اضطررت إلى النزوح إلى مدينة سنار ومن بعدها إلى مدينة كسلا وأخيرًا استقرت بشكل مزعزع في مدينة بورتسودان. وتضيف بحسرة إنها عجزت عن الخروج من السودان واللجوء إلى أي دولة أخرى بسبب ظروفها المادية، كما إنها ترعى والديها المسنين، وتعاني أمها من أمراض مزمنة ويجب أن تخضع إلى عملية جراحية حساسة في مقبل الأيام. وتواصل (ر.ي) في سرد حكايتها بعد أن تعلو صوتها نبرة جزع تكاد تطفئه، وتقول قبل ساعات من شيوع أخبار قطع الإنترنت عن بورتسودان: “انتظر تحويلًا مهمًا من خيرين، وعدوا بمساعدتنا في إجراء العملية، لكن الأخبار المتداولة عن انقطاع الإنترنت في أنحاء مختلفة من البلاد، وتوقع حدوث ذلك في هنا يصيبني بالخوف على أمي، إذ كيف سأستقبل التحويل البنكي إن حدث هذا؟”.

تسجيل صوتي
انتشر في الأيام الماضية تسجيل صوتي منسوب إلى مهندس يعمل في إحدى شركات الاتصالات السودانية، تحدث فيه مطولًا وبشكل دقيق عن ما قال إنه الأسباب الحقيقية لانقطاع خدمة الاتصال والإنترنت في ولاية الخرطوم ومناطق أخرى من السودان، وحذر من حدوث ذلك في مدينة بورتسودان. وأرجع المهندس السبب الرئيسي لانقطاع الإنترنت إلى تهديدات تلقوها من قوات الدعم السريع، بضرورة إرجاع الخدمة إلى ولايات دارفور، وفي حال عدم حدوث ذلك سيتم قطع الاتصال والإنترنت عن بقية الولايات.

نفت قوات الدعم السريع صلتها بانقطاع خدمات الاتصال في السودان، فيما أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانًا مطولًا اتهمت فيه الدعم السريع بـ”التخريب وابتزاز الشركات العاملة” والعدوان بقطع خدمات الاتصال والإنترنت
وأوضح أن المراكز الخدمية الرئيسية لشركات الاتصال تقع في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع داخل ولاية الخرطوم مما يسهل عليهم عملية فصل الخدمة عن جميع الولايات. وقال إن الأعطاب التي تطالب قوات الدعم السريع بإصلاحها في ولايات دارفور تقع في مناطق خلوية يصعب الوصول إليها الآن، وأن أي محاولة للوصول إليها تعد في باب المغامرة، فإن لم تفقد حياتك ستفقد على الأقل العربة التي تقلك.

من جهتها نفت قوات الدعم السريع صلتها بانقطاع الخدمة، واتهمت بشكل صريح قوات الجيش بافتعال ذلك. في حين أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانًا مطولًا اتهمت فيه الدعم السريع بـ”التخريب وابتزاز الشركات العاملة” والعدوان بقطع خدمات الاتصال والإنترنت. وما بين النفي والاتهام يظل المواطن المسكين هو الضحية، سواء للعمليات العسكرية العنيفة الدائرة بين الطرفين أو عن طريق حرمانه من خدمة حيوية ومهمة صارت ملاذًا للجميع وهي خدمة الإنترنت بكل ما تتيحه من تواصل وتحويل أموال وفرص عمل وإن كانت محدودة.

عمل أون لاين
كاتب المحتوى (ي، ح) قال في إفادة مقتضبة إنه إلى جانب كل الأهوال التي واجهها جراء وجوده في السودان منذ اشتعال الحرب وحتى الآن، إلا أنه -ورغم المعاناة اليومية- كان يجد بعض العزاء في استمراره في العمل مع أحد المواقع الإلكترونية العربية. فهو وبصورة من الصورة استطاع التماسك وتزويد (موقعه) بالمطلوبات التحريرية المطلوبة، الشيء الذي أمن له دخلًا ثابتًا طوال الفترة الماضية، رغمًا عن انتقاله بين أكثر من مكان لاشتداد المعارك هنا وهناك. ويقول إنه ومع تواتر الأنباء عن انتقال الحرب إلى مربع وساحة جديدة هي ساحة الاتصالات والإنترنت، بقطعها والتحكم فيها، بات يرى أن حياته باتت مهددة تمامًا، ومن كل الجهات. وأصبح يفكر جادًا في الخروج من السودان صوب أي بلاد أخرى، وإن تتطلب الأمر مجازفة التهريب برًا أو بحرًا.

حياة الإنترنت
جرب السودانيون في السنوات الأخيرة، ما بعد ثورة ديسمبر، مرارة قطع خدمة الإنترنت والاتصالات، وعرفوا القيمة الحقيقية لهذه “النعمة”. وأشهر وأطول فترات قطع الإنترنت حدثت بعد عملية فض الاعتصام، التي راح ضحيتها العشرات من شباب الثورة. وفي كل الفترات التي تعرضت فيها البلاد إلى قطع الإنترنت، كانت الأسباب سياسية في الأساس تسعى إلى قمع الثوار وإسكات صوتهم وإخماد وسيلتهم الأنجع للثورة، وفي كل هذه المرات لم تراع السلطات الحاكمة الأهمية القصوى التي ظل يمثلها الإنترنت للأسر السودانية، خاصة بعد انتشار تطبيقات التحويلات المالية البنكية، مثل “بنكك”، مما سهل على أغلب الأسر مسألة استلام الأموال سواء من أبنائهم المغتربين والمهاجرين أو من أهلهم وأصدقائهم، وفي أحيان كثيرة من الخيرين والمنظمات الإنسانية التي على تماس مع التراجع الاقتصادي المريع الذي أصاب السودان وتأثر به السودانيون في السنوات الأخيرة من حكم البشير وتفاقم بشكل كبير في الفترة الانتقالية. الآن، وفي ظل ظروف أكثر إظلامًا مما سبق، وتحت وقع القتل والتهجير والتشريد، تصاب حياة السودانيين (الناجية) في مقتل. فما الذي سيحدث لو أن الجهات المتصارعة نفذت تهديداتها فعليًا وفصلت الاتصال الإنترنت عن عموم السودان؟ وأي ملجأ سيلجأ إليه سودانيو الداخل بعد أن غلقت الأبواب أمام أبنائهم وأقاربهم ممن يحملون همومهم ويقضون أمورهم في صمت وإباء من خارج البلاد؟

عزلة دارفور
واجه مواطنو ولايات دارفور انقطاع الإنترنت خلال هذه الحرب لفترة امتدت لأكثر من ستة أشهر، وربما لخفوت الصوت الإعلامي وبعد دارفور عن مركز القرار لم تسلط الأضواء بشكل كافٍ على معاناة أهل هذا الإقليم جراء انقطاع الخدمة، وبسبب الرسوم العالية التي ظلوا يدفعونها في سبيل الحصول على الإنترنت التجاري الذي توفره بعض الجهات التجارية، اعتمادًا على مستقبلات متصلة بالأقمار الصناعية (ستارلنك).

اشتراط الدعم السريع –إن صح– إرجاع الخدمة إلى بقية الولايات بإعادتها أولًا إلى دارفور، ربما كان كلمة حق أريد بها باطل، فمن الثابت أن السبب الرئيسي في انقطاع هذه الخدمة وتدهور الحياة بصورة عامة في هذا الإقليم هو هذه الحرب المهلكة التي تدور في البلاد التي يمثل الدعم السريع طرفها الأكثر عنفًا وترويعًا للمواطن سواء في الخرطوم أو دارفور، أو ولايات السودان الأخرى.

الترا سودان


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.