بسبب الحرب.. سودانيون يفقدون “حصاد العمر” ويعانون القهر والاكتئاب

ما جمعه السوداني “عبد الفتاح الدنقلاوي،” خلال 40 عاما “حصاد عمره” فقده في بعض يوم، بعدما نهبت أمواله وممتلكاته وطرد من منزله من قبل قوات الدعم السريع في الخرطوم، واضطر إلى النزوح إلى شمال البلاد ثم لجأ إلى مصر حيث يعيش على دعم أبنائه.

ويروي عبد الفتاح (67 عاما) بصوت متهدج ونبرة حزينة للجزيرة نت أنه تفاجأ بعد أكثر من شهر من الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل/نيسان الماضي بـ5 من عناصر قوات الدعم السريع تقتحم منزله في ضاحية الطائف بشرق الخرطوم.

ويروي الدنقلاوي كيف أطلقت عناصر الدعم السريع رصاصا بجانب رجليه بعد خروجه للحديث معهم في فناء المنزل، واتهموه أنه ضابط في الجيش، ورغم نفيه بشدة طلبوا منه تسليمهم مفتاح سيارته والذهب والأموال.

ويسرد أن زوجته المريضة خرجت من غرفتها بعد سماعها ارتفاع الأصوات، ومعها أحد أحفادها، وحاولت تهدئة الوضع لكن أحد العناصر المسلحة وضع فوهة البندقية في رأس الطفل وطالب بتسليمهم مفتاح السيارة والذهب والأموال أو قتل الطفل الذي كان يصرخ ويبكي.

ويستطرد المتحدث ذاته أنه وابنته تعرضا إلى امتحان قاسٍ إثر إغماء زوجته وسقوطها أرضا، وذهب مع ابنته إلى غرفته وفتح خزانته في حضور أحد المسلحين وأخذ كل ما بها من ذهب وأموال تشمل عملات محلية وأجنبية وسلمها إلى المسلحين الذين قادوا سيارته وغادروا بعدما سلمتهم ابنته مفتاحها وهي ترتجف من مشهد طفلها والسلاح مصوبا نحو رأسه.

ويوضح عبد الفتاح أن ابنته ذهبت إلى منزل بعيد نسبيا لطلب المساعدة من صديقتها الطبيبة التي استطاعت إنعاش الزوجة وبدؤوا يفكرون في مغادرة منزلهم في اليوم التالي إلى منطقة كرري في أم درمان حيث يسيطر الجيش للإقامة مؤقتا مع شقيقه.

ويمضي الشاهد نفسه في سرده، أنه تفاجأ في صباح اليوم التالي بضرب شديد في الباب وخرج منزعجا ووجد مجموعة من الدعم السريع على متن سيارة وطلبوا منه مغادرة منزله خلال 24 ساعة لأنه يقع في تقاطع طرق وسيكون ارتكازا لهم.

لا تأتي فرادى
ولم ينتظر عبد الفتاح المهلة التي حددت له وطلب من أسرته أخذ بعض ملابسهم، وخرج ساعات حتى وجد سيارة بمبلغ كبير دفعه من أموال بقيت مخبأة بخزانة ملابس زوجته، وسلكت السيارة طرقا خطرة وخضعوا خلالها لتفتيش من قوات الدعم السريع في 5 مواقع حتى وصلوا إلى منطقة كرري الآمنة في أم درمان.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى تلقى عبد الفتاح اتصالا من شريكه يفيد بأن متجرهما تم نهبه بما حوى، وتقدر قيمة الأجهزة والمعدات الكهربائية الموجودة به مع المخزن الملحق ما يعادل 150 ألف دولار.

وبكلمات حزينة يختصر عبد الفتاح قصته بأنه اغترب عن وطنه أكثر من 30 عاما في دولة خليجية وعاد قبل عامين إلى بلاده بعد اكتمال بناء منزله المتعدد الطوابق، حيث يسكن في الطابق الأرضي ويؤجر 6 شقق في الطوابق الـ3، ودخل في شراكة بما أتى به ولكنه فقد كل ذلك في بضع يوم، وعلم لاحقا بأن المنزل بات حوائط بعد نهب كل محتوياته حتى أواني المطبخ.

وغادر عبد الفتاح أم درمان إلى الولاية الشمالية قبل أن ينتقل إلى مصر بنصيحة من أبنائه لأن والدتهم مريضة وتحتاج إلى رعاية طبية، ويعيش حاليا على دعم اثنين من أبنائه يعملان في خارج السودان لسداد مصروفات عائلته.

تلخص قصة عبد الفتاح، ما تعرض له مئات الآلاف من السودانيين الذين أفقدتهم الحرب الدموية التي اندلعت في الخرطوم وانتشرت في مناطق أخرى من البلاد، ممتلكاتهم وأموالهم ومدخراتهم ومنازلهم وأعادت حياتهم عقودا إلى الوراء.

قهر حد الموت
وترى الطبيبة النفسية سامية عبد الله أن الحرب أثرت بشكل مباشر على حياة غالبية السودانيين، وأدت إلى إصابة قطاع منهم بالصدمات والاضطرابات، وأزمات نفسية أخرى مثل فقدان الذاكرة والنسيان، والذهول.

وتقول الطبيبة للجزيرة نت إن أكثر ما يؤدي للهزات النفسية هو تكرار الذاكرة للمشاهد العنيفة وما يتعرض له الشخص، سواء تعرض للعنف أو فقد ممتلكاته أو نهبت أمواله ومقتنياته وما يعتمد عليه في حياته، مما يؤدي إلى أعراض القلق والتوتر والاكتئاب والإحباط والهستيريا.

وكشفت الطبيبة سامية أنهم تلقوا تقارير من زملائهم في مراكز الإيواء في داخل البلاد أو في دول مجاورة تفيد أن بعض السودانيين من بينهم من كانوا رجال أعمال أو من الطبقة الوسطى، أصيبوا بصدمات نفسية ويتلقون العلاج في مشافي للأمراض النفسية أو لدى أطباء في عيادات خاصة للدعم النفسي بسبب ما تعرضوا له في أنفسهم أو أموالهم، كما توفيت نسوة بـ”القهر”.

ويموت الإنسان قهرا عندما يقف عاجزا، لا يستطيع أن يستوعب ما يحدث حوله، وعندما يفقد كل ما في يده ولا يعرف أين يمضي في غده، بحسب الطبيبة.

بطالة وفقر
ويرى الخبير الاقتصادي هيثم فتحي أن الحرب أدت إلى انهيار المستوى المعيشي للمواطن وارتفاع معدل الفقر، بجانب نهب ممتلكات المواطنين وأموالهم من قبل قوات الدعم السريع.

وفي حديث للجزيرة نت، يقول الخبير الاقتصادي إن هجرة رجال أعمال وتجار عاملين في القطاعات الصناعية والحرفية من مشغلي الأيدي العاملة إلى دول مجاورة أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 35%.

ويوضح أن ضعف آلية تشغيل البنى التحتية والقطاعات الخدمية أفضى إلى تعطيل الدورة الاقتصادية وتهالك سوق الإنتاج، مترافقا مع ضعف القدرة الشرائية لشريحة واسعة من السودانيين مما زاد معدلات الفقر.

ويعتقد الخبير ذاته أن السودان دولةً ومواطنين يحتاجون إلى دعم مادي طارئ يلبي جزءا قليلا من احتياجاتهم الأساسية المتزايدة والاهتمام بالإنتاج المحلي وتطوير القطاع الزراعي لتوفير الغذاء.

الجزيرة نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.