التضخم في تركيا يواصل تجاوز التوقعات.. ما تفسيرات الاقتصاديين؟
تعطي أرقام التضخم في تركيا عن شهر فبراير مؤشرا يخالف كل توقعات المسؤولين في الحكومة على رأسهم وزير المالية، محمد شيمشك، ومع بقاء المسار التصاعدي على حاله تثار تساؤلات عن الأسباب التي تحول دون تحقيق عملية العلاج.
ووفق “معهد الإحصاء التركي” ارتفع المعدل بنسبة 4.53 بالمئة في فبراير، مقارنة بشهر يناير الماضي، وبلغ 67.07 بالمئة على أساس سنوي مقارنة بشهر فبراير من العام 2023.
وفي منشور عبر حسابه الشخصي في “إكس” قال شيمشك، الأربعاء، إن “التضخم الشهري كان أعلى من التوقعات بالفعل في شهر فبراير”، مضيفا أن “تباطؤ المعدل يتطلب الوقت والتصميم”.
الوزير الذي عينه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعد فوزه بانتخابات الرئاسة أوضح أنهم “سيواصلون العمل بصبر وإصرار حتى يتم تحقيق استقرار في الأسعار”.
واعتبر أن “خطوات التشديد الإضافية التي اتخذها البنك المركزي ستساهم في تحقيق التوازن في النمو وتضييق عجز الحساب الجاري وكسر الميول التضخمية”.
وأكد على ذات الحديث نائب الرئيس التركي، جودت يلماز بقوله عبر “إكس”: “رغم فقدان الزخم مقارنة بشهر يناير، إلا أن التضخم في فبراير كان أعلى من التوقعات”.
وأضاف، وهو أحد أركان الفريق الاقتصادي الجديد، الذي يعوّل عليه إردوغان في تحقيق الانتعاشة لليرة والاقتصاد أنهم “سيحققون نتائج مهمة في النصف الثاني من العام في عملية خفض التضخم”.
ويرتبط تحقيق ما سبق بالسياسة المالية القائمة والإصلاحات الهيكلية، بالإضافة إلى خطوات تشديد إضافية للبنك المركزي”، وتابع يلماز حديثه متوقعا أن “تتسارع عملية مكافحة التضخم بشكل أكبر في عام 2025”.
كما أضاف أنه “على المدى المتوسط (منظور 2026)، فإننا عازمون على الوصول إلى معدلات تضخم في خانة الآحاد مرة أخرى في إطار أهدافنا للتنمية المستدامة”.
ماذا يقول الاقتصاديون؟
وشيمشك ويلماز إلى جانب محافظ البنك المركزي الجديد فاتح كاراهان هم القادة الأساسيون الذين يمضون في عملية الإصلاح الاقتصادي، والقائمة على خفض معدلات التضخم العالية.
ومنذ تعيينهم من جانب إردوغان اتخذ هؤلاء العديد من الخطوات، مخالفين جميع القواعد والسياسات التي كان الرئيس التركي يؤكد عليها قبل مرحلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وبينما بدأت هذه الخطوات من رفع سعر الفائدة بالتدريج وصولا إلى تثبيته في 22 من فبراير الماضي عند حد 45 بالمئة وصلت خلال الأشهر الماضية إلى اعتماد سياسة التشديد النقدي.
ما تزال هذه السياسة قائمة حتى الآن، وبعد نشر أرقام التضخم عن شهر فبراير أصدر البنك المركزي التركي بيانا، الأربعاء، أعلن فيه “اتخاذ خطوات تشديد إضافية لدعم موقف السياسة النقدية المتشدد”.
ويعتقد الأستاذ في الاقتصاد، مخلص الناظر أن ارتفاع معدلات التضخم في يناير وفبراير ترتبط أسبابه بـ”انخفاض القوة الشرائية لليرة التركية وانخفاض قيمتها”.
ووصل سعر صرف الدولار/الليرة التركية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق خلال الأيام الماضية، حيث ارتفع إلى 31.70، ومقارنة مع اليورو وصل إلى 34.46.
ويشير الباحث الناظر إلى أسباب أخرى لارتفاع التضخم، بينها زيادات الأجور الأخيرة، ويوضح أنها “تزيد العرض النقدي بين الناس وبالتالي يرتفع الطلب على السلع دون زيادة الإنتاج”.
وفي حين أن زيادات أسعار الفائدة لم تتوقف منذ تغيير الإدارة الاقتصادية من جانب إردوغان، إلا أن كارهان محافظ المصرف المركزي عمل على تثبيتها بعدما تسلّم الدفة من حفيظة غاي إركان، التي قدمت استقالتها قبل أشهر.
ويرى الناظر أن “سياسة التشديد النقدي أو رفع الفائدة لا يمكن فصلها عن مسارين”.
ويقول إن نتائجها لا تظهر مباشرة على الأسواق، بل “نحتاج من عام إلى عام ونصف كي نرى تأثير الرفع الأول للفائدة في شهر يونيو 2023”.
كما يضيف أن “الأسواق بحاجة للانتظار إلى نهاية العام القادم كي تشهر بتأثير رفع الفائدة إلى 45 بالمئة”.
ووفقا لبعض الاقتصاديين، فإن ارتفاع التضخم في تركيا سيجبر البنك المركزي على مواصلة زيادة سعر الفائدة في الأيام المقبلة.
وقال الخبير الاقتصادي أتيلا يشيلادا، في تعليق على حسابه في موقع “إكس”، إنه يبدو من المستحيل أن يحقق البنك المركزي هدف التضخم في نهاية العام بنسبة 36 في المئة بأسعار الفائدة الحالية.
واتفق الخبير الاستراتيجية في الأسواق النامية، تيموثي آش مع توقعات يشيلادا، قائلا إن “سعر الفائدة البالغ 45 في المئة لم يكن كافيا لمعدل تضخم يبلغ 70 في المئة”.
وبدوره يوضح الباحث الناظر أن “أسعار الفائدة ما تزال حتى الآن دون معدل التضخم”، وذلك يعني أن “العائد مازال سلبيا على الليرة”.
ويضيف: “هذه الحالة السلبية وطوال ما أنها قائمة فلن يدخل المستثمرون إلى أدوات الدين الحكومي، وبالتالي لن تستقر الليرة”.
ويجب أن تكون أسعار الفائدة أعلى من معدلات التضخم بحدود 5 بالمئة، وعندها تستقر الأمور، حسبما يتوقع الباحث الاقتصادي.
ويشير إلى أن النصف الثاني من العام الحالي قد يشهد تباطؤا في معدل التضخم وقد يصل في نهاية 2024 إلى حدود 40 بالمئة”.
لكن ما سبق لا يعني أن الأسعار ستنخفض أسعارها، حيث يؤكد الناظر أن “الانخفاض سيكون على الوتيرة فقط. بمعنى ارتفاع سعر زجاجة المياه إلى 13 ليرة تركية بدلا من 20!”.
وبحسب بيانات 2023 نما الاقتصاد بنسبة 4.5 في المئة وسجل دخلا قوميا قدره 13 ألفا و110 دولارات للفرد، وفق ما توضح الباحثة الاقتصادية، نازلي سارب في مقالة لها في صحيفة “دنيا”، الأربعاء.
ومع ذلك و”لسوء الحظ لم تشعر قطاعات واسعة من الجمهور في بلدنا بهذه الزيادة”، كما تقول الباحثة.
وتضيف: “على الرغم من التشديد الصارم للسياسة النقدية منذ يونيو (زيادة بنسبة 36.5 في المائة في الفائدة) لا يزال هناك تضخم مرتفع، وهو ما يمكن رؤيته بيانات شهر فبراير”.
ويورد تقرير اقتصادي لمركز أبحاث “ديسك” أن معدل التضخم المعلن من جانب “معهد الإحصاء التركي” لا يعكس التضخم الحقيقي الذي يشعر به المواطنون.
وخلص التقرير ونشر، الثلاثاء، أن “هناك فجوة بين التضخم المعلن (الرسمي) والتضخم المحسوس (المتصور). وكان الأخير في عام 2023 يبلغ ضعف التضخم (الرسمي) المعلن تقريبا”.
و”يجب على معهد الإحصاء التركي نشر معدل التضخم المحسوس/المتصور لدى الجمهور والتضخم المتوقع كبيانات جديدة من خلال معالجة البيانات الموجودة لديه بالفعل”، حسبما ورد في تقرير المركز البحثي الاقتصادي.
الحرة