غاب الحسم وتوسعت المواجهات.. أبرز محطات الصراع بين الجيش والدعم السريع بالسودان

بعد عام من القتال الذي اندلع في العاصمة السودانية الخرطوم، غاب الحسم العسكري وتوسع نطاق المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتضاعف عدد النازحين واللاجئين وساءت الأوضاع الإنسانية والاقتصادية.

وساهم اتساع دائرة الأمن في أم درمان ثانية كبرى مدن العاصمة الثلاث وبعض أحياء الخرطوم والضغوط الاقتصادية، في عودة عكسية للمواطنين من ولايات نزحوا إليها ودول مجاورة احتموا بها.

وتفجر القتال في الخرطوم منتصف أبريل/نيسان الماضي، بعد أسابيع من التوتر إثر تمسك رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بتحديد موعد زمني لا يتجاوز عامين لدمج قوات الدعم السريع في الجيش قبل توقيع اتفاق تسوية لفترة انتقالية وتشكيل حكومة مدنية.

في المقابل، تمسك قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” بفترة لا تقل عن 15 عاما لدمج قواته، وطالب أخوه ونائبه عبد الرحيم دقلو، البرهان بتسليم السلطة إلى المدنيين “بلا لف أو دوران” واستجلب قوات وأسلحة من دارفور إلى الخرطوم.

الخريطة العسكرية
بدأ القتال في الخرطوم بانتشار الدعم السريع في مناطق واسعة، وزعمت أنها تسيطر على 90% منها، وبعد11 شهرا تحول الجيش من الدفاع إلى الهجوم وحافظ على مقاره وقواعده الرئيسية.

وفي الأسابيع الأخيرة تقدم الجيش في أم درمان من الشمال -التي ظل مسيطرا عليها- نحو وسط المدينة، واستعاد السيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون ويزحف جنوبا وغربا لطرد الدعم السريع من الأحياء التي ينتشر فيها.

أما في الخرطوم بحري، فشن حملة عسكرية كبيرة منذ مارس/آذار الماضي، وحقق تقدما في شمال المدينة ويتجه جنوبا نحو المناطق الأخرى لتحريرها.

ويتركز وجود قوات الدعم السريع في منطقة شرق النيل حتى جسر سوبا الذي يربط شرق النيل مع الخرطوم وليس للجيش وجود إلا في أجزاء من العيلفون وقاعدة حطاب العسكرية.

وفي الخرطوم يسيطر الجيش على مناطق الشجرة والحماداب وغزة وأجزاء من يثرب وجبرة واللاماب، وتراجع انتشار الدعم السريع في جنوب المدينة وشرقها، في حين تنتشر بصورة أكبر في أحياء الأزهري والسلمة وسوبا وجنوب الحزام.

وسيطرت الدعم السريع في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي على نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور والضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، إثر انسحاب الجيش منها، بسبب محاصرة قواته شهورا وانقطاع الإمداد عنها. ولم يتبق من الإقليم تحت سيطرة الجيش سوى الفاشر عاصمته السياسية والإدارية.

وفي 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، انسحب الجيش من ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة ثانية كبرى ولايات البلاد بعد الخرطوم. وبدأ عملية كبيرة لاستعادتها منذ فجر الخميس في الرابع من أبريل/نيسان الجاري.

ويقول إن قيادة الجيش لم تستفد من التعبئة العامة التي انطلقت عفوية بإرادة شعبية، فاضطرت السلطة للحاق بها بالأقوال دون الأفعال، ودون تسليح المقاومة الشعبية وتوظيفها بالقدر المطلوب، ومؤخرا بدأت أصوات رسمية تشكك في هذه المقاومة.

ويضيف أنه في غمرة “التباطؤ” عن استعادة ولاية الجزيرة واستكمال تحرير الخرطوم يكتنف الغموض تحركات وتصريحات الرسميين حول عمليات تسوية يجري العمل عليها في الظلام.

ويعتقد الخبير أن “المليشيا المتمردة” وجناحها السياسي وراعيتها الإقليمية تمضي في تهيئة الساحة لخطوتهم التالية المستنسخة من النموذج اليمني لإغراق المناطق الآمنة بالعمليات الإرهابية التي تنفذها خلاياهم.

ويضيف أن وسائل إعلام متماهية معهم تنشط في محاولة إلصاقها بآخرين لضرب النسيج الوطني المتماسك خلف الجيش، متوقعا حملة اغتيالات تستهدف قيادات عسكرية ومجتمعية وإعلامية ليسهل إعادة تشكيل المواقف الوطنية.

وفي أحدث تقرير للمنظمة الدولية للهجرة، فإن نحو 10.7 ملايين شخص نزحوا بسبب النزاع في السودان منهم 9 ملايين داخل البلاد بينما فرَّ 1.7 ملايين إلى دول الجوار، وفاق عدد من قتلوا منذ بداية الحرب أكثر من 13 ألفا، إلى جانب 8 آلاف جريح.

وأدى توسع دائرة الأمن وتقدم الجيش في أم درمان والخرطوم بحري وتراجع انتشار الدعم السريع في أحياء بالخرطوم إلى عودة عكسية للمواطنين إلى منازلهم من الولايات الآمنة ودول مجاورة، لجؤوا إليها. وزاد وتيرة العودة الضغوط الاقتصادية، بسبب ارتفاع أسعار إيجار المساكن وعدم وجود مصادر رزق في دول اللجوء ومصاعب التعليم لأبنائهم.

اقتصاد يترنح
ويوضح عباس أمين صاحب توكيل ترحيلات بين السودان ومصر للجزيرة نت أن بين 10 إلى 12 حافلة ركاب تتحرك يوميا من القاهرة إلى السودان، حيث تتوجه لمدن دنقلا وعطبرة وبورتسودان وأخيرا إلى أم درمان.

ودعا حاكم ولاية الخرطوم محمد عثمان حمزة المواطنين إلى العودة للمناطق الآمنة في ولايته، وافتُتحت فروع للمصارف بأم درمان وعاودت الشرطة نشاطها، وبدأت حملة لإصلاح الخدمات وتطهير المناطق السكنية من المتفجرات والشظايا وإزالة النفايات.

وقدرت مراكز بحوث وجهات دولية حجم خسائر الحرب المباشرة بنحو 110 مليارات دولار. وشهد عام 2023 تفاقما لخسائر الاقتصاد السوداني، الذي تراجع إلى 42%، وفق تقارير الأمم المتحدة، فيما توقع صندوق النقد الدولي انكماشا بنسبة 18% هذا العام، وهي أكبر نسبة تراجع في تاريخه.

وفقد الجنيه السوداني أكثر من 50% من قيمته، إذ كان سعر صرفه أمام الدولار 570 جنيها قبل الحرب وحاليا 1400 جنيه بالسوق الموازي.

كما رفعت الحرب معدل البطالة في السودان إلى 47.2%، بحسب إحصاءات الصندوق، وتصاعدت معدلات التضخم إلى 256%، وتراجعت حركة الصادرات بنحو 60%، لكن وزارة المالية ذكرت أن صادرات الثروة الحيوانية في عام الحرب أفضل من سابقه.

وحذّر برنامج الغذاء العالمي من أن مناطق نزاع في السودان معرضة لخطر مجاعة “كارثية” وقدر أن 25 مليون شخص، أي قرابة أكثر من نصف السكان، يحتاجون إلى مساعدات.

بيد أن وزارة الزراعة قالت إن مخزون الحبوب بجانب إنتاج الموسم الزراعي يفوق حاجة السودان من الغذاء، ولكن المشكلة في الظروف الأمنية وصعوبة توصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين.

مبادرات
وبعد أسابيع من اندلاع القتال، دعت الولايات المتحدة والسعودية طرفي النزاع إلى محادثات في جدة وتوصلا إلى “إعلان جدة” لحماية المدنيين والمساعدات الإنسانية وأقر هدنا عدة لكنها انهارت.

وعُلقت آخر جولة للمفاوضات في ديسمبر/كانون الأول الماضي لاتهام الجيش الدعم السريع بعدم الالتزام بسحب قواته من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين ومؤسسات الدولة الخدمية ودواوين الحكومية.

ثم طُرحت مبادرات من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية لتنمية شرق أفريقيا “إيغاد”، وآخرها مبادرة دول جوار السودان، وتعثرت الأولى بسبب تعليق عضوية السودان في المنظمة الأفريقية، ثم تجميد عضويته في “إيغاد” بعدما اتهمها بعدم الحياد ولم تتحرك الأخيرة نحو خطوات عملية.

ويتمسك الجيش بعدم العودة إلى أي مفاوضات جديدة إلا في حال نفذت قوات الدعم السريع ما ورد في “إعلان جدة”، مما أدى إلى توقف المفاوضات. وتتحرك واشنطن حاليا مع الرياض لتوسيع مظلة منبر جدة ليكون “جدة+” بإضافة الفاعلين في المشهد السوداني وهم مصر والإمارات والاتحاد الأفريقي و”إيغاد”.

الجزيرة نت

Exit mobile version