قرار العودة إلى امدرمان.. بين الحقائق والدعايات ..هل تصلح في الوقت الراهن لعودة المواطنين ؟

رغم أن العاصمة المثلثة الخرطوم لم تشهد دخول قوات الدعم السريع في بعض المناطق، إلا أنها تأثرت بشكل كبير بالحرب، حيث كانت محاصرة من قبل هذه القوات، في ظل معارك طاحنة تدور منذ عام غيرت معظم معالم الولاية التي كانت تحتضن الملايين وفرغت تدريجيًا من السكان. وبعد أن “فك الجيش اللجام”، استطاع السيطرة على جزء كبير من العاصمة، مما أتاح لبعض المواطنين العودة إلى أم درمان بعد أن غادروها مجبرين. وشهدت منصات التواصل الاجتماعي انتشارًا كبيرًا للأنباء عن عودة عدد كبير من المواطنين إلى ديارهم في أم درمان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تصلح أم درمان في الوقت الراهن لعودة المواطنين إليها؟

ويقول المواطن محمد فضل السيد، عندما يتحدث الناس عن أم درمان، فإنهم يقصدون المدينة المقسمة إلى ثلاث محليات، وهي كرري، وأمبدة، وأم درمان، ولكل محلية وضعها الخاص منذ الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023م وحتى الآن. وأكد هذا المواطن أن محلية أم درمان حاليًا تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع بصورة كاملة.

مواطن لـ”الترا سودان”: الأحياء التي تقع بالقرب من سوق أم درمان ممنوع دخولها إلا بتصريح دخول من الجهات الأمنية
ويشير فضل السيد في حديثه مع “الترا سودان” إلى أن محلية أمبدة عبارة عن منطقة مسرح للعمليات، ومحلية كرري تقع تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية بصورة كاملة، مؤكدًا على وجود مناوشات بين طرفي الصراع في أم درمان. وأضاف: “العودة إلى أم درمان أمر غير ممكن في الوقت الراهن”.

وأوضح هذا المواطن أن الدخول إلى محلية أمبدة وأم درمان ممنوع، عدا منطقة المهندسين من الناحية الشرقية بشارع الموردة حيث يُسمح للمواطن بالدخول، لافتًا إلى أن الأحياء التي تقع بالقرب من سوق أم درمان ممنوع دخولها إلا بتصريح دخول من الجهات الأمنية، ويُدون في التصاريح مكان سكنك والمسار الذي ستتخذه والمدة التي تريد قضاءها في حي العمدة أو بيت المال أو حي العرضة.

ويضيف أن الأحياء التي يُسمح فيها بالدخول مثل الحارة الأولى وحتى سوق أم درمان، لا تتوفر فيها الخدمات الأساسية، وتعتبر هذه الأحياء مناطق تماس وعمليات عسكرية. مؤكدًا على حدوث مناوشات خلال الأيام الماضية بالقرب من كبري ود البشير.

حقائق ودعايات
ويرى المتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم، حسام علي، أن الحرب تمثل خطرًا دائمًا على حياة المواطنين، وأن أم درمان ما تزال منطقة صراع عسكري. لكنه يعترف بالظروف الإنسانية التي دفعت الأسر للإقدام على مخاطرة العودة إلى أم درمان.

ويضيف علي في حديثه مع “الترا سودان”، أن المواطنين فقدوا مصادر العيش الشريف في الولايات، بالإضافة إلى ارتفاع الإيجارات وغيرها من المشكلات التي دفعت بعض المواطنين للمخاطرة والعودة إلى أم درمان. ويشير إلى أنهم لا ينصحون أي شخص لم يكن “مضطرًا” بالعودة إلى أم درمان حتى تتوقف الحرب والصراع العسكري.

طالب المتحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم، القوات المسلحة السودانية بأداء واجبها في حماية المدنيين العزل وضمان سلامتهم
ويطالب المتحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم، القوات المسلحة السودانية بأداء واجبها في حماية المدنيين العزل وضمان سلامتهم، سواء الذين بقوا في مناطقهم أو الذين نزحوا إلى مدن آمنة. كما يعتبر أن حياة المواطنين وأمنهم يجب أن تكون أولوية على المكاسب السياسية والعسكرية.

أما المواطنة رؤى عمر فترى أن العودة إلى مدينة أم درمان أمر صعب، مشيرة إلى أن الوضع حاليًا في أم درمان لا يسمح بمكوث المواطن لأنها منطقة حرب، بالإضافة إلى الوضع النفسي. وتعتبر هذه المواطنة أن العودة إلى أم درمان في الوقت الحالي خيار صعب ولا يستطيع أحد تحمل الاشتباكات وأصوات الأسلحة ومشاهدة الموتى.

وتشدد رؤى في حديثها مع “الترا سودان” على أن على المواطنين الانتظار حتى تحرير العاصمة السودانية بالكامل وعودة الأمن والاستقرار إليها، لأن الحرب خلفت الكثير من الدمار في الممتلكات والأرواح، وهذا يشكل عاملاً نفسيًا خطيرًا، مؤكدة: “لا يمكن العودة إلى أم درمان الآن لأنها ليست صالحة للمعيشة، والسبب أن الحرب لم تنته بعد”، بحسب تعبيرها.

قرار العودة إلى أم درمان
وتعتقد اختصاصية الطب النفسي، ثريا إبراهيم الحاج، أن عودة المواطنين إلى ديارهم في أم درمان، التي يُروج لها باعتبارها آمنة، تعتبر قرارًا شخصيًا. ولكنها أشارت إلى أنه من الملاحظ وجود أسر لم تكن ترغب في النزوح إلى أن وصلت إلى قناعة بضرورة الخروج من أم درمان.

اختصاصية الطب النفسي ثريا إبراهيم لـ”الترا سودان”: قرار العودة يتوقف على الإنسان ورغبته الحقيقية في العودة أو عدمها، وهناك أمور محددة كضرورة لعودة المواطنين إلى مناطق النزاع

وأشارت ثريا في إفادتها لـ”الترا سودان”، إلى أن اختيار العودة يتوقف على الإنسان ورغبته الحقيقية في العودة أو عدمها، مشيرة إلى وجود أمور محددة كضرورة لعودة المواطنين إلى مناطق النزاع، منها توفير الأمن والسلام للمواطن، وتوفير الخدمات والسلع الأساسية، بالإضافة إلى توفير بيئة صحية نظيفة بعد التلوث البيئي الناتج عن جثث وبقايا الحرب نفسها في أم درمان.

وتساءلت اختصاصية الطب النفسي عن دور الدولة في تهيئة الظروف المناسبة لحياة إنسانية لعودة المواطنين، مؤكدة على أن العودة إلى أم درمان تعتمد على قرار شخصي وتهيئة المنطقة من حيث الأمن والسلام. وأردفت: “نحن بحاجة إلى معلومات دقيقة وشفافة عن وضع المنطقة، ثم يُتخذ القرار بالعودة إلى أم درمان أو عدمها”.

وتعيش بعض الأسر في بيوتها بالعاصمة الخرطوم منذ بداية الحرب، بينما عادت بعض الأسر إلى أم درمان بعد نزوحها لأسباب متعددة، منها غلاء أسعار الإيجارات في الولايات الآمنة والتضييق على السودانيين في السفر إلى دول الجوار.

على الرغم من استمرار الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، إلا أن الأنباء الأخيرة تشير إلى استقرار الأوضاع في أم درمان
وعلى الرغم من استمرار الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، إلا أن الأنباء الأخيرة تشير إلى استقرار الأوضاع في أم درمان، مما أدى إلى فتح الأسواق وبدء عمل المستشفيات والمراكز الصحية وبعض المرافق الحكومية. وهذا دفع العديد من المواطنين إلى التفكير في العودة إلى أم درمان.

وتفاعلت منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير أمس، مع أنباء عن عودة مواصلات “الثورة بالنص” إلى سوق أم درمان عبر سيارات التاكسي التعاوني المعروفة باسم “مريم الشجاعة”، وتتميز هذه السيارات بالتنقل داخل حدود أم درمان القديمة، خاصة على الخط الثورة إلى سوق أم درمان. وبحسب الأنباء، عادت إلى العمل هذه المركبات التي تعد من معالم مدينة أم درمان بعد توقفها بشكل كامل منذ بداية الحرب في العاصمة، وسط فرحة كبيرة بين أهالي أم درمان.

الترا سودان


انضم لقناة الواتسب

انضم لقروب الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.