ماذا لو جفّت مياه «دجلة والفرات»؟.. مخاطر واسعة النطاق

يؤثر الجفاف الشديد وندرة المياه على المجتمعات من أفريقيا إلى أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط.

ويلقي الخبراء اللوم على مزيج من ظاهرة الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان ودورة الطقس النينيو.

ومع توقع تفاقم الإجهاد المائي في عالم يزداد حرارة، فإن الضغط الحتمي على الري وإمدادات المياه العذبة يمتد إلى توليد الطاقة الكهرومائية، وهو مصدر حيوي للطاقة منخفضة الكربون يعتمد على الأنهار المتدفقة بحرية.

الطاقة الكهرومائية.. أكبر مصدر متجدد للكهرباء
الطاقة الكهرومائية هي أكبر مصدر متجدد للكهرباء في العالم -على الرغم من أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية تنمو الآن بوتيرة أسرع- ويجب أن تتضاعف القدرة بحلول عام 2050 إذا كان العالم يريد الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، حسبما تفيد الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.

لكن في النصف الأول من عام 2023، عانى الناتج العالمي من انخفاض تاريخي بنسبة 8.5%، حيث شكلت الصين، أكبر مولد للطاقة الكهرومائية في العالم، ثلاثة أرباع الانخفاض بعد جفاف الأنهار والخزانات الرئيسية.

مكافحة أنهار الشرق الأوسط لتغذية السدود الكهرومائية
وفي الوقت نفسه، تشهد قدرة الطاقة الكهرومائية انخفاضًا طويل المدى في الشرق الأوسط، بما في ذلك على طول حوض نهري الفرات ودجلة الذي كان خصبًا والذي يعد “واحدًا من أسرع المناطق جفافًا على وجه الأرض”، وفقًا لبنيامين بوهل، رئيس برنامج دبلوماسية المناخ والأمن في مركز الأبحاث الألماني أديلفي (Adelphi).

الأنهار التي تجري من تركيا عبر سوريا والعراق كانت تغذي ذات يوم “مهد الحضارة الإنسانية”، كما قال بول في تصريحات لموقع “دويتشه فيله”.

لكن الجفاف المستمر -الذي يتسم بارتفاع معدلات التبخر وانخفاض هطول الأمطار- وزيادة المنافسة على موارد المياه الضئيلة، يعني أن هذه الدول المطلة على النهرين تكافح من أجل ري الزراعة وتعزيز إنتاج الطاقة الكهرومائية.

فيما شهدت 3 سدود للطاقة الكهرومائية تم بناؤها على رأس نهري الفرات ودجلة في تركيا منذ حوالي 30 عامًا انخفاضًا بنسبة 25% في قدرة توليد الكهرباء خلال تلك الفترة، وفقًا لبحث أجراه دورسون يلدز، خبير الطاقة الكهرومائية المقيم في تركيا.

يقول يلدز: “إن الانخفاض في توليد الطاقة الكهربائية له علاقة كبيرة بموجات الجفاف في المنطقة”. ويضيف أن تناقص هطول الأمطار وتساقط الثلوج يرتبط بتغير المناخ، وسيؤدي في النهاية إلى انخفاض بنسبة 30-40% في تدفقات نهر الفرات، بحلول نهاية القرن الحالي. ويؤثر هذا الجفاف أيضًا على بلدان المصب.

في دراسة أجريت عام 2019، يقول سمير الغبوري، الخبير في هندسة تقنيات الحاسوب في جامعة “الكتاب” في كركوك بشمال العراق، إن تدفقات الأنهار قد تباطأت بالفعل مع تزايد احتياجات الري وسعة الطاقة الكهرومائية في دول المنبع.

وباستخدام 12 نموذجًا مناخيًا لفهم التغيرات التي حدثت على مدى عدة عقود في تدفق مجاري المياه، يتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تسريع هذا الانخفاض ويمكن أن يؤدي إلى خسائر تتراوح بين 5% و18% في الطاقة الكهرومائية بحلول عام 2050.

وقد يبدو هذا متواضعاً مقارنة بالانخفاض الذي لوحظ بالفعل بنسبة 25% في حوض الفرات العلوي في تركيا. ومع ذلك، فإن الانخفاض “سيشكل على الأرجح ضغطاً كبيراً على نظام الطاقة في العراق”، حسبما قال الغبوري في تصريحات لموقع “دويتشه فيله”.

وفي بلد يكافح بالفعل لتلبية احتياجاته من الطاقة، تعد الطاقة الكهرومائية مصدرًا مهمًا للطاقة المتجددة مما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري الذي يسخن الكوكب مثل النفط والغاز.

ويمهد تغير المناخ إلى ظهور آثار الجفاف في حوض نهري دجلة والفرات مرة واحدة كل 10 سنوات، بدلًا من مرة واحدة كل 250 سنة قبل أن يبدأ متوسط درجة الحرارة في الارتفاع، وفق تقرير صادر عن مجموعة أبحاث المناخ الدولية وورلد ويذر أتريبيوشن (World Weather Attribution) والمعروفة اختصارًا بـ”دبليو دبليو إيه” (WWA).

ولخفض آثار تغير المناخ بالطاقة الكهرومائية في العراق، يوصي الغبوري ببناء محطات كهرومائية أكثر كفاءة، وتوظيف إدارة أفضل للموارد من خلال إعادة تدوير المياه، أو تطوير السدود الصغيرة لتخزين المياه الزائدة في أثناء هطول الأمطار.

وأردف: “الممارسات الزراعية المقاومة لتغير المناخ والتعاون الإقليمي” مهمة -كذلك- للاستفادة القصوى من موارد المياه المتناقصة.

ندرة المياه تتطلب تعاوناً إقليمياً
وفق تقديرات “دبليو دبليو إيه”، يبرز الجفاف الذي ضرب حوض نهري دجلة والفرات خلال المدة من 2020 إلى 2023 “ثاني أسوأ موجة جفاف على الإطلاق، تغذيها درجات الحرارة المرتفعة”.

ولتلك الموجات تأثير مدمر على جزء كبير من السكان الذين يعتمدون على الزراعة البعلية (القائمة على مياه الأمطار) مثل زراعة القمح وتربية الماشية.

وقالت خبيرة إدارة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتقيم في ألمانيا، نعمة شريف: “بعض الأماكن في سوريا والعراق يضربها الجفاف بالكامل”، في تصريحات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وقالت شريف، في إشارة إلى التوترات المتعلقة بالأنشطة البشرية مثل سحب المياه من المنبع وبناء السدود: “الحروب المستقبلية ستكون بسبب المياه”.

ويعتقد بنيامين بوهل أن التعاون وتحسين إدارة المياه سيكون في نهاية المطاف في “المصالح المشتركة” لجميع البلدان المطلة على طول نهري الفرات ودجلة -بما في ذلك الحاجة إلى الطاقة الكهرومائية النظيفة للتخفيف من أزمة المناخ.

وفي الوقت الذي تكافح فيه العراق وسوريا لإيجاد الاستثمار المناسب للتكيف مع المناخ، فإن التوصل إلى اتفاق جماعي لتحديث المعاهدات التي عفا عليها الزمن بشأن تخصيص المياه في حوض نهري دجلة والفرات، يعد أمراً أساسياً “لتعظيم استخدام الموارد في جميع أنحاء المنطقة”. ومع ذلك، لا يتم التفاوض حاليًا على مثل هذه المعاهدة الملزمة.

العين


انضم لقناة الواتسب

انضم لقروب الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.