فخ الإنتاجية الفائضة.. كيف تهدد الصين نفسها والعالم بأسره؟

اجتاحت السلع التكنولوجية الصينية الرخيصة الأسواق العالمية هذا العام، ما أثار مخاوف في واشنطن وبروكسل حيث تشتكي الشركات الغربية مما يعتبرونه جولة جديدة من المنافسة غير العادلة، وفقا لتقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، اطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

لكن الزعيم الصيني شي جين بينغ يرفض هذه الاتهامات، قائلاً: “لا توجد مشكلة تسمى بالطاقة الإنتاجية الفائضة الصينية”. بدلاً من ذلك، يقول المسؤولون الصينيون إن السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والمنتجات الصينية الأخرى ببساطة أفضل وأكثر قدرة على المنافسة من مثيلاتها الغربية.

لكن بنظرة على القطاع الصناعي الصيني تظهر إشارات وعلامات واضحة على وجود طاقة إنتاجية فائضة، خاصة في الصناعات: مثل الألواح الشمسية والسيارات والصلب. وفي بعض القطاعات، يبدو أن الوضع سيزداد سوءًا، حيث تواصل الصين توسيع قدرتها الإنتاجية حتى مع بقاء الطلب المحلي ضعيفا.

ليس من السهل تعريف “الطاقة الإنتاجية الفائضة” لأن من غير الواضح ما المقصود بـ “الفائض” مقارنة بما يُقاس عليه.

هل يجب مقارنة حجم الصناعة الصينية والاستثمارات الجديدة بنموها الحالي؟ مقابل نمو العالم؟ أم مقابل نمو الصين المستقبلي؟

يفضل السياسيون الغربيون الذين يتوقعون موجة من السلع الرخيصة التعريف الأول (أي مقارنة حجم الصناعة الصينية والاستثمارات الجديدة بنموها الحالي)، بينما تفضل بكين التعريف الثاني أو الثالث.

مصانع الصين
نشاط التصنيع في الصين ينمو بأسرع وتيرة في عامين
ما هو واضح أنه منذ عام 2021، استثمرت الشركات الصينية في التصنيع أكثر من المعتاد، على الرغم من أن الطلب المحلي والصادرات كانت ضعيفة في كثير من الأحيان.

وكان هذا الاتجاه ملحوظًا بشكل خاص لبعض القطاعات التي تحظى بدعم بكين وغالبًا ما تستفيد من الإعانات، مثل السيارات الكهربائية.

فقد بلغ نمو الاستثمار في قطاع السيارات إلى حوالي 25 بالمئة على أساس سنوي في أوائل عام 2023. لكن الارتفاع الكبير في استثمارات الألواح الشمسية والرقائق الإلكترونية والبطاريات أكثر إثارة للإعجاب والدهشة.

هوامش الأرباح تنكمش.. إشارة جديدة على الطاقة الإنتاجية الفائضة

مع زيادة حجم الاستثمار، انخفضت هوامش الربح للمنتجين والمصنعين الصينيين بشكل كبير، خاصة بالنسبة للسيارات والصلب.

كانت هوامش الربح الصافية لقطاع التصنيع الصيني ككل أقل من 4 بالمئة في أوائل عام 2024، وهو أقل بكثير من المتوسط الذي بلغ حوالي 6 بالمئة في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

الصادرات الصينية تحت الضغط

دفعت القدرة الإنتاجية الهائلة إلى جانب ضعف الطلب وانخفاض الهوامش في الداخل المزيد من السلع الصينية إلى الأسواق العالمية. وقد أدى هذا الفائض في المعروض إلى خفض أسعار بعض السلع الصينية وتقويض أو إضعاف المنافسين في الخارج.

لكن التأثير كان مختلفا بحسب المنتجات المتنوعة.

في حين ركز الساسة الغربيون على التهديد الناجم عن السيارات الصينية، فإن انخفاض الأسعار كان حتى الآن أسوأ بكثير في قطاعات الصلب والألواح الشمسية.

فقد ارتفعت أسعار بطاريات الليثيوم أيون بشكل حاد منذ عام 2020 – على الرغم من أنها بدأت تنخفض بسرعة في الأونة الأخيرة.

قطاع العقار المتأزم يتحمل جزءًا من اللوم

ظهرت مشكلة الطاقة الإنتاجية الفائضة الصينية الأخيرة بشكل جدي جديا في نفس الوقت تقريبًا الذي شهد فيه قطاع العقارات في البلاد انهيارًا كبيرًا. وهذا ليس من قبيل الصدفة.

أدى انهيار العقارات إلى كبح الطلب على الصلب وغيره من مواد البناء.

ومع جفاف الاقتراض للرهن العقاري، أدى الانهيار أيضًا إلى تحرير المدخرات الفائضة للاستثمار في أشياء مثل السيارات والرقائق ومصانع الخلايا الشمسية – وهو ما تشجع عليه بكين بقوة، والتي تفضل نموذجًا للنمو الاقتصادي يعتمد على التصنيع بدلاً من النموذج المعتمد على العقارات والاستهلاك.

جانب من اللقاء
الإمارات والصين.. اتفاقيات ومذكرات تفاهم في قطاعات مختلفة
مصانع الصين
نشاط المصانع في الصين ينكمش في مايو للمرة الأولى منذ 3 أشهر
وطالما ظلت سوق العقارات الصينية راكدة، واستمر الأفراد الصينيون في الادخار، وأصرت بكين على الخروج من المشاكل الاقتصادية عن طريق التصنيع، فمن غير المرجح أن يتحسن وضع الطاقة الإنتاجية الفائضة في الصين بشكل كبير.

قطاع الطاقة الشمسية في موقف أسوأ

يبدو وضع الطاقة الإنتاجية الفائضة في الصين أسوأ حالاً في مجال تصنيع الخلايا الشمسية، والذي يعتبر، إلى جانب تطبيقات الطاقة النظيفة الأخرى، من بين ما يسمى بـ “القوى الإنتاجية الجديدة” التي تسلط بكين الضوء عليها كعنصر أساسي لاستراتيجية نموها المستقبلي.

وفقًا للبيانات الرسمية، أنتجت الصين في عام 2023 أكثر من 450 غيغاوات من الخلايا الشمسية. لكنها قامت بتركيب أقل من 220 غيغاوات محليًا – وهو رقم ضخم ولكنه لا يزال أقل من نصف ما تنتجه.

تقدر شركة كابيتال إيكونوميكس أن الصين ستصنع حوالي 750 غيغاوات هذا العام. وإذا بقيت عمليات التركيب عند نفس المستوى، فسيعني ذلك أن الصين ستنتج حوالي 500 غيغاوات من الخلايا الشمسية “الفائضة” في عام 2024.

وهذا رقم ضخم جدا يكفي أن تعرف أنه يعادل تقريباً أربعة أضعاف إجمالي عدد الألواح الشمسية التي تم تركيبها في عام 2023 في بقية أنحاء العالم.

الوضع قد يزداد سوءًا في الفولاذ والبطاريات

تعتبر الصين أكبر منتج ومستهلك للصلب في العالم. وعادة ما تزداد صادراتها من الصلب بشكل كبير عندما تواجه سوق العقارات مشاكل.

لبنى بوظة
هل تقضي الصين على الهيمنة الأميركية؟

لكن الصين لا تزال تستخدم نسبة أعلى من إنتاجها من الصلب محليًا، مقارنةً بفترة ذروة الركود الكبير السابق في قطاع العقارات عام 2015، وخلال الأزمة المالية العالمية عام 2009.

ومع ذلك، تبدو هوامش ربح الصلب أسوأ بكثير مما كانت عليه في عام 2015، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع أسعار خام الحديد. وهذا يعني أن مصنعي الصلب لديهم حافز قوي للعثور على أسعار أعلى في الخارج.

بالنسبة للبطاريات، بدا توازن العرض والطلب العالمي أفضل حتى وقت قريب. ولكن هناك الآن علامات تحذير واضحة تلوح في الأفق.

اتجهت أسعار صادرات بطاريات الليثيوم أيون الصينية للانخفاض بشكل حاد منذ أواخر عام 2023، حيث خففت شركات صناعة السيارات العالمية من وتيرة إنتاج السيارات الكهربائية.

وفي الوقت نفسه، يستعد المصنعون الصينيون لزيادة تاريخية في العرض، على الرغم من الإرشادات الأخيرة الصادرة عن بكين والتي تهدف إلى الحد من الاستثمار في إنتاج البطاريات منخفضة التكلفة.

قدر بنك غولدمان ساكس العام الماضي أن تصل قدرة إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية الصينية، إلى حوالي 1000 غيغاوات ساعة بحلول عام 2025 – وهو ما يزيد تقريباً عن ضعف توقعات البنك الأميركي للطلب الصيني.

كما يتوقع غولدمان ساكس أن تتعرض معدلات استغلال مصانع البطاريات خارج الصين للانخفاض من حوالي 100 بالمئة في عام 2022 إلى حوالي 80 بالمئة بحلول عام 2026.

لبنى بوظه
النفوذ أم الاستثمار.. ماذا تحتاج الصين؟

بصيص أمل في السيارات الصينية

لقد تركز الاهتمام السياسي على صادرات السيارات الصينية المتزايدة وطاقتها الإنتاجية الفائضة، وهذا مبرر بالنظر إلى مدى أهمية قطاع السيارات للاقتصادات الغربية.

لكن في حين أن وضع بعض شركات صناعة السيارات الغربية صعب للغاية بلا شك، فإن موجة الاستثمار في قطاع السيارات الصيني لعامي 2022 و 2023 آخذة في الهدوء الآن.

لقد انخفض الاستثمار، الذي كان ينمو بنسبة تقارب 20 بالمئة على أساس سنوي في عام 2023، إلى 5.7 بالمئة، وهو رقم يتماشى تقريبًا مع المتوسط التاريخي. كما يبدو أن هوامش الربح قد استقرت، وإن كان ذلك عند مستوى أقل مما كانت عليه في الماضي.

بعبارة أخرى، في حين تظل الطاقة الإنتاجية الفائضة كبيرة، فقد لا تتفاقم بسرعة بعد الآن. يبدو أن حرب أسعار السيارات في الصين وتباطؤ اعتماد السيارات الكهربائية في الخارج قد أديا أخيرًا إلى كبح جماح هوس الاستثمار المحموم في الداخل الصيني.

ومع ذلك، فإن هوامش الربح في المعدات الكهربائية تتجه نحو الانخفاض مرة أخرى – وهذه علامة تحذير أخرى للخلايا الشمسية ومعدات أخرى مثل البطاريات.

سكاي نيوز


انضم لقناة الواتسب

انضم لقروب الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.