هل يجنّب الموسم الزراعي الجديد السودان الجوع والعجز الاقتصادي؟
ينتظر السودان الموسم الزراعي الصيفي الذي ينطلق رسميا في الأسبوع الأول من يوليو/ تموز الجاري، لتخفيف معاناة غالبية المواطنين بعد تحذير أممي من أن أكثر من 25 مليون سوداني (ما يمثل أكثر من نصف السكان) يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي.
ويعمل نحو 80% من القوة العاملة في السودان في قطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني، الذي يُسهم بنسبة 32.7% من إجمالي الناتج المحلي الذي بلغ 34.3 مليار دولار في نهاية 2021، وفق البنك الدولي.
وعلى الرغم من انفصال جنوب السودان في يوليو/تموز 2011 والذي حمل معه أكثر من ثلثي الاحتياطات النفطية في السودان وأكثر من 70% من الغطاء الغابي في البلاد، فإن مساحة الأراضي القابلة للزراعة لم تتضرر كثيرا، إذ كانت في حدود 200 مليون فدان وتراجعت إلى 170 مليونا.
ولدى السودان 5 مشاريع زراعية مروية (من مياه النيل أو الآبار) يعتمد عليها في تكوين المخزون الإستراتيجي من الحبوب الغذائية مثل الذرة والدخن، بجانب المداخيل النقدية للصادر من القطن والفول السوداني والسمسم، وتأمين جزء من احتياجات البلاد من القمح.
وأكبر هذه المشاريع يوجد في ولاية الجزيرة وسط السودان، والذي يعد أيضا أكبر مشروع بأفريقيا يُروى انسيابيا (بالغمر) من النيل الأزرق، بجانب مشروعات السوكي، وودي حلفا، والرهد، ودلتا طوكر شرقي البلاد.
ويعتمد المزارعون في هذه المشاريع على التمويل المصرفي أو الشراكات مع رجال أعمال بطريقة قسمة الإنتاج بعد تمويلهم كل مراحل العملية الزراعية من بذور ومبيدات وأسمدة وآليات زراعية، وصولا إلى جوالات تعبئة المحاصيل المنتجة.
ويبدو الوضع بالنسبة لمزارعي القطاع المطري في إقليمي كردفان ودارفور غربي السودان أحسن حالا من واقع القطاع المروي، إذ يعتمد غالبيتهم على أموالهم الخاصة في عمليات الزراعة والتي تتم بشكل يدوي تقليدي، لكن مساهمة هذا القطاع في الإنتاج الكلي ضئيلة، إذ تتم الزراعة في مساحات محدودة لسد احتياجات المزارعين.
ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الزراعي السوداني المختص بتمويل النشاط الزراعي، فإن المساحة المزروعة التي يمولها في البلاد تناقصت 60% عن السنوات السابقة.
وتقول دراسة أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الاقتصادية، إن نصف الأسر الريفية تعاني من توقف أنشطة الزراعة التي تعتاش منها، وهي نسبة ترتفع إلى 68% في ريف ولاية الخرطوم.
الإنتاج
وأظهر تقرير رسمي لمجلس الوزراء، اطلعت عليه الجزيرة نت، أن إنتاج الموسم الزراعي الصيفي الماضي من الذرة بلغ نحو 3 ملايين طن مقارنة بـ5 ملايين طن في الموسم السابق عليه قبل اندلاع الحرب، و633 ألف طن من الدخن مقارنة بأكثر من مليوني طن في الموسم السابق عليه، كما تراجع القمح من 476 ألف طن إلى 377 ألف طن.
وعزا التقرير تراجع الإنتاج إلى انخفاض المساحات، التي تمت زراعتها من أكثر من 46 مليون فدان حسب المخطط إلى نحو 35 مليون فدان، بسبب تأثر ولايات الجزيرة وكردفان ودارفور بتدهور الوضع الأمني، وصعوبة نقل مدخلات الإنتاج من التقاوي والأسمدة والوقود وارتفاع أسعارها، وضعف التمويل المصرفي، وعدم حصاد حوالي 7 ملايين فدان بسبب الأوضاع الأمنية. وبلغت صادرات البلاد من الحبوب في الموسم الماضي حوالي 1.6 مليون طن في مقابل استيراد 2.3 مليون طن من السلع الغذائية.
يذكر أنه لا توجد فجوة غذائية في السودان، إذ إن إنتاج الذرة والقمح يبلغ أكثر من 3.3 ملايين طن، مع وجود أكثر من 2.5 مليون طن من المخزون الإستراتيجي وما يدخره المزارعون، مقابل الاستهلاك الذي يبلغ 5.5 ملايين طن، لكن التحدي يتمثل في توصيل الإنتاج إلى المواطنين، حسب التقرير الرسمي.
وفي مارس/آذار الماضي قدّر برنامج الغذاء العالمي إنتاج الذرة الرفيعة والدخن والقمح لسنة 2023 بنحو 4.1 ملايين طن، أي بتراجع 46% عن الناتج المحقق في السنة السابقة، وبانخفاض نسبته 40% مقارنةً بالمتوسط للسنوات الخمس الماضية.
تجربة القمح
ونفذ برنامج الغذاء العالمي بتمويل من البنك الأفريقي للتنمية تجربة حققت نجاحا في زراعة القمح بالموسم الشتوي الماضي، وأدت إلى زيادة إنتاج القمح بنسبة 70% في مواقع المشروع المستهدفة في 5 ولايات وهي: الجزيرة، وكسلا، ونهر النيل، والنيل الأبيض، والشمالية، وفق تقرير صدر خلال الشهر الماضي.
وأوضحت مديرة البنك الأفريقي في السودان ماري مونيو أن إنتاج القمح بلغ 645 ألف طن متري، مما يجعل تدخل البنك حاسمًا للاستجابة للأزمات للنازحين داخليًا، مضيفة أن أكثر من 30% من المستفيدين في الولاية الشمالية هم من النازحين.
بدوره، قال ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره القُطري في السودان إيدي رو إن المشروع يهدف إلى توزيع بذور القمح والأسمدة المتكيفة مع المناخ على أكثر من 170 ألف مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة في الولايات الخمس.
وأوضح إيدي رو أن إنتاج 645 ألف طن متري من القمح يمثل 22% من إجمالي احتياجات استهلاك القمح في السودان. وكان حوالي 16 ألفًا من المزارعين الذين تلقوا الدعم نزحوا حديثا بسبب الصراع خلال الأشهر الـ13 الماضية.
تهديدات
يواجه الموسم الزراعي الصيفي تحديات تهدد بتقلص المساحات بسبب ضعف التمويل ومدخلات الإنتاج، فضلاً عن شح الوقود وارتفاع أسعاره، رغم هطول الأمطار مبكرا عن موعدها في نهاية يونيو/حزيران وبداية يوليو/تموز.
كما يمثل الوضع الأمني في مناطق الصراع المسلح أبرز التهديدات للمزارعين من قطاعي الزراعة المروية في ولاية الجزيرة والمطرية، في ولايات كردفان ودارفور.
غير أن وزير الزراعة والغابات أبو بكر عمر البشرى طمأن المزارعين بتوفير مدخلات الإنتاج وتذليل العقبات وتهيئة المناخ الملائم للموسم لزراعة 35 مليون فدان بالتركيز على الذرة والدخن نظرًا إلى اعتماد غالبية السودانيين على هذه المحاصيل في الأمن الغذائي.
وقال البشرى، خلال مؤتمر صحفي الثلاثاء الماضي، إن الولايات المتأثرة بالحرب لن تخرج كليًا من دائرة الإنتاج لأن المشاريع الزراعية تتركز في الأرياف وليس المدن، فضلًا عن إصرار المزارعين على زيادة المساحات.
وبشأن التمويل، أشار وزير الزراعة إلى أن البنك الزراعي وصل مرحلة قريبة من الإفلاس بسبب عدم استرداد الأموال التي منحها للمزارعين خلال الموسم الماضي لأن الصراع المسلح أسهم في تعثر الغالبية عن السداد.
في المقابل، انتقد تجمع المزارعين السياسة التمويلية الجديدة للموسم الصيفي التي أعلنها البنك الزراعي، ووصفها بـ”المعيبة والمدمرة للقطاع وتقود المزارعين نحو الإعسار والسجن وتهدد بفشل الموسم”.
وحمل إدارة البنك الزراعي واللجنة العليا مسؤولية أي فشل يحدث للموسم الزراعي خاصة في إنتاج محصول الذرة والذي يعتبر من أهم المحاصيل في مناطق الزراعة المطرية.
وقال التجمع في بيان إن البنك الزراعي حدد سعر الذرة بفارق كبير عن السعر السائد بالسوق، وشكا من ارتفاع كلفة الإنتاج لارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، خاصة البنزين والأسمدة والمبيدات والتقاوي والآليات.
وأشار إلى أن ذلك يتزامن مع رفع الدولة يدها عن دعم الإنتاج كليًا، وفرضها رسومًا وضرائب باهظة أثقلت كاهل المزارعين وتسببت في حبس الكثيرين منهم، وخروج بعضهم عن دائرة الإنتاج.
وقال المزارع حامد إبراهيم بولاية القضارف بشرقي السودان إن ضعف التسويق وضعف أسعار الذرة والسمسم أديا إلى تكبيدهم خسائر كبيرة.
ورفض تحديد البنك الزراعي 35 ألف جنيه (58.24 دولارا) لجوال الذرة، واعتبره سعرا غير واقعي بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج، مما يجعل الزراعة غير مجزية. وتوقع إبراهيم عزوف كثيرين عن الزراعة في الموسم الحالي.
وفي ولاية شمال كردفان، يقول المزارع عبد الله حميدان إنه لم يجد تمويلًا من المصارف ولم يحصل على تقاوٍ (بذور) وسيزرع مساحة محدودة من الذرة والدخن تكفي أسرته وسيسعى إلى مشاركة تجار لديهم سيولة لزراعة محاصيل التصدير مثل الفول والسمسم لأنه يعتمد على دخله في الزراعة، مبديًا مخاوفه من تمدد المواجهات العسكرية إلى منطقته.
أزمة الصمغ العربي
يواجه إنتاج وتصدير الصمغ العربي من السودان تحديات عدة بسبب الحرب وارتفاع كُلفة النقل على خلفية التوترات الأمنية على الطرق التي تربط مدينة بورتسودان بمناطق الإنتاج، في وقت يحجم فيه سائقو شاحنات عن العمل في مناطق إنتاجه في ولايات كردفان غربي البلاد.
وينتج السودان 80% من الإجمالي العالمي من الصمغ العربي.
وقال رئيس شعبة مصدري الصمغ العربي أحمد العنان، في تصريح صحفي السبت الماضي، إن صادرات السودان من الصمغ العربي قبل الحرب تراوحت بين 120 و150 ألف طن، لكنها تراجعت بعد الحرب في 2023 بنسبة 60%، متوقعًا مزيدًا من الانخفاض في العام الحالي لتسجل ما بين 40 ألف طن و50 ألف طن.
وحول الصعوبات التي تواجه إنتاج الصمغ، أشار العنان إلى أن أبزرها غياب الأمن في أغلب مناطق الحزام، بالإضافة إلى العزوف عن العمل بسبب الظروف الأمنية وغياب التمويل.
خيبة أمل المزارعين
من جانبه، يقول الخبير الزراعي عثمان الأغبش إن الموسم الزراعي مهدد بسبب تمدد الحرب من إقليمي دارفور غربًا حتى ولايتي الخرطوم والجزيرة وسط البلاد، وصولاً إلى ولاية سنار جنوبي شرقي البلاد، والتي سبقتها خيبة آمال المزارعين جراء الموسم السابق الذي شهد تدنيا في الإنتاج وانخفاض الأسعار وما أعقبهما من كساد أدى إلى تعثر المزارعين في سداد التزاماتهم تجاه المصارف بعد حصولهم على تمويل.
وتوقع الأغبش، في حديث توقف نشاط كبار مزارعي القطاع المطري وتقليص الرقعة المزروعة لتقليل الصرف على مدخلات الإنتاج والاتجاه لزراعة تقليدية في مساحات محدودة تسد حاجة المزارع ومواشيه فقط، نتيجة التهديدات الأمنية التي تطال المعدات والآليات، بالإضافة إلى ضعف التسويق والصادرات.
ويرجّح أن يركز غالبية المزارعين على زراعة مساحات صغيرة للمنتجات الغذائية، أما الزراعة التصديرية في المناطق التقليدية للسمسم والفول السوداني بغربي البلاد، فلن تكون مساحاتها واسعة حتى لو وجدوا تمويلًا، لأن المصدرين أحجموا عن شراء إنتاج الموسم السابق بسبب إغلاق الطرق من قبل قوات الدعم السريع وفرضها رسومًا على الشاحنات ونهب بعضها.
كان صندوق النقد الدولي توقع انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 18.3% بسبب الحرب، التي دمرت القاعدة الصناعية، وأخرجت مساحات زراعية واسعة من الإنتاج، وأوقفت النشاط الاقتصادي بما في ذلك الخدمات التجارية والمالية وتآكل قدرة الدولة.
كما قالت منظمة الصحة العالمية في أحدث تقرير لها عن السودان، إن أكثر من 25 مليون سوداني (أكثر من نصف سكان البلاد) يواجهون مستويات حادةً من انعدام الأمن الغذائي، وفقا لآخر تحليل للتصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي الحاد الذي أُجري بين أواخر أبريل/نيسان وأوائل يونيو/حزيران 2024.
ويواجه نحو 755 ألف شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، في حين يعاني 8.5 ملايين شخص نقصا حادا في الغذاء ومعه ارتفاع مستويات سوء التغذية.
وثمة 14 منطقة عرضة لخطر المجاعة، منها مثلا مناطق في ولايات دارفور والخرطوم والجزيرة وَتجمعات من المشردين داخليا واللاجئين، وهذه أسوأ مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد التي سجلها التصنيف المرحلي المتكامل في السودان على الإطلاق.
الجزيرة نت