انتشرت في الأيام القليلة الماضية كثير من المعلومات والفيديوهات والصور؛ حول دخول إثيوبيا خط المواجهة والصراع الدائر في السودان إلى جانب ميليشيا الدعم السريع ضد الجيش السوداني.
وبحسب المعلومات المتداولة فقط اتخذ التدخل الإثيوبي أشكال متعددة من إرسال السلاح والذخيرة للدعم السريع إلى جانب المرتزقة والمقاتلين وانتهاءً بالتوغل المباشر للقوات الإثيوبية والسيطرة على بعض الأراضي.
وشهدت السنوات الأخيرة أزمات سياسية وأمنية متتالية بين إثيوبيا ودول الجوار، وبشكل خاص مع السودان والصومال ومصر. ولعل السبب الرئيسي وراء تلك الأزمات هي الطموحات الغير محدودة للقيادة الاثيوبية بالسيطرة على مزيد من الأراضي والمساحات المائية والوصول لمنفذ بحري يدعم اقتصادها.
وقد تمت ترجمة المساعي الاثيوبية الحثيثة بهذا الاتجاه، بأزمات على الأرض مع دول الجوار، لكنها في الوقت ذاته، لاقت المصالح الإثيوبية في المنطقة دعماً أمريكياً – إسرائيلياً يوحي بالتقاء المصالح الأمريكية الإثيوبية في كثير من الملفات ويشير إلى وقوف واشنطن وراء تصعيد تلك الأزمات، بما يحقق مصالحها.
التدخل الإثيوبي في السودان
في سياق متصل، تداولت بعض وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية معلومات وصور جوية لوصول عدد من طائرات الشحن الإثيوبية إلى قاعدة “أم جرس” الجوية شمال تشاد، محملة بالعتاد والذخيرة والأسلحة المتفرقة تمهيداً لنقلها إلى ميليشيا الدعم السريع في السودان.
وبحسب الأنباء المتداولة، ووفقاً لشهود عيان، فقد تم رصد وصول 75 جندياً إثيوبياً إلى تشاد في وقت سابق وتم نقلهم إلى السودان على الفور لمساندة ميليشيا الدعم السريع، مما دفع الممثل الخاص للسودان لدى الأمم المتحدة، لاتهم تشاد بالتوسط والمساعدة في تقديم السلاح والذخيرة لميليشيا الدعم السريع.
في السياق ذاته، اجتاحت ميليشيا الدعم السريع مدينة “سنجة” حاضرة ولاية سنار، ولاحقاً سيطرتها الكاملة على المدينة، متوعدة بالسيطرة على مواقع جديدة.
ويأتي ذلك وسط حديث حول دعم إثيوبي بالعدة والعتاد للدعم السريع ضمن اتفاق أمريكي – إثيوبي حول السودان والصومال، أدى لتقدم ملحوظ لقوات الدعم السريع في مناطق جنوبي السودان.
كما أعلنت بعض وسائل الاعلام في نهاية يونيو الماضي، عن توقل للجيش الاثيوبي وسيطرته على بعض المناطق في الفشقة السودانية، وتحالفه عسكرياً مع ميليشيا الدعم السريع. وقامت القوات الإثيوبية برفع العلم الإثيوبي على أرض سوداتية، وغلق بوابات المياه من سد النهضة مع الملء الخامس، بالتوازي تعرض الجيش للحصار من الجنوب مع تقدم ميليشيا الدعم السريع نحوها وسيطرتها على جبل مويه.
التدخل الإثيوبي في الصومال
إلى جانب ذلك، اتهم السفير الصومالي لدى الأمم المتحدة أبوبكر ضاهر عثمان، القوات الإثيوبية بتنفيذ عمليات توغل غير قانونية عبر الحدود المشتركة بين البلدين مما أدى إلى مواجهات مع قوات الأمن الصومالية.
ونقلت وكالة “رويترز” عن عدد من الزعماء المحليين أن مجموعة من الجنود الإثيوبيين عبروا الحدود إلى منطقة هيران الصومالية الاسبوع الماضي، دون أي تعليق من الجيش الإثيوبي ووزارة الخارجية.
وبحسب بعض المراقبين والخبراء فإن تحركات القوات الإثيوبية هذه تندرج في سياق سعيها للسيطرة على إقليم أرض الصومال للحصول على منفذ بحري لها على ميناء زويلع ضمن اتفاق سري مع واشنطن.
مخاطر السياسة الإثيوبية على المصالح المصرية
تعتبر أزمة “سد النهضة” التي بدأت منذ أكثر من 10 أعوام بين مصر وإثيوبيا هي العنوان العريض للعلاقات بين البلدين.
وبحسب ما كشفته الصورة الفضائية الحديثة للسد، تعتزم إثيوبيا البدء بالملء الخامس لبحيرة السد نهاية يوليو الجاري والذي سيستمر حتى 10 سبتمبر المقبل، دون اتفاق أو تنسيق مع دولتي المصب السودان ومصر.
ويأتي ذلك على وقع معارك مفتوحة في السودان، وانشغال مصر بالقضية الفلسطينية، ويرى الخبراء أنه كلما زادت السعة التخزينية للسد، زادت القدرة على التحكم في المياه، مما يعنى القدرة على تخزين نحو 50% من حصص دولتي المصب السودان ومصر.
وبحسب خبراء في الشأن الإفريقي فإن إثيوبيا هي شرطي الولايات المتحدة في المنطقة، فهي تطبق الخطط التي تضمن مصالحها ومصالح واشنطن في المنطقة والتي تضر بشكل كبير بمصالح الدولة المصرية وأمنها القومي والمائي والاقتصادي.
وأضافوا أن تدخل اثيوبيا في الصراع السوداني، يأتي ضمن سياق مساندة ميليشيا الدعم السريع ودفعها للانتصار على الجيش السوداني بهدف إسقاط حكم البرهان بالقوة، خاصة بعد توجه الفريق أول عبد الفتاح البرهان شرقاً للتحالف مع موسكو، وفشل رئيس الوزراء الأسبق حمدوك بإحداث تغيير سياسي يناسب المصالح الأمريكية. وهو ما يعني اسقاط الدولة السودانية وفوضى وانعدام للأمن وتهديد مصالح مصر الأمنية عبر السودان، عدا عن أزمات أخرى من اللاجئين والنازحين وغيرها.
من ناحية أخرى انتصار ميليشيا الدعم السريع – الحليفة لإثيوبيا – سوف يحقق لإثيوبيا السيطرة على مزيد من أراضي النيل واستكمالها لبناء سد النهضة وسدود أخرى وملئها وبالتالي تحكم أكبر وسيطرة في ملف المياه وتهديد أمن مصر المائي.
في سياق ذي صلة فان إثيوبيا استغلت بشكل مدروس وممنهج كل أزمات المنطقة وشاركت حتى بخلق بعضها بغطاء أمريكي-إسرائيلي حتى تتمكن من استكمال مشروع سد النهضة وجعله أمرا واقعا وتهديد الأمن المائي للدولة المصرية برمتها.
ويرى مراقبون أن أديس أبابا انتهزت فرصة استثمار الولايات المتحدة وإسرائيل بملف مشروع سد النهضة، كورقة ضغط على مصر للقبول بالشروط الأمريكية والإسرائيلية في ملف حرب غزة والمفاوضات الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتابعت أديس أبابا أعمال بناء السد وملئ أجزائه بغطاء أمريكي إسرائيلي، وسط تأييد دولي ضعيف لموقف مصر.
وبحسب العديد من الخبراء والمراقبين، فإن ما يدفع الرئيس الإثيوبي أبي أحمد للتعنت بملف سد النهضة والمضي قدماً بالتدخل في السودان والصومال وتهديد المصالح المصرية، هو أن تنفيذ الخطة الأمريكية، سوف يحقق لأثيوبيا عدة أهداف. ويأتي في مقدمتها اعتراف واشنطن بانفصال إقليم “أرض الصومال”، الذي يحتل موقع استراتيجي هام جداً والذي لطالما سعت أثيوبيا لانفصاله، بهدف السيطرة عليه والحصول على ميناء زويلع الصومالي الهام جداً، وبالتالي منفذ بحري لها. إلى جانب ذلك، فإن أثيوبيا ستسعى للسيطرة على مساحات أكبر من نهر النيل والسيطرة على منطقة الفشقة، وبناء السدود والتحكم بمياه النيل كما تريد وبغطاء دولي.
وكانت وزارة الري المصرية عقب جولة المفاوضات الأخيرة، قد قالت، إن «المسارات التفاوضية انتهت»، بسبب «استمرار المواقف الإثيوبية الرافضة للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط، التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتماديها (أي إثيوبيا) في النكوص عما جرى التوصل له من تفاهمات». وأضافت أن مصر تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي.
صحيفة السوداني