معارك السودان: ولاية سنار ساحة لانتهاكات “الدعم السريع”
بصورة مفاجئة وجد سكان مدينتي سنجة والدندر في ولاية سنار جنوب شرقي السودان، أنفسهم وسط معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي بسطت سيطرتها على مدينة سنجة وأذاقت أهلها العذاب، وتبادلت الاشتباكات العنيفة مع الجيش في مدينة الدندر. وتسببت المعارك في مقتل وإصابة المئات من المواطنين وفقدان آخرين خلال فرارهم إلى مناطق أخرى هرباً من الاشتباكات، بينما فر سكان العديد من القرى في ولاية سنار للنجاة بحياتهم، استباقاً لوصول المعارك إليهم.
وسيطرت قوات الدعم السريع، في 26 يونيو/ حزيران الماضي، على مناطق جبال موية التي تبعد نحو 40 كيلومتراً عن مدينة سنار، قبل أن تهاجم بصورة سريعة في 29 يونيو الماضي مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، التي تبعد نحو 72 كيلومتراً عن مدينة سنار، وتقع على بُعد 360 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة الخرطوم.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، في الثاني من يوليو/ تموز الحالي، إن أكثر من 60 ألف شخص فروا بسبب القتال في بلدة سنجة في ولاية سنار إضافة إلى انعدام الأمن في منطقتي أبو حجر والدالي القريبتين. وقالت مسؤولة الاتصال في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية فانيسا هوغوينان، في مؤتمر صحافي في جنيف، إن أغلب النازحين جراء الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في بلدة سنجة تحركوا شرقاً نحو ولاية القضارف المجاورة. وأعلنت أن المكتب وشركاءه موجودون في ولاية القضارف ومستعدون لوصول النازحين بسبب الاشتباكات، مع إمدادات غذائية. ونبهت إلى أنه “مرة أخرى، تُضطر النساء والأطفال وأسر بأكملها للفرار، تاركين كل شيء وراءهم”، مع استمرار الوضع في التدهور في جميع أنحاء البلاد، التي تواجه الآن أسوأ حالة انعدام أمن غذائي منذ 20 سنة. وأضافت هوغوينان: “ما نحتاجه، وهو ليس مختلفاً عن الأجزاء الأخرى من البلاد، أن تخفف الأطراف حدة التصعيد على الفور، وتتجنب استهداف المدنيين، وتضمن المرور الآمن للفارين من القتال في سنجة وأماكن أخرى في السودان”.
ووفقاً لمفوضية اللاجئين الأممية فقد فر عشرة ملايين شخص من ديارهم في السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش ومليشيات “الدعم السريع” في 15 إبريل/ نيسان 2023، نزح العديدون منهم عدة مرات بحثاً عن الأمان. ومن بين هؤلاء لجأ نحو مليوني شخص إلى البلدان المجاورة، بينما نزح داخلياً 7.7 ملايين شخص، فيما انتقل 220 ألف لاجئ في السودان إلى أماكن أخرى في البلاد. ودانت مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية في بيان، في الرابع من يوليو الحالي، توسيع قوات الدعم السريع نطاق العمليات العسكرية لتشمل مناطق آمنة توفر الحماية لمئات الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن من المدنيين، والاعتداء على ممتلكات المدنيين وفرض قيود على حركتهم وانتهاك كرامتهم.
ولاية سنار بؤرة صراع رئيسية
وأضافت المجموعة أن ولاية سنار أصبحت بؤرة صراع رئيسية بعد شهور من المناوشات على حدود الولاية بين الطرفين. وذكرت أن استيلاء “الدعم السريع” على مقر الفرقة 17 مشاة، المركز القيادي للقوات المسلحة السودانية في مدينة سنجة في 30 يونيو الماضي، أدى إلى تحول كبير في حياة المدنيين في الولاية. وأشارت المجموعة إلى أن مئات الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن والمرضي يعانون خلال النزوح بشكل جماعي من ولاية سنار إلى ولايتي القضارف والنيل الازرق بحثاً عن الأمان “في مأساة وكارثة إنسانية يغض الضمير العالمي البصر عنها، كما هو الحال على مدى أكثر من 15 شهراً من الجحيم يعيشها الشعب السوداني تحت وطأة الصراع العبثي لجنرالات متعطشين للسلطة”.
وقالت المجموعة الحقوقية إن الطرفين يفاقمان ويضاعفان معاناة الفارين من الاشتباكات بفرض قيود على المعابر الرئيسية ومنع الفارين من التحرك بسلاسة، “حيث تسيطر الدعم السريع على معابر ود النيل التي تؤدي إلى ولاية النيل الأزرق، وكوبري الدندر وكوبري ود دوبا المؤديين إلى ولاية القضارف، وتنهب القوات الموجودة على هذه النقاط سيارات المدنيين وتتركهم يسيرون على أقدامهم، بينما تنصب القوات المسلحة ارتكازاً في قرية الشقيلة القريبة من كوبري الدندر وتمنع المدنيين من المرور إلى وجهاتهم”.
وقالت غرفة طوارئ مدينة الدندر في ولاية سنار (مجموعة تطوعية)، في بيان، في السادس من يوليو الحالي، إن مليشيا “الدعم السريع” هاجمت السبت الماضي قرية حويوا، شرق الدندر، و”قتلت وأصابت عدداً من المدنيين، وارتكبت مجزرة كالعادة بحق المدنيين العزل دون أسباب. كما شنت وكعادتها هجمات بربرية على عدد من القرى في شرق الدندر، وهي قرى تخلو من الوجود العسكري، بما يكشف نواياها السيئة في النهب والسرقة وتهجير المواطنين قسرياً”.
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد اعتبرت في بيان، في الأول من يوليو الحالي، أن “المليشيا الإرهابية تتمادى في استهدافها للمدنيين في القرى والمدن وتجمعات النازحين. كما شنت عدواناً جديداً على مناطق مختلفة في ولاية سنار شملت قرى جبل موية، حيث ارتكبت مجزرة راح ضحيتها أكثر من 40 من المدنيين العزل في ضواحي مدينة سنار”. وأشارت إلى أن “الدعم السريع ارتكبت مجازر بحق المدنيين في مدينة سنار، ثم مدينة سنجة، التي تعد من أكبر تجمعات النازحين، وتسببت هذه الاعتداءات في عمليات نزوح جديدة، بعد ما ارتكبته المليشيا من تصفيات للمدنيين وعمليات نهب واسعة وإخلاء قسري للسكان من منازلهم”. وأضافت أن “الدعم حولت مستشفى سنجة إلى ثكنة عسكرية تطلق منها هجماتها العسكرية على الأبرياء”. ولقي 25 شخصاً مصرعهم، يوم الخميس الماضي، معظمهم من النساء والأطفال، إثر غرق عبارة بين قريتي الدبيبة ولوني، شرق سنار. وعزت مبادرات تطوعية وناشطين أسباب الغرق إلى نزوح المواطنين بالمراكب النهرية عقب اقتحام قوات الدعم السريع منطقة شرق أبو حجار.
عناصر “الدعم” نهبوا كل شيء
وقال علي طه، وهو من سكان مدينة سنجة في ولاية سنار، لـ”العربي الجديد”، إن المعركة اندلعت بصورة مفاجئة، إذ انتشرت القوات العسكرية وبدأت في تبادل النيران، ووجد الناس أنفسهم عالقين في الوسط. وأوضح أنهم بعد هدوء الاشتباكات قليلاً قرروا الهرب من المدينة، ولكن عناصر قوات الدعم السريع كانوا يوقفونهم في الطريق وينهبون كل ما لديهم من أموال وهواتف وذهب من النساء.
وأضاف طه، الذي وصل مع أسرته إلى مدينة كسلا، شرقي البلاد، أن الكثيرين من سكان الحي وجيرانهم قتلوا بنيران الاشتباكات، وآخرون أطلق عناصر “الدعم” النار عليهم في الشوارع وداخل منازلهم. وتابع: “جارنا ميسور الحال دخلوا منزله ونهبوا كل شيء ثم أوقفوه في الشارع وأطلقوا النار على رجليه وغادروا. لقد سرقوا كل شيء من الناس. يعرفون منازل الناس بالاسم، ودخلوا البيوت وكأنهم جاؤوا إليها من قبل”. وأشار إلى أن “الهروب من المدينة كان صعباً للغاية، إذ فر الناس في كل الاتجاهات بسبب اقتحام عناصر الدعم السريع البيوت”. وأوضح أن “الناس كانوا يحملون الصغار وكبار السن للوصول إلى جسر سنجة وسكة الحديد، وكان الطريق ضيقاً عند الجسر، وهناك من قفزوا في الماء للعبور بسرعة، ما أدى إلى غرق البعض منهم نتيجة ذلك”.
فتحية جبارة: عناصر “الدعم” أخرجوا النازحين من سياراتهم وأخذوها
من جانبها، قالت فتحية جبارة، وهي من سكان مدينة سنجة، لـ”العربي الجديد”، إن عناصر قوات الدعم السريع بدأوا بدخول البيوت منذ اليوم الأول للهجوم، وطلبوا الأموال والذهب، وكانوا يدخلون المنزل شاهرين الأسلحة في وجهنا ويطلقون الرصاص بداخله بطريقة هستيرية. وأضافت: “يشعرون بغضب عارم وهياج عندما لا يجدون لدينا مالاً كثيراً أو ذهباً، وليس لدينا سيارة لأخذها”. وأضافت فتحية، التي فرت إلى مدينة كسلا، أن عناصر “الدعم” كانوا يحرصون بصورة خاصة على نهب الهواتف. وأضافت: “المفاجأة أحدثت إرباكاً لنا كأسرة في تنظيم عملية خروجنا، لأن بعض أفراد الأسرة، خصوصاً الأطفال، كانوا خارج البيت عند وقوع المعركة، وجمع أفراد الأسرة كان أمراً شاقاً جداً، فقد كان الرصاص يتطاير في كل مكان والناس يسقطون مصابين”.
انعدام وسائل النقل
وأشارت جبارة إلى أنه بعد الخروج باتجاه كبري سنجة انعدمت وسائل النقل، وقضى الهاربون يوماً كاملاً سيراً على الأقدام للانتقال بين مدينتي سنجة والدندر. وتابعت: “أطفال وعجزة ومرضى. عشرات الآلاف من المواطنين، قليل منهم من وافاه حظه بوسيلة نقل بعد مشقة ومعاناة. كان عناصر الدعم يخرجون النازحين من سياراتهم ويأخذونها. وعندما يهم أحدهم بعملية النهب يقدم مبررات مثل قتلتم أبناءنا أو أنكم ظلمتمونا”.
وأفاد نازحون من مدينة الدندر وصلوا إلى مدينة كسلا بأن هناك الكثير من المفقودين جراء الفرار العشوائي لسكان سنجة وضواحيها، ومدن الدندر والسوكي ومناطق شرق سنار. وأضافوا، في أحاديث لـ”العربي الجديد”، أن قوات الدعم السريع استباحت مدينة كركوج في ولاية سنار وما حولها من قرى، وضربت المواطنين وأطلقت النار على عدد منهم، خصوصاً من يعتقدون أنه عسكري أو موظف حكومي، كما نهبوا مقتنيات الناس وأموالهم. وقال مواطن من مدينة الدندر في ولاية سنار، فضل عدم ذكر اسمه، إن عناصر من قوات الدعم السريع منعوا الناس من الهروب عبر المراكب البحرية، وكانوا يستهدفون الشبان ويدققون في بطاقات الهوية، ونهبوا جميع مدخرات النازحين في الدندر وما حولها من القرى، مثل البردانة، وأبو هشيم وأم ضهير، وحويوا، وود المصري، وكاجا وكاكوم.
ونشر تجمع شباب سنار (مجموعة تطوعية)، تقريراً في الثالث من يوليو الحالي، قوائم لمفقودين من مدينة سنجة تضم 1029 شخصاً، داعياً نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للمساعدة في العثور عليهم. وأشار التجمع إلى أن هناك صعوبة في حصر عدد القتلى في الدندر، متوقعاً وفاة أشخاص من الجوع والعطش، حيث تعاني الولاية بالكامل من انقطاع الكهرباء والماء. وذكر أن عدد الضحايا من المدنيين الذين قُتلوا منذ دخول المليشيا ولاية سنار بلغ 297 في جبل موية، غربي سنار، مع احتمال وجود أعداد لم يتم حصرها بعد.
العربي الجديد