محادثات جنيف.. هل تنجح الأمم المتحدة في الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار بين الجيش والدعم السريع؟

في المبادرات الدولية لوقف إطلاق النار من أجل تسهيل وصول وتوزيع المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في السودان، تستضيف جنيف منذ الحادي عشر من يوليو الجاري، محادثات غير مباشرة بين الحكومة السودانية ومليشيا الدعم السريع، برعاية الأمم المتحدة.

وقال المتحدث باسم المنظمة الاممية، ستيفان دوجاريك إن المحادثات جاءت بناءً على دعوة من المبعوث الشخصي للأمين العام المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة.

ذات سويسرا
ويستدعي مراقبون المحادثات الإنسانية التي جرت في العام 2002 بين حكومة الرئيس السابق عمر البشير، وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د. جون قرنق، وانتهت بتوفيع اتفاق وقف إطلاق نار إنساني وتنفيذ برنامج “شريان الحياة” لإيصال المساعدات للمحتاجين في مناطق الحرب، وهي ذات أهداف الاجتماع الآن بين الحكومة وقوات الدعم السريع.

الأجندة
وقال وزير الإعلام ــ المتحدث الرسمي باسم الحكومة د. جراهام عبد القادر، تعليقاً على تغيّب وفد بلاده عن المحادثات، إن “الوفد لم يتلقَ أي أجندة أو برنامج عن هذه المداولات منذ وصوله إلى جنيف، قبل بضعة أيام وطُلِب من الوفد الذهاب إلى قصر المؤتمرات بجنيف خلافاً للطبيعة غير المباشرة للمناقشات غير المباشرة، وهو أمر لم ير فيه الوفد الحكومي داعياً، ويتناقض مع التفاهم حول عدم الإشهار الإعلامي لهذه المناقشات؛ الأمر الذي طالب به الممثل الشخصي للأمين العام”.

الإنقاذ
ويرى الباحث في الشؤون الأفريقية د. محمد تورشين، ان اجتماعات جنيف والاعتماد على الملف الإنساني كمدخل لحل الأزمة السودانية، هي محاولة جادة من الأمم المتحدة ومن وكالات الغوث العالمية لإنقاذ الوضع الإنساني والتحديات الإنسانية لكل النازحين الذين ظلوا في حالة نزوح مستمر واللاجئين في بعض دول الجوار مثل تشاد وإثيوبيا وإلى حد ما في مصر، وأضاف : “هؤلاء جميعا في حوجة ماسة للغوث في ظل توقف شبه تام لمؤسسات الدولة، وفي ظل تراجع المساحات المزروعة بمختلف مدن السودان، خاصة في ولاية الجزيرة التي تضم أكبر المشاريع الزراعية، ومدن ولاية سنار الزراعيّة والمهمة، في ظل تمدد الدعم السريع ومحاولاتها الحثيثة للسيطرة على ولاية القضارف، ومشروع الرهد وهو أيضاً من المشاريع الزراعية المهمة، كل هذا يؤثر على الأمن الزراعي، لذلك تسعى الأمم المتحدة من خلال محادثات جنيف للوصول لتفاهمات وإحداث اختراقات في هذا الملف وإيصال المساعدات للمحتاجين عبر الوكالات المتخصصة”.

لن تنجح
وفي المقابل، يرى الخبير العسكري عمر أرباب في حديثه ، أن معضلة المساعدات الإنسانية أو وقف إطلاق النار، لا تكمن في “تعزيز الثقة”، إذ أن المشكلة الحقيقية في هذه الحرب هي أن “إرادة القتال لا تزال لدى الطرفين”، بالتالي فإن أي حديث عن أي مسألة اجرائية لإيقاف الحرب كخطوات لن تجدي فتيلاً، لا بد من توافر الرغبة، كما أن عملية وصول المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار هي في الأصل ــ وإن كانت خطوات لتعزيز الثقة الموجودة، ولكنها خطوات تُبنى على رغبة الطرفين لإيقاف الحرب، وهذه الرغبة لا تزال معدومة عند كثير من أصحاب القرار عند طرفي الصراع، بالتالي هذه المحادثات التي تستضيفها جنيف “لن تنتج حلاً في المستقبل المنظور” ولا تستطيع الأمم المتحدة اتخاذ إجراءات إلا من خلال “فرض عقوبات”.

غياب الثقة والتواصل
ووقع الجيش وقوات الدعم السريع، منذ اندلاع صراعهما منتصف أبريل من العام 2023، ست “هدن”، فشلت جميعها، لأسباب عدة، أبرزها غياب الثقة والتواصل بين الطرفين، وسعيهما إلى إرضاء المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية دون تحقيق الالتزام على الأرض. فضلاً عن سعي الطرفين المتقاتلين إلى استغلال الهدن لتعزيز موقفيهما على الأرض.

معقّدة وشاقّة
ويواصل تورشين حديثه بأن أمام رعاة محادثات جنيف مهمة شاقة ومعقدة، وتحقيق وقف إطلاق نار إنساني ليس بالأمر الهين، وإذ سبق أن قادت الأمم المتحدة محاولات ولا تزال مستمرة، نجحت في بعضها ولكن في اللحظات الأخيرة رفضتها قوات الدعم السريع وتمسكت بأن يكون التفاوض مع الجيش وليس بين الحكومة والأمم المتحدة، ويضيف تورشين: “لذا سوف تكون هذه المحادثات معقدة لن يكون الاتفاق بالأمر اليسير، إذ أن منبر جدة الذي تمكن من تحقيق الكثير من التفاهمات في الملف الإنساني من وصول الأمر الى النقاط المهمة والدقيقة المرتبطة بخروج الدعم السريع من الأعيان المدنية وتجمع وإعادة الانتشار حتى يتم التوصل لاتفاق لم ينجح، لذلك وفي رأيي لن تحقق جنيف على الاقل خلال هذه الجولة شيئاً ولن تقود إلى أي انفراجة على المستوى الأمني والسياسي، وستكون في بداية الأمر محاولات جادة، لكن عندما تصل إلى نقاط دقيقة ومعقدة ستفشل كل المحاولات، وذلك بسبب غياب جهات راعية تمتلك تأثيراً قوياً وآليات ضغط وأدوات على الطرفين”.

شريان الحياة
في 22 يناير 2002، وقعت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق اتفاقاً يُعرف بـ”اتفاق سويسرا” لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد برقابة دولية، وتنص أبرز نقاط الاتفاق على تشكيل لجنة عسكرية لمراقبة وقف إطلاق النار تضم ممثلين عن الطرفين وبعثة مراقبة دولية مؤلفة من عشرة إلى خمسة عشر عضواً. ويهدف الاتفاق إلى تهيئة الأجواء الأمنية من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين عبر قاعدة “لوكاشيكيو” في كينيا على الحدود مع جنوب السودان، ويدعو إلى حرية تنقل المدنيين والسلع بما يشمل المعونات الإنسانية، ومنع زراعة الألغام، وإسهام الطرفين في إصلاح وإعادة فتح الطرق، ونزع الألغام من كل المنطقة التي يشملها الاتفاق. لكن لاحقاً اعتبر تقييم أجراه الجيش أن الاتفاق كان من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة وأضرت بهم عسكرياً.

المدخل الصحيح
ويقول د. الشفيع خضر، انه على قناعة بأن الملف الإنساني هو المدخل الرئيسي والصحيح لوقف الحرب في السودان، ويمثل أولوية قصوى لمعالجة الوضع الكارثي المتفاقم في السودان، مع التشديد على أن هذا الملف لا يقبل “التسييس ولا المساومة”، وينبغي ألا تكون المساعدات الإنسانية رهينة لدى الأطراف المتحاربة تستخدمها ككروت ضغط وسلاح في معركتها. والنجاح في هذا الملف، إضافة إلى أنه سيقلل من حدة الكارثة المأساوية، يمكن أن يشكل مدخلاً عملياً لوحدة القوى المدنية والسياسية المناهضة للحرب، ومدخلاً ملائماً لانطلاق العملية السياسية، ويضيف في مقال له أنه وبالنظر إلى فشل ترتيبات المساعدة الإنسانية وحماية المحتاجين في السودان منذ اندلاع الحرب، واقترح أن تجتمع الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة لإعادة النظر في المناهج المعمول بها حتى الآن وللاتفاق على أساليب جديدة، خارج الصندوق، أكثر فعاليةً في تلبية احتياجات الناس، وابتداع طرق جديدة للتسليم عبر الحدود، والتفتيش المشترك للمساعدات من قِبل أطراف النزاع والداعمين الدوليين، ودعم أنشطة غرف الطوارئ، واستخدام التحويلات النقدية الإلكترونية، وغير ذلك من الطرائق.

تجفيف موارد السلاح
ويمضى الخبير العسكري أرباب، موضحاً ان عملية إدخال القوات أيضاً في خضم هذا الصراع عملية معقدة وشائكة ومجازفة كبيرة، بالتالي، لا يمكن للأمم المتحدة إلا أن تقوم بفرض عقوبات والتضييق على الطرفين فى عمليات وصول السلاح حتى يحصل إجهاد لهما، وبعد ذلك يمكن الحديث عن عمليات تعزيز الثقة ووقف الحرب ووقف إطلاق النار وغيرها من الإجراءات التي تؤسس لاتفاق السلام.

استدعاء شريان الحياة
ودعا الشفيع إلى إمكانية الاستفادة من تجارب طرائق المساعدات الإنسانية السابقة مثل عملية “شريان الحياة”، ومقترحات 2016 ـ 2017 لمساعدة ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وعقد قيادات رفيعة المستوى وذات خبرة من المجتمع الدولي والإقليمي، جلسات تفاوض مع قيادات عليا متنفذة في القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، كلاً على حدة والاتفاق بشكل ثنائي مع كل طرف بشأن خلق الممرات الآمنة وتوصيل المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين، وذلك على أساس الاعتراف بحق كل طرف في السيطرة واشتراط موافقته على ممرات توصيل المساعدات. آمل أن يكون هذا هو جوهر ما يدور الآن في جنيف.

صحيفة السوداني


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.