المطابخ الجماعية تكافح لإغاثة المحتاجين في دارفور

في مخيم زمزم للنازحين، على بعد 15 كيلومترا جنوب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، تعيش المجتمعات المحلية تحديات كثيرة، أبرزها مواجهة نقص الغذاء والحصول على الإمدادات الأخرى. ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، ابتكر بعض المتطوعين الشباب والمنظمات الخيرية المحلية حلولا لمساعدة السكان المحتاجين.

وتأتي هذه الحلول على شكل “مطابخ جماعية” تقدم وجبات يومية لعشرات الأسر الأكثر احتياجا، وتُظهر هذه المبادرات كيف يمكن لهذه المجتمعات أن تتعاون وتتكاتف لمواجهة المصاعب والمشاكل دون انتظار التدخل والدعم الخارجي.

يقول رئيس منظمة “وادي حور” الخيرية أنور خاطر -للجزيرة نت- إنه في ظل استمرار الحرب والحصار المفروض على سكان الفاشر، نشطت مبادرات وطنية عديدة لمساعدة المحتاجين، ومن بينها منظمته التي تعمل على تقديم وجبات سريعة تلبي احتياجات مئات العائلات في المخيم، “في ظل فشل المنظمات الإغاثية الدولية في معالجة الأزمة الإنسانية وإيصال المساعدات إلى المستحقين”.

دور حيوي
يقول خاطر إن هذه المطابخ توفر كذلك مياه الشرب وبعض المستلزمات مجانا والدعم الاجتماعي والنفسي، وإن شباب حيّه يتطوعون لجلب المواد الغذائية من المحسنين داخل البلاد وخارجها. وأشار إلى أهمية التعاون حيث تلعب المجتمعات المحلية دورا حيويا في هذه المبادرات، داعيا الجميع إلى المشاركة والتطوع “لأن كل جهد مهما كان صغيرا يمكن أن يحدث فرقا كبيرا في حياة الآخرين”.

وأوضح أنهم يواجهون صعوبات في الحصول على الموارد، لكنهم مصممون على مواصلة عملهم. وأكد أنهم بحاجة إلى دعم أكبر من كافة الجهات لتحقيق أهدافهم وتلبية احتياجات المجتمع.

ووفقا له، ساهمت هذه المطابخ بشكل كبير في تخفيف الأعباء عن غالبية السكان المحتاجين، خاصة أولئك الذين ليس لديهم ما يكفي لدعم احتياجاتهم اليومية، مشددا على أنهم يعملون بجد أكبر لضمان أن يتمكن الجميع من الوصول إلى ما يحتاجون إليه رغم الظروف الصعبة.

وبعد مرور أكثر من 5 أشهر على فرض قوات الدعم السريع حصارها على الفاشر، تدهورت الأوضاع المعيشية للسكان ولمخيم زمزم للنازحين بشكل كبير. فقد وصلت الحالة الإنسانية إلى مستويات كارثية، وأصبح الجوع يهدد حياتهم. كما تحولت الحياة اليومية للناس إلى جحيم لا يطاق.

عمل دؤوب
من جانبه، قال المتطوع مبارك مختار من مطبخ مدينة الفاشر إن الحصار المفروض على المدينة خلق واقعا مريرا، ورغم ضعف التمويل فإن المطابخ الجماعية تعمل جاهدة لمواجهة أزمة الغذاء والظروف المعيشية الصعبة.

وأضاف للجزيرة نت أن هذه الجهود ليست كافية لمعالجة الأزمة في ظل نقص السيولة النقدية، إلا أن غالبية السكان أصبحوا يعتمدون على وجبات المطبخ بشكل يومي. وقال “نعمل بكل جهد وإيمان للحصول على الغذاء، ونسعى لتقديم كل ما نستطيع في ظل هذا الوضع”.

وعن أهمية العمل الجماعي، شدد مختار على أن التعاون بين المتطوعين والمجتمع المحلي هو ما يمنحهم القوة لمواصلة عملهم، وأن كل يد تمتد للمساعدة تسهم في تغيير واقعهم نحو الأفضل. وقال إن هذه الروح الجماعية تشعرهم أنهم ليسوا وحدهم في مواجهة هذه التحديات.

كما تحدث عن تأثير الأزمة على الأطفال، مؤكدا أنهم الأكثر تضررا، ولذلك يحرصون على توفير الوجبات المغذية لهم، “فنحن نؤمن أن الغذاء الجيد هو حق كل طفل، وعلينا أن نعمل بجد لضمان حصولهم عليه”.

ويأمل مختار أن تسهم هذه الجهود في بناء جيل قوي قادر على تخطي الصعوبات، قائلا “نعتقد أن الأمل موجود، وأن العمل الجماعي يمكن أن يحدث فرقا، ندعو الجميع للانضمام إلينا، فكل مساهمة، مهما كانت صغيرة، لها تأثير كبير في حياة الآخرين”.

مصدر أمل
في السياق، تقول إيمان هارون، نازحة من مدينة الفاشر وتقيم في مخيم زمزم للنازحين، إن ما اضطرها للنزوح من منزلها هو الحرب، إذ “كانت الحياة صعبة للغاية وخسرنا كل شيء، ولم نعرف كيف سنؤمن الغذاء لأطفالنا”.

وأضافت للجزيرة نت أنها شعرت في البداية باليأس، لكن بعد فترة علمت بوجود مطابخ مشتركة تقدم وجبات مجانية، فقررت الذهاب إليها، وكانت تلك الخطوة نقطة تحول في حياتها. وذكرت كيف أصبحت المطابخ مصدرا للأمل، وأنها عندما دخلت أحدها، استقبلها المتطوعون الشباب بابتسامة ولم تكن الوجبات مجرد طعام، بل كانت دعما إنسانيا شعرت من خلاله أنها ليست وحدها في هذه المعاناة.

وبفضل هذه المطابخ، تقول إيمان إنها تمكنت من إطعام أطفالها الستة بشكل يومي وكانت الوجبات مغذية، مما ساعدها في الحفاظ على صحتهم، وأكدت أن “المطابخ المجتمعية لم تزودنا بالطعام فحسب، بل أعطتنا الأمل في الحياة أيضا”.

من جهته، يقول النازح محمد عبد الله، وهو أب لثلاثة أطفال، إنه قبل وصوله لهذه المطابخ كان يواجه صعوبة في توفير الطعام لعائلته، لكنه يستطيع الآن الذهاب إلى أحدها كل يوم ويحصل على وجبة ساخنة، مما ساعده كثيرا في اجتياز الأوقات الصعبة.

وأوضح للجزيرة نت أنه في البداية كان مترددا لكن عندما شاهد كيف تم تنظيم الأمور وعدد الأشخاص المشاركين، شعر بالارتياح خاصة وأن المتطوعين طيبون للغاية وشرحوا له كيفية الحصول على وجبات الطعام.

وأكد عبد الله “لم تزودنا المطابخ بالطعام فحسب، بل كانت أيضا مكانا للقاء الآخرين والتواصل معهم، من خلال تلك الوجبات تعرفت على جيراني وأشخاص آخرين في الوضع نفسه. تبادلنا القصص والدعم مما ساعدني على الشعور بالأمل وبأنني لست وحدي في هذه المعاناة”.

وبفضل المطابخ الجماعية، يضيف، تمكن من التركيز على ما هو أهم والاهتمام أكثر بأطفاله ومساعدتهم في التغلب على الصعوبات، وختم “أشعر أن الأمل لا يزال موجودا، وأعتقد أننا سنتمكن من التغلب على هذه الأوقات الصعبة معا”.

الجزيرة نت


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.