هل بدأت واشنطن ضغوطها على الخرطوم؟
أخذ المبعوث الأمريكي “دونالد بوث” على عاتقه إعادة إحياء مسار التفاوض والحل السلمي من جديد بعد أن وصلت المفاوضات السابقة للطريق المسدود وفشلت محاولات إحداث اختراق في جدار الأزمة بالتوقيع على اتفاق لوقف العدائيات للتمهيد لاتفاق وقف إطلاق نار شامل قبل التسوية السياسية التي اتفق الجميع على أن مؤتمر الحوار الوطني بالخرطوم من يضع أسس وقواعد السلام القادم.. ولكن تبخرت كل تلك الأحلام وفشلت وعادت وفود التفاوض تلعن بعضها البعض.. وتبدد حلم الاستقرار ولاحت في الأفق بوادر حرب قادمة.. ولكن المبعوثين الأجانب توافدوا على الخرطوم مرة أخرى في الأسبوع الماضي، كانت زيارة مبعوث الأمم المتحدة “نيكولاس هيسيثم” الجنوب أفريقي البالغ من العمر نحو (70) سنة.. وقد أجرى مباحثات وصفت بالمهمة مع القيادات السودانية.. وقبل أن يعود إلى أديس أبابا التي يتخذها المبعوث الأممي مقراً لممارسة نشاطه.. وصل البلاد المبعوث الأمريكي للسودان “دونالد بوث” الذي استهل زيارته للبلاد بالنيل الأزرق التي عقد فيها لقاءات بالمسؤولين في الحكومة المحلية والمجتمعات التي تأثرت بالحرب، وشملت لقاءات المبعوث الأمريكي بعض أطراف المعارضة مثل: تحالف قوى المستقبل، ثم عقد يوم (الثلاثاء) الماضي مباحثات مع رئيس وفد التفاوض الحكومي المهندس “إبراهيم محمود حامد” الذي قال في تصريحات صحافية: إن الفصائل المسلحة هي المسؤول الأول عن فشل مفاوضات الجولة الماضية.. وأن حكومته مستعدة للتوقيع على اتفاق وقف العدائيات إذا كان الطرف الآخر يرغب في ذلك.. وقد أثمرت من قبل الضغوط الأمريكية على حمل متمردي حركات دارفور والحركة الشعبية -قطاع الشمال وحزب الأمة القومي على التوقيع على خارطة الطريق التي فتحت الباب الموارب لتسوية سياسية شاملة، إلا أن الفرقاء السودانيين فشلوا في التوافق على حلول الحد الأدنى، وهي وقف العدائيات في انتظار التفاوض حول قضايا شائكة جداً وطريق طويل ليس سهلاً عبوره في الوقت القريب.. والضغوط الأمريكية في القضية السودانية أثبتت فشلها الذريع سواءً أكان ذلك في مفاوضات نيفاشا أو مشاورات ما قبل توقيع المعارضة على اتفاق خارطة الطريق.. لأن السلام الذي يأتي بالضغوط لن يصمد كثيراً، وبدا واضحاً أن الضغوط أخذت تنهال على الحكومة من جهة الوسطاء الأجانب، وتنهال بذات القدر على الحركات المسلحة.. وما يصدر من أقوال عما يجري في غرف المشاورات الصامتة لا يعبِّر بدقة عما قيل.. ولكن المسافة بين الفرقاء بعيدة جداً.. وكل الجولات التي انتهت للفشل لم تبلغ نصف الطريق والقضايا الخلافية الحقيقية مسكوت عنها حتى اليوم، وهي قضايا قسمة السلطة.. ووضعية قوات الحركة الشعبية والانتخابات الماضية أو القادمة . وكل طرف يضع أسلحته في (دولاب) خاص.. وبعد (5) سنوات من التفاوض لم يتفق الطرفان على أية قضية وحتى اتفاق “نافع -عقار” كان مجرد إعلان مبادئ (إطاري) في داخله شياطين بعدد الحصى يمكنها نسفه والقضاء عليه.. وما يعرف بمسودة الاتفاق الإطاري المختلف حوله أكثر من المتفق عليه ، ولم يوقع عليها الطرفان حتى اليوم.. والقضايا الخلافية الحقيقية حول الحكم الذاتي الذي تطالب به الحركة الشعبية وترفضه الحكومة بزعم أن الحكم الذاتي هو الذي شجع الجنوبيين على الانفصال من خلال أنموذج 1972م، وترفض الحكومة من حيث المبدأ الحديث عن حكم ذاتي، وهي التي أخذت خطوات متتالية للتراجع عن الحكم الفيدرالي الذي ورد في الدستور من خلال سلب الولايات حق الانتخابات والسيطرة على الولايات بالتعيين.. وتطالب الحركة الشعبية باستيعاب قواتها في الجيش القومي ولا يعرف عدد قوات الحركة الشعبية، وتسعى للاحتفاظ بتلك القوات طوال الفترة الانتقالية ، بزعم أن الاتفاقية يجب حراستها بقوة خاصة بالحركة.. ولكن الحكومة تضع أولى شروط السلام أن تسلم الحركة الشعبية أسلحتها فور الاتفاق على وقف إطلاق النار قبل تنفيذ الاتفاق السياسي، وتتعهد مقابل ذلك باستيعاب من هم أهل للانضمام للجيش، وتسريح ما تبقى وفق سياسات مفوضية نزع السلاح والدمج القائمة الآن.. وترفض الحكومة أيِّ شراكة مركزية مع الحركة الشعبية، ولكنها لا تبدي ممانعة في شراكة مع الحركة الشعبية في (المنطقتين)، وقبيل المفاوضات الأخيرة قالت الحكومة على لسان عضو المفاوضات “الهادي عثمان أندو”: إن المؤتمر الوطني مستعد للتنازل عن حكم جنوب كردفان للحركة الشعبية إن رشحت أحد أبناء النوبة، وهي إشارة من “الهادي أندو” لرفضهم تعيين “عبد العزيز الحلو”.. وتبحث الحركة في ذات الوقت عن شراكة في الحكومة الاتحادية على غرار شراكة ما بعد نيفاشا.. وقبل ذلك فإن العقبة الكؤود التي حالت دون توقيع الاتفاق لوقف العدائيات هي وصول الإغاثة للمتضررين من الحرب.. والحركة تفترض أن هناك مواطنين في المناطق التي تسيطر عليها في حاجة لمعونات غذائية.. وحاولت استغلال تلك الحاجة بفتح مسارات للإغاثة من خلال دول أثيوبيا وكينيا وجنوب السودان، وتنازلت عن الأخيرة، ولكنها تمسكت بأن تأتي (20%) من المعونات الغذائية من أثيوبيا فقط، والحكومة ترفض دخول جوال واحد من الذرة عبر الحدود براً أو جواً.. وهي التي تذوَّقت مرارة اتفاق شريان الحياة الذي استغلته الحركة الشعبية (الأم) في السودان القديم لتشوين قواتها في الفترة من 89 وحتى 2005م، وكيف ساهم ذلك الاتفاق في إطالة أمد الحرب . والضغوط الأمريكية التي تنهال اليوم على المفاوضين في الفرقتين قد تحملها على توقيع اتفاقية دون قناعات حقيقية، ومثل هذه الاتفاقيات لن تصمد كثيراً في وجه العواصف والأنواء، وقد تم تجريب ذلك عام 2005م، وانتهت تلك الاتفاقية للفشل، والولايات المتحدة التي دفعت بالدبلوماسي “دونالد بوث” تبحث هي الأخرى عن مصالحها وتجميل وجهها ومخاطبة الناخبين الأمريكيين المقبلين الصيف القادم على انتخابات رئاسية، وأي نجاح تحققه الإدارة الأمريكية الراهنة في ملف إيقاف الحرب في السودان أو جنوب السودان، يدعم موقف المرشحة الأقوى “هيلاري كلنتون” التي هي في حاجة حقيقية لدعم الكتلة الأمريكية السوداء ، والتي تهتم كثيراً بقضايا الحرب والسلام في القارة الأفريقية
المجهر